عواصم - (وكالات): بدت بريطانيا أمس أكثر انقساماً من أي وقت مضى بعد صدمة الخروج من الاتحاد الأوروبي حيث أبدت إسكتلندا استعدادها للدفاع عن مصالحها الخاصة فيما يشعر الخاسرون بغضب وسط دعوات ملحة من الأوروبيين لتسريع آليات المغادرة.
وتجاوزت عريضة على الإنترنت موجهة إلى البرلمان البريطاني للمطالبة بإجراء استفتاء ثانٍ حول الاتحاد الأوروبي، عتبة 1.24 مليون توقيع أمس غداة إعلان فوز معسكر مؤيدي الخروج من التكتل بنسبة 51.9%.
وفي إسكتلندا أعلنت رئيسة الوزراء نيكولا سترجن أن حكومتها تسعى لبدء «محادثات فورية» مع بروكسل لـ«حماية مكانة» إسكتلندا في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه.
وأضافت سترجن أن الحكومة الإسكتلندية ستدرس منذ الآن إطاراً تشريعياً يسمح بتنظيم استفتاء ثانٍ حول استقلال المنطقة التي تحظى بالحكم الذاتي عن بريطانيا، بعد استفتاء أول قضى بالبقاء داخلها.
وصوتت بريطانيا بأغلبية 52% مع الخروج من الاتحاد الأوروبي لكن إسكتلندا صوتت بأغلبية 62% مع البقاء.
وفي لندن حيث تعرض رئيس البلدية السابق بوريس جونسون زعيم حملة الخروج لهتافات معادية عند خروجه من منزله، طالب بعض الأشخاص بغضب وبدون قناعة فعلية باستقلال العاصمة التي أيدت بغالبيتها البقاء في الكتلة الأوروبية.
وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، عبر الشبان الذين صوتوا بشكل مكثف من أجل البقاء عن غضبهم ضد الناخبين الأكبر سناً الذين يتهمونهم بتعريض مستقبلهم للخطر. وتساءل البعض «ماذا فعلنا؟».
في المقابل، يواصل معسكر الخروج الاحتفالات التي استمرت طوال الليل بـ«يوم الاستقلال». وعرض زعيم حزب «يوكيب» المناهض لأوروبا الاحتفال بـ23 يونيو كعيد وطني، بينما أشادت الصحف المشككة بأوروبا الصادرة أمس وفي مقدمها «ذي صن» و«ديلي ميل» بـ«شجاعة» الشعب البريطاني.
وفي المنتجع البحري كلاكتون اون سي جنوب شرق البلاد حيث صوتت غالبية الناخبين لصالح الخروج من الاتحاد، يقول تيري لوفادو في أحد المحال التجارية «سيكون هناك مزيد من الوظائف وهذا سيضع حداً للهجرة».
لكن هذه الشكوك حول مستقبل البلاد القت بثقلها على الجنيه الإسترليني الذي هبط كثيرا ما دفع بوكالة «موديز» للتصنيف الائتماني إلى خفض تصنيف بريطانيا من مستقر إلى سلبي مع تهديد بخفض إضافي.
وكان يوم «الجمعة الأسود» الذي شهدته الأسواق العالمية نتيجة قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي قاسياً، وإن كانت أبعاده تذكر بأزمة مصرف ليمان براذرز، إلا أن النظام المالي العالمي لا يبدو مهدداً في الوقت الحاضر، إذ تقتصر الأزمة على البعد السياسي. ولم يشهد المستثمرون مثل هذه التقلبات منذ الأزمة المالية عام 2008 حين انهار مصرف الأعمال «ليمان براذرز»، وأزمة الديون في منطقة اليورو التي بلغت ذروتها في صيف 2011.
وفي مكان آخر في أوروبا، تصاعدت حدة اللهجة أيضاً حيال البريطانيين حيث طالب وزراء خارجية الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوروبي لندن بتسريع آليات الخروج.
ودعت الدول الست بريطانيا إلى الشروع «في أسرع وقت ممكن» في آلية الخروج من الاتحاد الأوروبي، فيما أكدت فرنسا أن تعيين رئيس جديد للحكومة البريطانية أمر «ملح».
وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير في ختام الاجتماع في برلين «نقول هنا معاً إن العملية يجب أن تبدأ بأسرع وقت حتى لا نجد أنفسنا غارقين في مأزق».
وفي روما حذر وزراء إيطاليون من أن على الاتحاد الأوروبي إعادة النظر في سياسته وإلا فسيواجه مخاطر الانهيار.
وقال وزير المالية بيير كارلو بادوان إن «عدة عوامل يمكن أن تقود إلى عدة سيناريوهات وبينها سيناريو خطوة إضافية نحو تفكك الاتحاد الأوروبي»، معتبراً أن على قادة الاتحاد الأوروبي أن يدركوا أنه لم يعد بالإمكان إبقاء الوضع القائم بالنسبة لمواضيع مثل الوظائف والنمو والهجرة.
من جهته قال وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني إنه سيكون من السذاجة التقليل من شأن تصويت البريطانيين أو مخاطر انبثاق شعور مناهض لأوروبا في القارة.
وأعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن استقالته ستصبح سارية في أكتوبر المقبل، بعد تعيين شخصية تخلفه وتتولى قيادة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي. وهذه المفاوضات يمكن أن تستغرق ما يصل إلى سنتين، وفي هذا الوقت تبقى بريطانيا مرتبطة بالاتفاقات المبرمة.
وسيلتقي كاميرون بعد غد الثلاثاء نظراءه خلال قمة أوروبية تعقد في بروكسل وتبدو حساسة جداً بالنسبة إليه فيما أعلن المفوض الأوروبي البريطاني جوناثان خيل استقالته.
وتزيد مسألة استقالة كاميرون ومن سيخلفه من أجواء الغموض السائدة في البلاد. ويبدو جونسون خياراً منطقياً. لكنه وبعد أن كان يحظى بشعبية كبيرة عندما كان رئيساً لبلدية لندن، بات جونسون محط غضب قسم من سكان بريطانيا.
واعتبر زعيم حزب العمال البريطاني المعارض جيريمي كوربن الذي واجه انتقادات بسبب تراخي تصريحاته في سبيل البقاء ضمن الاتحاد، أنه يجب أن تحصل «مفاوضات سريعة». وقال «لا يمكن أن نعيش في مرحلة ارتياب على مدى سنتين».
وفيما تشهد الحركات الشعبوية تقدماً في مختلف أنحاء أوروبا، يمكن أن يؤدي قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى خطوات مماثلة. فقد دعت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبن إلى استفتاء في بلادها وكذلك فعل النائب الهولندي غيرت فيلدرز.
كما أعلن حزب سلوفاكي يميني متطرف ممثل في البرلمان أنه سيطلق حملة جمع تواقيع لتنظيم استفتاء حول خروج سلوفاكيا من الاتحاد الأوروبي غداة قرار البريطانيين مغادرة التكتل.
وعكست عناوين الصحف الأوروبية البعد التاريخي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وعبر معظمها عن حزن الاتحاد على قيمه داعية إلى صحوة لضمان بقائه.
وتحدثت الصحف في باقي أنحاء أوروبا بغالبيتها عن اتحاد أوروبي في حالة حزن. وكتبت صحيفة «لاستامبا الإيطالية» «عودة الأنانية الوطنية».
وقد بدت الصحف البريطانية التي قادت حملة شرسة ضد الاتحاد الأوروبي، منقسمة، فيما عبرت بعضها عن سعادتها «بالزلزال الناجم عن الخروج من الاتحاد» واحتفت، على غرار «ديلي تلغراف» بهذا «اليوم الذي صوت فيه البريطانيون من أجل استعادة زمام أمورهم». وعنونت صحيفة «ديلي ميل» الشعبية المشككة بأوروبا «إنه اليوم الذي نهض فيه شعب بريطانيا الهادئ أمام الطبقة السياسية المتغطرسة والبعيدة عن الواقع وأمام النخبة المتعالية في بروكسل».
أما في معسكر مؤيدي البقاء فتساءلت صحيفة «ديلي ميرور» «ما الذي سيحصل الآن؟».