مع أن الوقت من أثمن ما عني الإنسان بحفظه، فهو في المقابل أسهل ما يضيع عليه، ونحن وإن كنا لا نسمح لغيرنا أن يسرق أموالنا، لكننا -ومع الأسف الشديد- قد نسمح وربما نبارك لهم سرقة أوقاتنا وأعمارنا وهذه هي المصيبة الكبرى؛ لأن المال قد يعوض، أما الوقت فلا يمكن تعويض لحظة منه بكل ذهب الدنيا، ومن ثم كان المغبون والخاسر حقيقة هو من فرط في أوقاته وضيعها، يقول صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) رواه البخاري.
وإذا كان الوقت بهذه القيمة والأهمية، فإن قيمته تعظم وأهميته تكبر في مواسم الخير، والأزمنة الفاضلة، وأوقات النفحات والبركات، ومن أعظمها شهر رمضان المبارك، حيث السوق قائمة، والأرباح متوافرة، والأجور مضاعفة، فحريٌ بمن كان يضيع وقته في غيره أن يعيد النظر في استغلاله، وحريٌ بمن كان يحرص على وقته في غيره أن يضاعف حرصه فيه.
ومما يؤسف له ما نجده في هذا الشهر الكريم من مظاهر تضييع الأوقات وقَتْل لها من قِبَلِ كثير من النساء؛ وذلك بقضاء الليالي في اللهو والسهر والجلوس أمام الشاشات، والخروج إلى الأسواق والمجالس والمنتديات، وقضاء النهار في النوم والطبخ، وكأن رمضان أضحى عندهن شهر النوم والطبخ نهاراً، والسهر واللهو ليلاً، وربما مر على المرأة رمضان تلو رمضان دون أن يحدث أي أثر على سلوكها، وزيادة الأعمال التي تقربها إلى الله، وتدارك أخطائها وتقصيرها في حق ربها، ما يحتم على الأخت المسلمة -التي ترجو الله واليوم الآخر- أن تراجع نفسها وتقف منها موقف الجد والحزم لتستثمر كل دقيقة، بل كل لحظة من لحظات هذا الموسم فيما يقربها من ربها ومولاها، فإن أيام الشهر قصيرة وساعاته محدودة سرعان ما تنقضي، وسراعاً ما تذهب.
والبعض منا قد يدرك أهمية الوقت وقيمته ولكن هذا الإدراك -مع الأسف في كثير من الأحيان- لا يعدو أن يكون إدراكاً معرفياً ذهنياً، لا يتجاوز أثره إلى تصرفاته وسلوكه وتعامله، ومن ثم فإننا بحاجة إلى أن نتجاوز هذه المعرفة النظرية إلى خطوات عملية نعيشها في حياتنا اليومية، تدفعنا إلى حسن التعامل مع أوقاتنا.
ونستذكر هنا ما قاله الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز (أيها المسلمون إنكم في شهر عظيم مبارك ألا وهو شهر رمضان، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، وتقال فيه العثرات، شهر تجاب فيه الدعوات، وترفع فيه الدرجات، وتغفر فيه السيئات، شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات، ويجزل فيه لأوليائه العطايات، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام، فصامه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن من صامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ، ومن قامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم، فعظموه رحمكم الله بالنية الصالحة والاجتهاد في حفظ صيامه وقيامه والمسابقة فيه إلى الخيرات، والمبادرة فيه إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب والسيئات، واجتهدوا في التناصح بينكم، والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى كل خير لتفوزوا بالكرامة والأجر العظيم).