قال استشاري الطب النفسي د.عبداللطيف الحمادة إن شهر رمضان المبارك يعد فرصة ثمينة لمعالجة تدهور العلاقات الاجتماعية التي أصبحت تتفاقم كل يوم وبصور مختلفة ومتعددة سواء كان على صعيد الأسرة أو العمل أو المجتمع، وغالباً ما تسودها المفاهيم الخاطئة كسوء الظن وقساوة التعامل وعدم التسامح وعدم الصبر والدوافع المادية وغيرها.
وأشار إلى أن البعض يتحجج بضغوط الحياة ومشاغلها ومشاكلها لتبرير أسباب القطيعة، وهذه مفاهيم سلبية يجب التخلص منها خلال الشهر المبارك.
وأضاف أنه لا تخلو حياتنا العائلية والوظيفية والاجتماعية من بعض الهفوات والزلات العفوية التي تطال الأهل والأقارب والأصدقاء والزملاء، إلا أنها في الكثير من الأحيان تحدث جرحاً غائراً في نفوس البعض إلى الحد الذي يدفعهم إلى فتور في صلة الرحم والعلاقات الشخصية، وقد يفضي ذلك إلى العزلة الاجتماعية والقطيعة التي تدمر الروابط الأسرية والاجتماعية، وتحول معاني التراحم والإخاء والتعاطف إلى علاقات باردة تفتقر لدفء المشاعر وصدق المحبة، فيصبح الفكر السلبي سيداً للموقف ويتحكم بسلوكيات ومواقف البعض ويسلبهم حق التأمل بخطورة الموقف الذي يلم بهم وبمدى قدسية تلك العلاقات وما تعنيه بالنسبة لهم وللآخرين وأسباب حصول القطيعة رغم عدم وجود مشكلات جوهرية كالخيانة والخداع والنفاق، وتطال قسوة تلك القطيعة حتى أكثر العلاقات قدسية وهي علاقة الأبوة والأخوة والعلاقة الزوجية، فتغدو المعاملة الحسنة التي ملؤها الحب والتفاهم والاحترام والحنان، مساحة لخيبة الأمل والانكسار والكره والألم.
وأوضح أن الاضطرابات النفسية تلعب دوراً بارزاً في فتور وقطع صلة الرحم وتدهور العلاقات الاجتماعية وهي عديدة ومتنوعة منها اضطرابات الشخصية مثل الشخصية الفصامية أو شبه الفصامية أو الاضطهادية وتتصف بالانطوائية والانعزالية والأفكار الغريبة والتشككية، وكذلك الشخصية النرجسية التي تتصف بالغرور والتكبر والتعالي على حساب الآخرين، والشخصية الهستيرية التي تتمحور حول نفسها وتحب لفت الانتباه والمبالغة في العواطف، والشخصية العدوانية التي تعنف العادات والتقاليد والقوانين، والشخصية الحدية التي تتصف بالاندفاعية وتقلب المزاج، والشخصية الوسواسية القهرية التي قد تعاني من فرط النظافة أو الترتيب أو التدقيق أو الكمالية أو المخاوف أو طقوس التعامل، والشخصية التجنبية وتتصف بالقلق والخجل والشك والحساسية الشديدة تجاه النقد.
وأضاف أن كل هذه اضطرابات قد تهدد العلاقات الاجتماعية ويتصور أصحابها وكذلك الآخرون بأنهم أسوياء طالما يتقبلهم المجتمع سواء كان ذلك في البيت أو العمل أو المجتمع.
وأكد أن هناك اضطرابات نفسية مهمة أخرى تؤثر تأثيراً سلبياً كبيراً على صلة الرحم والعلاقات الاجتماعية وتؤدي إلى القطيعة الأسرية أو الاجتماعية إذا لم تعالج بشكل سليم مثل داء الفصام والاكتئاب والهوس وداء الوسواس القهري والرهاب الاجتماعي واضطراب الهلع والإدمان بكل أنواعه: الكحول والمخدرات والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وذلك إما بسبب التقلب المزاجي الحاد أو نوبات الغضب والاهتياج والعدوانية أو الانعزالية أو الذعر أو السلوكيات غير الطبيعية وغيرها.
وذكر أن كل الاضطرابات النفسية يجب أن يعالج أصحابها علاجاً ناجعاً من قبل الأطباء النفسيين مع ضرورة تأهيلهم لدمجهم بالحياة الاجتماعية، لأن عواقب القطيعة وخيمة على حياة الفرد والعائلة والمجتمع فقد يتعرض الشخص المصاب إلى القطيعة من الآخرين لجهلهم بما يعانيه ويتصرفون معه على أساس أقواله وأفعاله، لذا يجب التأني قبل الحكم على أفراد العائلة والأقارب والأصدقاء والتأكد قبل اتخاذ أي قرار يندم عليه المرء فيما بعد.
ولفت إلى أن القطيعة تفقد المرء معنى الشعور بالانتماء الإنساني والاجتماعي، ومن هنا لا بد للجميع أن يضطلع بدور توطيد العلاقات الاجتماعية كل حسب مسؤوليته حيث يبدأ ذلك من النشأة الأسرية القويمة المرتكزة على التوافق الزواجي منذ البداية وتقبل الآخر وتعزيز روح التعاون والتآزر والتفاهم والصراحة فيما بينهم وبين أطفالهم وإلى ضرورة حسن الظن بالآخر مع ضرورة غرس تلك القيم في رياض الأطفال والمدارس والجامعات وعدم الاكتفاء بالتعليم ومن هنا لا بد أن نؤمن بأهمية التربية قبل التعليم ولابد من تجنب المفردات التي تدمر التآزر الإنساني والاجتماعي فيما بيننا مثل: لا تتدخل، مالك شغل؟.
وتابع لابد من علاج وتأهيل الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية بغض النظر عن نوعها وشدتها حيث تتحمل العائلة والعمل والمدرسة والجامعة مسؤولية تقديم العلاج والتأهيل لتلك الحالات لدمجها بالمجتمع. وهذا هو واجب الجميع تجاه مجتمعنا الحبيب.
وشدد على أن من الضرورات التي تحسن العلاقات الاجتماعية التفكير الإيجابي وحسن الظن وتجنب النقد والتباهي والتكبر على الآخرين مع الإصغاء لهم. كما علينا تجنب ذكر عيوب الآخرين وإشعال الغيرة في نفوس الآخرين وعدم الانفتاح التام على الآخرين وعدم الثقة المطلقة بهم وإعطائهم كل أسرارنا الشخصية كي لا نستغل ونندم على ما فعلنا وعلينا بالاعتذار السريع عند الخطأ أو حصول الجفاء مع الطرف الآخر وإذا كان هو السبب في حصول القطيعة فعلينا فتح قناة للحوار والتفاهم وحل المشكلات بالحسنى بشكل سريع كي لا تتفاقم وتتشنج العلاقة بفعل تدخل الآخرين. ولابد لنا أن نتذكر أن الوضوح والتعاطف والإحساس بالآخرين والتفاهم والاحترام هي أيضاً مفاتيح مهمة في بناء العلاقات الاجتماعية الإيجابية.