عواصم - (وكالات): اختار البريطانيون الخروج من الاتحاد الأوروبي موجهين ضربة قوية للبناء الذي تأسس قبل 60 عاماً ومحدثين يوم جمعة أسود في أسواق المال وهي تطورات دفعت رئيس وزرائهم ديفيد كاميرون إلى إعلان استقالته، فيما تواجه المملكة المتحدة خطر التفكك. وبموجب النتيجة النهائية صوت 51.9% من الناخبين لصالح المغادرة في الاستفتاء التاريخي الذي نظم أمس الأول وبلغت نسبة المشاركة فيه 72.2%. وأيد البريطانيون انسحاب بلادهم من عضوية الاتحاد الأوروبي الأمر الذي دفع كاميرون للاستقالة ووجه أكبر ضربة منذ الحرب العالمية الثانية للمشروع الأوروبي لوحدة أوسع، واعتبر كاميرون الضحية الأولى للاستفتاء حيث أعلن استقالته مشيراً إلى أن عملية الخروج من الاتحاد سيقودها رئيس وزراء آخر. وفيما أكد الاتحاد الأوروبي تصميمه على الحفاظ على وحدة أعضائه الـ 27، اعتبرت ألمانيا أن هذا القرار يشكل «يوماً حزيناً» لأوروبا. وساد الهلع في الأسواق وسجلت بورصتا باريس وفرنكفورت تراجعاً كبيراً ولا سيما في أسهم المصارف. وقال المحلل في مجموعة «اي تي اكس كابيتال» جو راندل أنها «واحدة من أكبر الصدمات في التاريخ (...) كل العالم سيشعر بانعكاساتها. يصعب تقدير حجم الأضرار ولكنه سيكون على الأرجح أكبر من كل الأحداث التي حصلت منذ إفلاس ليمان براذرز» في 2008.
وبينت النتائج انقسام المملكة المتحدة إذ صوتت لندن واسكتلندا وايرلندا الشمالية مع البقاء في حين صوت شمال إنجلترا وويلز مع المغادرة.
وسرعان ما أعلن كاميرون الذي كان وراء قرار تنظيم الاستفتاء، وفي مقدمة حملة البقاء استقالته في تصريح أدلى به إمام مقر الحكومة.
وقال كاميرون إن «البريطانيين اتخذوا قراراً واضحاً وأعتقد أن البلاد بحاجة لقائد جديد حتى يسير في هذا الاتجاه»، موضحاً أنه سيبقى في منصبه حتى الخريف إلى حين تعيين من سيخلفه خلال مؤتمر حزب المحافظين في أكتوبر المقبل.
وقال ان من سيخلفه هو الذي سيبدأ المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول عملية الخروج.
وبريطانيا هي أول دولة تغادر الاتحاد الأوروبي الذي دخلته في 1973. وأدى قرار خامس قوة اقتصادية في العالم إلى تراجع الأسواق والجنيه الإسترليني وإلى إعلان «بنك إنجلترا» استعداده لضخ 250 مليار جني «326 مليار يورو» في الاسواق لضمان توفر السيولة.
وبالمثل أعلن الاحتياطي الفدرالي الأمريكي أنه مستعد لتوفير سيولة من الدولار للبنوك المركزية الأخرى لتخفيف الضغوط عن الأسواق والتي قال إنه طقد يكون لها تبعات سلبية على الاقتصاد الأمريكي». وقال البنك المركزي الأمريكي في بيان إنه «يتابع التطورات في الأسواق المالية العالمية بالتعاون مع البنوك المركزية الأخرى».
ورغم التحذير من كارثة اقتصادية تحدث عنها المعسكر المؤيد للبقاء في الاتحاد والمؤسسات الدولية، فضل البريطانيون تصديق الوعود باستعادة استقلاليتهم إزاء بروكسل ووقف الهجرة من دول الاتحاد الأوروبي والتي كانت المواضيع الرئيسة في الحملة المضادة.
وهكذا انسحبوا من مشروع رأوا فيه بشكل أساس سوقاً موحدة كبرى، لكن بدون الانخراط في المشروع السياسي. وقال البروفسور ايان بيغ من «لندن سكول اوف ايكونوميكس» إن «العاطفة هي التي غلبت».
ويشكل قرار البريطانيين تنكراً للاتحاد الذي يعاني من أزمة الهجرة ومن التباطؤ الاقتصادي. واعتبر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن «تصويت البريطانيين يضع أوروبا في مواجهة اختبار خطير» مبدياً أسفه «الكبير لهذا الخيار الأليم».
وقال إنه «لم يعد بوسع أوروبا الاستمرار كما من قبل (...) عليها في هذه الظروف أن تبدي تضامنها وقوتها» وأن تركز على الأساسي أي الأمن والاستثمار والانسجام المالي والاجتماعي.
واعتبرت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل اختيار الخروج «ضربة موجهة إلى أوروبا وإلى آلية توحيد أوروبا». ودعا رئيس وزراء إيطاليا ماتيو رينزي إلى «تحديث البيت الأوروبي».
ويخشى أن يحدث قرار البريطانيين حالة من العدوى في أوروبا مع تنامي الحركات الشعبوية واتفاقها على توجيه الانتقادات لبروكسل والمؤسسات الأوروبية.
ودعت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبن على الفور إلى استفتاء في فرنسا، كما طالب النائب الهولندي عن اليمين المتطرف غيرت فيلدرز بالأمر نفسه لهولندا.
واعتبر المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمر «رائع» إثر وصوله إلى اسكتلندا.
وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك أن الاتحاد الأوروبي «مصمم على الحفاظ على وحدة أعضائه السبعة والعشرين». ومن المقرر عقد اجتماع لوزراء خارجية الدول الست المؤسسة للاتحاد ابتداء من اليوم في برلين.
ويفترض أن تبدأ بريطانيا عملية تفاوض قد تستمر سنتين مع الاتحاد الأوروبي حول شروط الخروج، وفي هذه الأثناء تبقى ملتزمة بالاتفاقات المبرمة.
ولكن قادة المؤسسات الأوروبية حثوا لندن على البدء في أسرع وقت بهذه المفاوضات معلنين استعدادهم لذلك.
وفي بريطانيا تطرح استقالة كاميرون تكهنات حول خليفته بعد ان دار الحديث عن تطلع زعيم حملة الخروج المحافظ بوريس جونسون رئيس بلدية لندن السابق للمنصب.
ولدى خروج جونسون من منزله استقبله حشد من نحو 100 شخص من مؤيدي البقاء بهتافات «أحمق». وقال لاحقاً للصحافيين أن الخروج من الاتحاد الأوروبي يجب أن يحدث «بدون استعجال».
وقال زعيم حزب «يوكيب» المناهض لأوروبا نايجل فاراج إنه بدأ «يحلم ببريطانيا مستقلة»، مؤكداً أن النتيجة تشكل «انتصاراً للناس الحقيقيين والناس العاديين».
ودعا فاراج إلى العمل فوراً على تشكيل حكومة تعكس تطلعات معسكر «الخروج». ولا يهدد خيار المغادرة اقتصاد بريطانيا فحسب وإنما كذلك وحدتها إذ أعلنت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستورجون زعيمة الحزب القومي أن خطة تنظيم استفتاء ثانٍ للاستقلال باتت «على الطاولة». وفي إيرلندا الشمالية دعا حزب «شين فين» المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي إلى الاستفتاء على توحيد إيرلند واعتبرت مدريد أن الخروج من الاتحاد الأوروبي يتيح لها استعادة جبل طارق في حين تسعى لندن إلى طمأنة الجيب البريطاني جنوب إسبانيا.
وسيتيعن على بريطانيا كذلك العمل على تضميد الجراح التي سببتها الحملة التي تخللتها خطابات جارحة وقتلت خلالها النائبة جو كوكس المؤيدة للبقاء واعتبر المهاجرون سبب الكثير من المشكلات.
وحضت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على العمل معاً من أجل «انتقال هادىء» نحو علاقة اقتصادية جديدة بعد فوز مؤيدي خروج بريطانيا من التكتل في الاستفتاء.
كما عبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن أمله في أن يبقى الاتحاد الأوروبي «شريكاً قوياً» للمنظمة الدولية في المسائل الإنسانية والسلام والأمن «بما يشمل الهجرة».
من جهتها، عبرت روسيا عن أملها في أن يتيح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تحسين العلاقات بين لندن وموسكو. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف «نأمل في هذا الواقع الجديد، أن تطغى ضرورة إقامة علاقات جيدة» معبراً عن أسفه لعدم «وجود رغبة تعاون من جانب شركائنا البريطانيين حتى الآن». وأعلنت الصين أنها «تحترم» قرار الناخبين البريطانيين معبرة عن رغبتها في أوروبا «مزدهرة ومستقرة».
وكان الصينيون والبريطانيون أعلنوا في الأشهر الماضية عن «عصر ذهبي» للعلاقات بين البلدين فيما دعا الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال زيارته إلى بريطانيا في أكتوبر الماضي لندن إلى البقاء ضمن الاتحاد.