تناول المؤتمر الاستراتيجي الخليجي الذي ينظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة (دراسات) مساء اليوم الثلاثاء خيارات الشراكة الاستراتيجية أمام دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي هذا المحور قدم الدكتور أنتوني كوردزمان رئيس برنامج آرليه أي بيرك في الاستراتيجية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بالولايات المتحدة الأمريكية ورقة بعنوان "الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربية: نحو شراكة استراتيجية" .
وتحدث الدكتور محمد الرميحي استاذ السياسة بجامعة الكويت عن فرص دول الخليج العربية لبناء نظام أمني إقليمي جديد. وطرح سؤالا في بداية كلمته قائلا: " هل نحن بحاجة لمنظومة خليجية نعتمد فيها على أنفسنا، وهل نحن قادرون على أن نقوم بذلك فعلا؟"
وبدأ بسرد تاريخي مشيرا إلى أن بريطانيا تكفلت لمدة قرن ونصف تقريبا بسبب مصالحها في الهند وما بعدها بأمن الخليج من خلال الوجود البحري الكثيف والقناصل البريطانية.
وأشار الدكتور الرميحي إلى أن مجموعة من العوامل تضافرت لتقلل من التأثير الامريكي والغربي في استمرار حفظ الامن الاقليمي، كان أبرز أسبابها "احتراق اصابع الولايات المتحدة" في كل من افغانستان و العراق، والازمة المالية العالمية وتأثيرها على الاستعداد و ( الانفاق) العسكري الغربي و الامريكي، مع تذمر شعبي اوربي وامريكي بما تسميه الصحافة هناك ب (المغامرات العسكرية)، واحلال الدبلوماسية ( الناعمة) في عهد باراك أوباما بدلا من ( المطرقة العسكرية) التي تبناها عهدي بوش الاب وخاصة الابن.
وقال الرميحي أن تفاعل العوامل مجتمعة انتج قناعة في الاوساط الغربية "ان الامن يبدأ من الداخل" من خلال "تخفيف منابع السخط المحلي، وتوزيع عادل للسلطة"، وخلص إلى أن واقع الحال يؤكد أنه لا ضامن دولي، ولا مؤسسات دولية رادعة.
وحول التحديات الاقليمية أشار الرميحي إلى أن إيران لديها قناعة بانها تقود خطوات ضد تكاد تنجح على المصالح الامريكية في المنطقة ، وتعزيز نفوذها المتعاظم في كل من سوريا ولبنان والعراق، وجيوب تابعة لها في اليمن وفي دول الخليج ، وحتى افريقيا.
وأوضح أن ثمة وجود اضطراب هائل في الجوار الاقليمي من تونس الى ليبيا الى مصر الى سوريا والى العراق الي اليمن، بعضه يصل الى الحرب الاهلية ،والاخر ليس بعيدا عنها، وقال أن المنطقة تواجه ازمة هوية غير مسبوقة ولها ما بعدها.
وأكد أنه يمكن تصنيف المرحلة العربية بأنها احد المفاصل التاريخية للتغيير في المنطقة، وسيكون لها تأثير بالغ السلبية على الامن بأشكاله المختلفة.
وتطرق الرميحي الى التحديات الداخلية لدول الخليج ومنها الخطر الديمغرافي، حيث تشهد دول الخليج "تناقضا ديمغرافيا" حسب تعبيره، ففي الوقت الذي يتزايد فيه حجم السكان ، تتناقص فيه الخصوبة المحلية، وقدم أمثلة في عمان حيث نسبة الولادة عام 1980 كانت 8.3% وأصبحت في (عام 2011) 2.2%، وفي السعودية في نفس الفترة انخفضت من 7.2% الى 2.7%، وفي البحرين من 4.9% الى 2.5%، وفي الامارات 4.9% الى 1.7%.
ودعا الدكتور الرميحي إلى البحث عن الإجابة الصحيحة لمفهوم التحول من التعاون إلى مصير مشترك بين دول الخليج العربي، بسبب موقف الولايات المتحدة من مجمل احداث الشرق الاوسط ، وقال أن المؤشرات تقودنا الى ان الحلول القديمة لم تعد صالحة للمشكلات الجديدة، اي الاعتماد في الامن الاقليمي) على اعانة غربية او مودة دولية، لأن المنطقة العربية تشهد تصدعا اقليميا وهو مرض قد يطول في الاقليم العربي، وعلينا ان نتجه في دول الخليج للاعتماد على أنفسنا من خلال اقامة منظومة اقليمية اقتصادية سياسية وامنية ضابطة لإيقاع التحولات الضخمة القائمة والمتوقعة، تقلل ما امكن من الخسائر، و تعظم ما امكن من الارباح.
واقترح الرميحي اقامة كونفدرالية خليجية، تضمن الامن المشترك وتزيد من مناعة الاقليم قائمة على منظور المصير المشترك، ونوه إلى الفرص المتاحة لإقامة تلك المنظومة، وتعظيم الاستفادة من الموارد البشرية والاقتصادية، وتعديل التركيبة السكانية، واصلاح الخلل الانتاجي، وتخفيف الضغوط الاجتماعية على عدد من الدول في المنظومة والاستفادة من الميزة النسبية لكل دولة.
وأشار إلى ضرورة الاتجاه شرقا وقال أن معظم الواردات الخليجية بل والصادرات تتجه الى دول الشرق، الصين، اليابان، الهند، كوريا، لذا يجب تطوير العلاقات السياسية مع الشرق، وخلق منظومة سياسية قادرة على التفاوض الاقليمي والعالمي، ومواجه التحديات الشاخصة و المستقبلية.
وحصر الرميحي النتائج المرجوة من ذلك في الاصلاح واقامة منظومة خليجية فيها مصلحة للحاكم والمحكوم، والانتقال من دولة القرابة الى دولة المؤسسات والمجتمع المدني، وتحقيق التحرر من الخوف من العنف، مع سيادة القانون واقامة نظام قضائي عادل، وخلق سوق اقتصادي كبير، ينتقل فيه راس المال و البشر و المنتج بحرية مما يعزز من الامن الوطني ويخلق طبقة وسطى واسعة تعضد الامن الداخلي. وهو ما سيخلق أيضا موقف تفاوضي افضل ويقلل الاضطرابات الإقليمية.
ومن جانبه فقد أكد الدكتور انتونى كوردزمان رئيس برنامج آرليه أي بيرك في الاستراتيجية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بالولايات المتحدة الأمريكية على اهمية تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وكل من الولايات المتحدة ودول الغرب الكبرى كبريطانيا وفرنسا وذلك استنادا للمصالح المشتركة بين الجانبين.
وقال الدكتور كوردزمان أن تعزيز التعاون العسكري يعد اهم جوانب التعاون التي ينبغي تعزيزها بين دول الخليج والولايات المتحدة ودول الغرب بهدف بناء قدرات عسكرية خليجية قوية قادرة على الدفاع واحداث الردع والتصدي للتهديدات الخارجية.
كما أكد على أهمية قيام دول مجلس التعاون بالتخطيط لمواجهة التحديات في المنطقة وسبل مواجهتها، بل وحتى التفكير فى كيفية مواجهة أسوأ السيناريوهات المحتملة مثل استخدام اسلحة دمار شامل.
واشاد الدكتور انتونى كوردزمان بمنجزات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ تأسيسه وجهود التعاون والتكامل بين دوله، مشددا على أن استمرار هذه المسيرة الناجحة لمجلس التعاون لا يجب ان تكون داعيا لإغفال بعض الجوانب التي بحاجة إلى تطوير.
وقال ان توحد دول الخليج سيسهم في تعزيز وتطوير شراكتها وتحالفها مع الولايات المتحدة ودول الغرب وعلى دول الخليج العربية ان تتقدم على هذا الصعيد لإحداث شراكة فعالة تمثل قوة ردع للتهديدات التي تصدر من بعض الدول في الإقليم.
ولفت الى ضرورة وضع خطط خليجية مشتركة لبحث التصدي لأي تهديد محتمل بالتعاون مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لضمان الحفاظ على سلامة الملاحة وحرية التجارة وتدفق الصادرات والواردات عبر الخليج العربي.
واكد على ضرورة دعم التعاون بين مجلس التعاون والولايات المتحدة والغرب لتقوية الدفاعات البحرية لدول الخليج لمواجهة اي تهديد مستقبلي محتمل وعلى دول مجلس التعاون ان تعمل بهذا الاتجاه وتسعى الى تعزيز شراكة من هذا النوع مع حلفائها.
وأوضح ان تعزيز التعاون والشراكة العسكرية بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة والدول الغربية ضرورة تحتمها طبيعة التهديدات التي تتعرض لها دول المجلس الذى هيأ ودرب نفسه جيدا لمواجهة اي صراع، قائلا انه من هنا يجب على دول مجلس التعاون ان تعمل على تعزيز متطلباتها الدفاعية واستيفاء احتياجاتها الدفاعية وتعزيز التحالف مع امريكا والغرب.
وقال اننا لدينا في الولايات المتحدة الامريكية علامات استفهام حول التفاوض في هذه الآونة مع الجانب الايراني، ولكن ما يمكنني الاشارة اليه وتوضيحه في هذا الجانب هو ان الردع والعقوبات ضد الجانب الايراني كان هدفه اثناء ايران عن برنامجها النووي، ولذلك فان الولايات المتحدة لا تستبعد الحل التفاوضي مع ايران اذا تراجعت وأبدت مرونة في التخلي عن برنامجها النووي، مشيرا في الوقت ذاته (في معرض رده على أحدى الأسئلة) إن القلق الخليجي من اي تفاوض مع ايران هو قلق غير مبرر حسب قوله.
وكشف ان الولايات المتحدة لديها في الوقت ذاته استراتيجية للتعامل مع اي سيناريوهات محتملة في حال تعثرت المفاوضات حول البرنامج النووي الايراني.
واختتم الدكتور انتونى كوردزمان كلمته بالتأكيد على اهمية سعى دول مجلس التعاون مع حلفاؤها الولايات المتحدة والقوى الغربية الرئيسة مثل بريطانيا وفرنسا الى تقييم الشراكة والتعاون بين الجانبين والبناء على الايجابيات وتطويرها وتعزيزها والتغلب على اي اخفاقات او معوقات تعوق استمرار وتطر التعاون والتكامل والشراكة المتميزة بين الجانبين.
من جهته أكد الكاتب السياسي التركي محمد زاهد جول في ورقته المقدمة خلال الجلسة ان العلاقات العربية التركية القوية تمثل ضمانة لاستقرار الشرق الاوسط.
وقال ان هناك قواسم مشتركة لا حصر لها بين الدول العربية والجمهورية التركية، فالمصير مشترك والتاريخ والدين والجغرافيا وغيرها كلها قواسم مشتركة بين الجانبين.
وقال ان فترة التسعينات من القرن الماضي شهدت تعزيز العلاقات بين الجانبين العربي والتركي، وانه منذ عام 2002 ومع تولى حزب العدالة والتنمية رئاسة الحكومة التركية شهدت العلاقات بين الجانبين العربي والتركي طفرة وتطورا كبيرا على صعيد تعزيز الشراكة المأمولة بين الجانبين حيث تم عقد المزيد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية بين تركيا والعديد من الدول العربية وخصوصا دول الخليج.
وقال انه رغم عقد الكثير من الاتفاقيات لتعزيز التعاون الثنائي الا انه لم يتم تفعيل الكثير منها حتى الان ويجب التغلب على ذلك لتعميق العلاقات بين الطرفين.
وقال ان من دواعي تعزيز العلاقات العربية التركية في هذه الآونة تحديدا هي التهديدات الخارجية المحيطة مؤكدا على اهمية الحفاظ على فرص بناء تحالف تركى عربي، الا انه اشار الى ان اهم ما يعوق تطور هذه الشراكة عدم وجود قناة تواصل موثوقة بين الطرفين العربي والتركي مما اسهم في تباعد وجهات النظر.
وأشار فى هذا الصدد الى التباين الذى حدث بين تركيا وبعض الدول العربية في اعقاب الربيع في ضوء ما تردد عن أن تركيا حاضنة لجماعة الاخوان المسلمين.
وتابع قائلا .. ان الربط بين اردوغان وجماعة الاخوان المسلمين اسهم في سوء الفهم بين الطرفين العربي والتركي، وفاقم من المشكلة عدم وجود قنوات اتصال مباشرة لتوضيح وجهات النظر المشتركة والتغلب على سوء التفاهم بين الجانبين.
وقال انه بغض النظر عن مواقف اردوغان، فانه يجب تجنيب العلاقات العربية التركية مواقف المسئولين الذين يتغيرون وما يبقى هو العلاقات بين الدول، مطالبا ان تكون العلاقات العربية التركية هي علاقة مؤسسات ببعضها، وان تبنى العلاقات بين دولنا بشكل مؤسسي.
وبشأن الحديث عن التهديدات الايرانية في المنطقة أشار الى ان هذا الجانب يحتم الحفاظ على التحالف التركي العربي كتحالف استراتيجي لضمان أمن المنطقة وتجنب الكثير من الازمات والمخاطر المحتملة.
واضاف ان وجود تفاهمات عربية تركية قد تسهم في حل كثير من مشاكل المنطقة، فمثلا اذا كان هناك توجه للمصالحة في الفترة المقبلة في مصر، فيمكن لكل من تركيا والمملكة العربية السعودية بما يملكانه من ثقل وتأثير ان يدعمان هذا التوجه في مصر.
اما الدكتور ميتشل بيلفر رئيس تحرير مجلة أوروبا الوسطى للدراسات الدولية والأمنية فقد اكد أن البحرين اتخذت القرار الصحيح في الوقت المناسب بالنسبة لتحالفاتها، وقال أن الأبحاث التي قام بها حول المنطقة بينت أن البحرين استطاعت أن تتعايش في منطقة خطيرة رغم صغر حجمها وأرجع ذلك إلى تنوع تحالفاتها، حيث اتخذت القيادة قرارات صحيحة في الوقت المناسب.
وأشار الدكتور ميتشيل إلى قدرة مجلس التعاون الخليجي على ردع التهديدات مشددا على ضرورة أن يبقى التحالف لمصلحة البحرين، وقال أنه يوجد مكونين أساسيين يجب أخذهما في الاعتبار بالنسبة للبحرين، وهما حجم الدولة بالنسبة لمواردها وعدد السكان، بالإضافة إلى العمق الاستراتيجي وأكد أن استهداف البحرين من بعض الأطراف يأتي بسبب موقعها الجغرافي وقربها للمركز الرئيسي لمصادر الطاقة وقربها من مضيق هرمز.
ولفت ميتشيل إلى طريقة اتخاذ القرارات بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي قائلا أن المتابع يستطيع أن يدرك الرسالة التي حرصت دول التعاون على إيصالها وهي أن أي تدخل في شئون مملكة البحرين أو أي من دول المجلس ستكون ذات كلفة عالية، وقد حرصت دول مجلس التعاون الخليجي على إظهار ذلك في 2011.
وأكد ميتشيل أن قوة الردع الخليجي والتحالف والتضامن يبرز مجلس التعاون الخليجي كقوة ردع لإيجاد توازن في المنطقة، فضلا عن أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والتركيز على البعد الأمني .
وقال ميتشل أنه توجد ثلاثة خيارات أمنية متاحة، أولها المنهج الوقائي بحيث يتم إخلاء المنطقة من السلاح النووي، وإيجاد شراكة مع بريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى مجلس الأمن وما يمكن أن يقدمه.
وأكد أن مجلس التعاون الخليجي أصبح أكثر وعيا بالمشاكل التي تواجهه، ودعا ايران إلى البحث عن علاقات مستدامة مع دول المنطقة لضمان الأمن والاستقرار.
ويتطرق الباحثون المشاركون في اليوم الثاني للمؤتمر التحديات الاستراتيجية المعاصرة بمنطقة الخليج العربي حيث تتحدث المدير التنفيذي لمعهد أكرونيم لدبلوماسية نزع السلاح بالمملكة المتحدة د. ربيكا جونسون عن البرنامج النووي الإيراني وأمن الخليج، فيما يتناول السفير د. محمود كارم التطورات الاستراتيجية في الشرق الأوسط وخيارات الردع، ويختتم هذا المحور بورقة للمدير التنفيذي لمركز (دراسات) د. خالد الرويحي بعنوان "عصر الفضاء الرقمي: المخاطر وآليات المواجهة". يتنقل بعدها الباحثون لمناقشة أوضاع العالم العربي بعد عام 2011. يتحدث في هذا المحور استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة د. علي الدين هلال الذي يقدم ورقة حول الدولة المدنية ومعضلات الحركات الإسلامية، تليها ورقة لرئيس معهد أماديوس بالمغرب ابراهيم الفاسي الفهري بعنوان "التحديات الأمنية في المغرب العربي ومنطقة الساحل". وتختتم الجلسة بورقة للمدير العام ورئيس تحرير قناة العرب الإخبارية بعنوان جمال خاشقجي "التنظيمات الدينية المتطرفة العابرة للحدود وتهديداتها الجيواستراتيجية".