عواصم - (وكالات): دعت منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية «هيومن رايتس ووتش» الحكومة العراقية إلى إجراء تحقيق بالتقارير التي تؤكد وقوع انتهاكات من قبل قواتها ضد المدنيين خلال عملية استعادة السيطرة على مدينة الفلوجة المعقل الرئيس لتنظيم الدولة «داعش» غرب بغداد، فيما أكدت الأمم المتحدة تعرض مدنيين عراقيين لانتهاكات تشمل القتل على أيدي ميليشيات عراقية في محيط المدينة، في حين قال شيوخ عشائر من المنطقة إن المليشيات دفنت مدنيين أحياء، وإن مئات المعتقلين لا تزال مصائرهم مجهولة، بينما أظهر فيديو انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي مشاركة عناصر من الحرس الثوري الإيراني في معركة الفلوجة. وتشن السلطات العراقية عملية عسكرية كبرى منذ 22 مايو الماضي لاستعادة السيطرة على المدينة التي سقطت منذ أكثر من عامين بيد المتطرفين. وتعتبر المدينة الواقعة على بعد نحو 50 كليومتراً غرب بغداد أحد آخر أكبر معقلين لاتزال بيد التنظيم إلى جانب مدينة الموصل شمال البلاد.
وقال نائب مدير المنظمة في الشرق الأوسط جو ستروك «على الحكومة العراقية السيطرة ومحاسبة قواتها إذا كانت تأمل أن تدعي أن الجانب الأخلاقي هو الأسمى في محاربتها ضد «داعش»».
ونقل البيان عن ستروك قوله «حان الوقت للسلطات العراقية للكشف عن المذنبين من القوات الأمنية الذين يقفون وراء الانتهاكات المتكررة».
ويشترك في عملية استعادة السيطرة على مدينة الفلوجة آلاف المقاتلين من القوات العراقية التي تشمل قوات الشرطة والجيش ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي الذي يضم فصائل شيعية. وأجرت المنظمة الحقوقية سلسلة من اللقاءات تثبت قيام عناصر من الشرطة الاتحادية والحشد الشعبي إعدام نحو 17 شخصاً من الفارين من منطقة السجر شمال شرق الفلوجة. وأرفقت المنظمة تقارير تشير إلى أن بعض المدنيين تعرضوا إلى الطعن حتى الموت وآخرين سحلوا بعد ربطهم بالسيارات في منطقة الصقلاوية شمال غرب الفلوجة.
واستجاب رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى القلق المتزايد وأمر بالتحقيق في حوادث الاعتداء والتخريب التي حصلت وملاحقة مرتكبيها وفق القانون. وأعربت المنظمة عن قلقها حيال التقارير التي تشير إلى قيام «داعش» بمنع المدنيين من الخروج من المناطق التي يسيطر عليها من خلال إعدام وقتل الذين يحاولون الفرار.
وكان المرجع الشيعي الكبير آية الله علي السيستاني أصدر مجموعة تعليمات لقوات الأمن تهدف إلى الحد من الانتهاكات في معارك الفلوجة. وأكدت الأمم تعرض مدنيين عراقيين لانتهاكات تشمل القتل على أيدي ميليشيات عراقية في محيط الفلوجة، في حين قال شيوخ عشائر من المنطقة إن المليشيات دفنت مدنيين أحياء، وإن مئات المعتقلين لا تزال مصائرهم مجهولة. وقال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين إن «لدى المنظمة تقارير محزنة للغاية وذات مصداقية عن تعرض رجال وصبية عراقيين لانتهاكات على أيدي جماعات تعمل مع قوات الأمن العراقية بعد الفرار من الفلوجة». وأضاف أن التقارير تشير إلى حالات إعدام محتملة لمدنيين اعتقلوا على إثر فرارهم من مدينة الفلوجة التي تخضع لـ «داعش». وتابع المفوض الأممي: إن شهوداً وصفوا كيف تعتقل الجماعات المسلحة التي تدعم قوات الأمن العراقية -في إشارة إلى مليشيات الحشد الشعبي- الذكور لإخضاعهم لفحص أمني، وأوضح أن ذلك الفحص يتحول في بعض الحالات إلى انتهاكات جسدية وأشكال أخرى من الانتهاكات لانتزاع اعترافات قسراً.
وقالت الخارجية الأمريكية إنها اطلعت على تقارير أممية بشأن تعرض عراقيين يفرون من الفلوجة لانتهاكات، واصفة ذلك بالمقلق. وكانت القوات العراقية مدعومة بميليشيا الحشد الشعبي وبمستشارين عسكريين إيرانيين - بينهم قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني بالإضافة إلى طيران التحالف الدولي - قد بدأت قبل أسبوعين هجوماً واسعاً يستهدف استعادة الفلوجة غرب بغداد من «داعش» الذي يسيطر على المدينة منذ مطلع 2014.
بيد أن الهجوم تحول -وفقاً لشهادات سكان وساسة عراقيين سنة- إلى انتقام طائفي يستهدف سكان الفلوجة والبلدات القريبة التي يعيش أكثر من خمسين ألفاً من سكانها في ظل حصار خانق.
وأكد عدد من شيوخ عشائر المحامدة في مؤتمر صحفي عقدوه بمدينة أربيل أن ميليشيا الحشد الشعبي دفنت مدنيين أحياء في خنادق، وقتلت آخرين بالرصاص أو تحت التعذيب.
وألقى أحد الشيوخ بياناً أكد فيه أن عدداً من المدنيين -الذين اعتقلوا أثناء فرارهم من مناطق تخضع لتنظيم الدولة- تم دفنهم أحياء في مدرسة ذي النورين ببلدة الكرمة التي تقع شمال شرق الفلوجة، والتي استعادتها القوات العراقية نهاية الشهر الماضي.
وأضاف أن مدنيين آخرين جرى اعتقالهم أثناء فرارهم من مناطق الاشتباكات حول الفلوجة قد تم قتلهم بالرصاص ودفنهم قرب معمل الدبس في حي الشهداء ببلدة الصقلاوية التي قالت القوات العراقية إنها استعادتها أيضا قبل أيام.
وتابع أن «المليشيات الطائفية المجرمة» قتلت العشرات في محيط الفلوجة، وعذبت 500 منهم «بأبشع الوسائل»، مؤكداً أن 5 من هؤلاء توفوا بسبب التعذيب، كما أكد أن 1500 ممن جرى اعتقالهم في محيط الفلوجة لا تزال مصائرهم مجهولة.
وفقا للرواية ذاتها، فقد جرى استهداف مدنيين فارين من القتال رغم أنهم كانوا يرفعون رايات بيضاء بعدما سمعوا بوجود ممرات آمنة أقامتها القوات العراقية باتجاه بلدة عامرية الفلوجة.
وفي وقت سابق، أفاد مدنيون تعرضوا للاعتقال أثناء فرارهم من مسارح الاشتباكات في أطراف الفلوجة بتعرض معتقلين لانتهاكات جسيمة من قبل مليشيا الحشد الشعبي تشمل القتل ذبحاً أو بالرصاص والتعذيب والإهانة.
وأكد برلمانيون عراقيون أن «ميليشيات طائفية» قتلت مدنيين ذبحاً في منطقة الصقلاوية، كما أدانت هيئة علماء المسلمين في العراق ومنظمات أخرى مجازر ضد المدنيين خلال الهجوم المتواصل على الفلوجة. وفي تطور آخر، أظهر فيديو انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، مشاركة عناصر من الحرس الثوري الإيراني في معركة الفلوجة. والفيديو القصير يظهر عنصراً من قوات الحرس الثوري الإيراني وهو يمسك هاتفه الخلوي ويتحدث بالفارسية قائلاً «نحن في ظهر الجمعة، وهذه عمليات تحرير الفلوجة. أنا إيراني».
وبعدها يقول أحد الأشخاص الواقفين «نحن عراقيون». وبعد هذا يهتف الحاضرون بشعارات طائفية.
ويأتي انتشار هذا الفيديو بعدما سبب حضور الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، احتجاجات واسعة في صفوف السياسيين العراقيين، ما أجبر وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري على القول إن سليماني يعمل مستشاراً عسكريا للحكومة العراقية.
من جهة أخرى، قتل 18 شخصاً وجرح 45 في تفجيرين بسيارتين مفخختين أحدهما انتحاري بالقرب من قاعدة عسكرية وسوق في منطقة بغداد، كما أعلنت الشرطة العراقية، وتبنى «داعش» الهجومين.