بحضور سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء بدأت أعمال المؤتمر الاستراتيجي الخليجي الذي ينظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة (دراسات) بكلمة للدكتور محمد عبد الغفار رئيس مجلس أمناء المركز أشار فيها إلى أن هناك جملة من التحولات التي تشهدها المنطقة والتي لابد من التعامل معها، معتبرا أن هذه التحولات جاءت نتيجة لعدة أسباب داخلية وخارجية، وذكر أنه بات من الصعب الفصل بين ما يحدث داخل دول ما وخارجها لافتاً إلى تأثر الدول بما يجري في محيطها وإقليمها.
وقال الدكتور محمد عبدالغفار في افتتاح المؤتمر الذي انطلق اليوم إن التهديدات والمخاطر التي تواجه سيادة واستقلال دول المنطقة باتت تشكل معضلة ليس فقط للأمن وللاستقرار في الشرق الأوسط، وإنما لدول العالم أجمع، الأمر الذي فرض على الدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة وروسيا أن تضع تصورات للتعامل مع هذه الأوضاع، وبعض مواقف تلك القوى قد عكست مؤشّرات قلق واضطراب واضحين مما يدلّ على أنّ مؤسّسات صنع القرار في تلك الدول ، وبخاصّة في الولايات المتّحدة ، لاتزال تضع التصوّرات لكيفيّة التعامل مع تحوّلات العالم العربيّ والشرق الأوسط ، بما لا يراعي بالضرورة المصالح العليا لدولنا.
وأبرز الدكتور عبد الغفار حقيقة التحديات التي تواجه العالم العربي، سيما من بعد عام 2011، مؤكدا أنها تتمثل في الحركات ذات الصبغة الدينية والصعود الملفت للتنظيمات المتطرفة المسلحة التي ترتدي رداء الدين واشار إلى المخاوف من غياب الدولة المدنية لصالح أشكال أخرى من الأيدولوجيات.
وذكر إنّ التحوّلات التي يشهدها العالم العربيّ منذ عام 2011 وحتى الآن ليست تحوّلات عابرة أو وقتيّة ، وإنّما أدّت - وسوف تؤدّي - إلى تأثيرات عميقة ، ليس فقط على الوضع الإقليميّ الراهن ، ولكن على كيان الدولة الموحّدة بما لها من مخاطر على الأمن الإقليميّ والأمن العالميّ على حدّ سواء
من جانبه قال رئيس وزراء الجمهورية الفرنسية السابق دومينيك دو فيليبان على ان البحرين ارض التسامح، معربا عن امله في ان تكون عملية الحوار في المملكة ناجحة ومتمنيا تكون أن نموذجا لكل المنطقة.
وأوضح دو فيليبان خلال مشاركته بالجلسة العامة إن التحولات الإقليمية والدولية وتداعياتها أدت بمنطقة الشرق الأوسط إلى ازمات كثيرة ومزيد من العنف، آخرها الازمة السورية التي ادت الى حرب واسعة النطاق.
ويرى دوفليبان ان الاسلام السياسي انتعش بعد سقوط بعض الأنظمة السابقة. وأشار إلى أن أكبر التحديات التي تواجه العالم العربي تتمثل في الحركات الإسلامية المتطرفة والتي تشكل تهديدا لاستقلال وسيادة الدول وقادها إلى خوض حروب أهلية، بل إن هذه التحديات يمكن أن تؤثر على هويات الدول ذاتها وشكل الأنظمة والأيدولوجيات التي عاشت في ظلها لسنين، مشيرا في هذا الشأن إلى الوضع بمصر وليبيا وتونس الآن، حيث انتشار مظاهر الصراع السياسي العنيف وتهديد الاستقرار ذي الكلفة الكبيرة.
وقال ان الاستقطاب المذهبي بدأ بعد الثورة الإسلامية في ايران عام 1997، ثم شهد مرحلة اخرى بعد حرب العراق وتحدث عن حالة الانقسام الذي تتعرض له العراق ومن بعده سوريا مؤكدا في الوقت ذاته على ان اخطر الانقسامات والحروب هي التي تقوم على اسس مذهبية واثنية.
واضاف: "ما نحتاج اليه بالشرق الاوسط هو الاستقرار عبر عملية الحوار، ومن الضروري فتح حوار مع الاسلام المعتدل كي لا يفتح المجال للاسلام المتطرف، والامن لن يتحقق دون الحوار".
ونوه الى ان هنالك مسؤولية مشتركة بين دول الخليج ونظرائها الاوروبية من اجل خلق مبادرات مشتركة لتعزيز الامن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط.
واختتم حديثه بالتأكيد على ايمانه بقدرة حكومات المنطقة ومجلس التعاون الخليجي على تعزيز الامن والاستقرار، والتغيير لما هو افضل.
وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي ان العالم العربي يواجه تحولات تاريخية منها ما يتعلق بالاوضاع الدولية ومنها ما يعود الى طبيعة الاوضاع الداخلية للدول.
وذكر العربي في كلمته حول "النظام الاقليمي العربي بعد عام 2011: المهددات الامنية وسبل مواجهتها"، ان النظام الدولي المعاصر هو الذي افرزته الحرب العالمية الثانية وتم صياغته بميثاق الامم المتحدة لإنقاذ الاجيال من الحروب والويلات في المستقبل، مع التأكيد على حقوق الانسان ورفع مستوى الحياة الكريمة لجميع المدنيين.
واوضح العربي انه من المفترض لأحكام ميثاق الامم المتحدة ان تسمو على غيرها من الالتزمات الدولية. وهو يمثل ما يمكن تسميته بالعقد الاجتماع الدولي، الا ان النظام العالمي المعاصر لم يوفق في مواجهة عدد من اخطار الامن والنزاعات بسبب "عدم تنفيذ العقد الاجتماعي الدولي".
وأثنى العربي على اعتذار المملكة العربية السعودية عن عضوية مجلس الامن معتبرا انه "قرار شجاع" بسبب ازدواجية المعايير في بعض القرارات الصادرة عن المجلس.
واكد العربي ان النظام الدولي لم ينجح في حل الازمة السورية وشدد على ضرورة وقف نزيف الدم وحقن دماء الشعب السوري قائلا انه لا يوجد وسيلة لإيجاد حل عسكري، ولا بصيص امل إلا بالحل السياسي وتنفيذ ما اتفق عليه بالبيان الختامي بمؤتمر جنيف 1.
وقال العربي ان فلسطين ستبقى القضية المركزية المحورية للجامعة العربية، وستكون دائما قضيتها الأولى وغير صحيح أنها مهمشة او منسية كما يدعي البعض.
و في بداية كلمته وجه الدكتور عبداللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التحية للبحرين ملكا وحكومة وشعبا وذلك لإصرارها على التعافي والشروع في العمل من أجل المستقبل رغم التحديات التي واجهت البلاد، مشيدا بدعم سمو العاهل المفدى وسمو رئيس الوزراء وولي العهد لمسيرة التعاون الخليجي.
وأشار إلى أن دول مجلس التعاون تدرك ما تحيط بها من مخاطر وتحديات، خاصة أنها تحديات مركبة عرضت امنها للخطر، معتبرا أن التعاون والتنسيق المشترك هما الركن الأساسي لمواجهة المهددات، وذكر أن دول التعاون هي الآن أكثر تماسكا وتكاتفا من اي وقت مضى وتتحدث بصوت واحد وإرادة صلبة في إطار مواجهتها المشتركة للتحديات التي تواجهها.
وذكر أن هناك مبدأين تستندان إليهما سياسة دول التعاون : الأول احترام وحدة واستقلال الدول والثاني الإيمان بأن الاستقرار يقوم على نبذ العنف، مشيرا في هذا الشأن إلى الطريقة التي قامت بها دول التعاون لتسوية الحدود فيما بينها، وقال إن مواقف دول المجلس من الأحداث التي مرت بالمنطقة كانت واضحة ومحددة حيث دعت لنبذ العنف وعدم نشر الفوضى، كما طالبت المجتمع الدولي ليقوم بمسؤولياته، خاصة تجاه حماية السوريين العزل.
وأشاد الزياني بموقف المملكة السعودية بعد الاعتذار عن قبول عضوية مجلس الأمن احتجاجا على عدم قدرته على اتخاذ موقف واضح من الأحداث في سوريا.
وقال ان نهج دول مجلس التعاون الخليجي في التعامل مع الجارة المسلمة ايران قائم دائما على الحوار وحماية الاستقرار والأمن بالمنطقة داعيا الجارة المسلمة إلى تبني خطوات على ارض الواقع لتخفيف حدة التوترات وحل الخلافات بالطرق السلمية، مؤكدا أن دول التعاون تتطلع لمواقف حقيقية إيرانية على أرض الواقع خاصة بعد الانتخابات الايرانية الاخيرة التي حملت بصيصا من الأمل فيما يخص العلاقات الايرانية بدول الجوار.
كما أشاد الزياني بنجاح سياسة مجلس التعاون نحو اليمن، مشيرا في هذا الصدد الى المبادرة الخليجية ودورها المهم الذي وصفه بطوق النجاة من حرب أهلية كادت تتعرض لها اليمن آملا ان تجري الانتخابات هناك في موعدها المحدد لها في فبراير المقبل.
ودعا الزياني دول الغرب للتعاون مع دول الخليج للحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي، مشيرا إلى النجاحات التي حققتها دول المجلس في مجال التعاون والتنسيق المشترك، سيما على الصعيد الاقتصادي وفي مجالات الأمن والدفاع المشترك، مؤكدا أن أبرز التحديات التي تواجه دول التعاون في هذا الشأن تتمثل في الحماية من الإرهاب والجريمة المنظمة والإرهاب الإلكتروني وغسل الأموال.
وذكر أن هناك العديد من التي بذلتها دول المجلس لمواجهة المخاطر التي تتعرض لها، وقامت بدراسة وإنشاء عدد من اللجان والأجهزة لمكافحة الإرهاب وما يتصل بذلك من الجريمة المنظمة وجرائم الفضاء الإلكتروني، وهي المخاطر التي اعتبرها الزياني مخاطر جسيمة بجانب مخاطر الأمن والدفاع التقليدي، والتي بحاجة إلى نهج متكامل ومتسق للتصدي لها بفاعلية.
وأكد أن الرد الأمثل على مجمل التحديات التي تواجه دول التعاون يتمثل في تحقيق مزيد من التعاون المنسق والمتكامل مع الغير سواء في الإقليم أو في العالم أجمع، خاصة أنه ليس بمقدور أي جهة أن تقف بمفردها في مواجهة التهديدات، كما أن هناك حالات طارئة قد تستدعي من دول التعاون القيام بمفردها بما يلزم لحماية أمنها، وهي في هذا الإطار تعمل بكل جهد لتعزيز قدراتها الدفاعية، سيما قوة درع الجزيرة، والنظم والسيطرة ومنظومة الدفاع الجوي المشترك.
وفي نهاية كلمته اعتبر الزياني أنه لابد من تطوير منظومة التخطيط والعمل المشترك، داعيا إلى مزيد من التعاون والتنسيق لمواجهة التهديدات المختلفة وتبني ثقافة مشتركة تشجع تبادل المعلومات وتعزز الثقة المتبادلة بحيث يكون وحدة الرؤية والهدف هما أساس أي جهود تبذل لمواجهة التهديدات.
بدوره، أكد نمير قيردار رئيس مجلس ادارة والمدير التنفيذي لانفستكور في حديث له حول "المتطلبات المسبقة لديمقراطية مستقرة: طبقة وسطى مزدهرة"، ان بناء الديمقراطية يحتاج اجيال متعاقبة لاقتصاد منتج ودوران العجلة بأناس مؤهلين تعليميا وصحيا.
واكد قيردار ان الطبقة المتوسطة هي اساس بناء الديمقراطية الصحيحة، مشيرا الى ان التعليم والبنية التحتية المتطورة تبني لاقتصاد قوي قادر على تهيئة الطبقة المتوسطة.
وتتواصل أعمال المؤتمر على مدى يومي 29 و30 أكتوبر بمشاركة شخصيات ونخب عربية ودولية كبرى تناقش قضايا تمس أمن الخليج العربي والمنطقة العربية.
هذا وأقام سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء بفندق الريتز كارلتون مأدبة غداء تكريماً للشخصيات الفكرية والدولية والإقليمية المشاركة في المؤتمر، وذلك بحضور سمو الشيخ علي بن خليفة آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء ومعالي الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء وعدد من أصحاب السعادة والمعالي الوزراء وسعادة الدكتور محمد عبدالغفار مستشار جلالة الملك للشؤون الدبلوماسية ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، وقد حضر المأدبة معالي الدكتور نبيل العربي الأمين العام الأمين العام لجامعة الدول العربية ومعالي الشيخ الدكتور محمد صباح الصباح نائب رئيس مجلس الوزراء بدولة الكويت الشقيقة ووزير الخارجية الأسبق ومعالي الدكتور عبداللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية والسيد دومنيك ديفلوبان رئيس وزراء فرنسا السابق وعدد من المشاركين في المؤتمر.