عواصم - (وكالات): يشهد الأسبوع المقبل مناورات دبلوماسية مكثفة في برلين وبروكسل لتسريع آلية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال تحت وقع الصدمة بعد قرار البريطانيين، فيما تراجعت أسواق الأسهم في دول مجلس التعاون الخليجي في جلسات التداول الأولى بعد انفصال بريطانيا عن أوروبا. وسجلت أسعار الأسهم في البورصات الخليجية السبع تراجعاً كبيراً مع بداية جلسات التداول، إلا أنها تمكنت من التعافي بعض الشيء.
من جهة أخرى، تستقبل المستشارة الألمانية إنغيلا ميركل التي تراجعت شعبيتها منذ أزمة الهجرة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي، وذلك عشية قمة أوروبية بالغة الأهمية في بروكسل. ودعت ميركل المسؤولين الإيطالي والفرنسي في وقت أبدت باريس وبرلين استعدادهما لتقديم اقتراحات لجعل الاتحاد «أكثر فاعلية». وتقول مصادر عدة إن مبادرة فرنسية ألمانية، وهما محرك الاتحاد، ستكون قيد البحث لإحياء المشروع الأوروبي. وقال هولاند «من مسؤولية فرنسا وألمانيا أن تأخذا زمام المبادرة»، رغم أن فرنسا تبدو متطلبة أكثر من ألمانيا. من جهتها، تبنت ميركل خطاباً أكثر هدوءاً حيال لندن، داعية إلى «تحليل الوضع بهدوء مع التحلي بضبط النفس». وستلتقي ميركل أيضاً في شكل منفصل رئيس المجلس الأوروبي الذي يمثل الدول الـ 28 الأعضاء دونالد توسك الذي لم يخف خشيته من انتقال عدوى خروج بريطانيا إلى بلدان أخرى، وذلك بعد أن يكون توسك قد التقى هولاند في باريس.
وسيترأس توسك غداً وبعد غد المقبلين إحدى القمم الأكثر توتراً في تاريخ الاتحاد. وسيخصص عشاء غداً لصدمة خروج بريطانيا مع انتظار «توضيحات» من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.
وفي اليوم التالي، يعتزم رئيس المجلس عقد اجتماع «غير رسمي» مع رؤساء الدول والحكومات الـ 27 الآخرين دون المملكة المتحدة بهدف بحث تأثير الخطوة البريطانية. وأكد مسؤول أوروبي أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لن يبحث خلال القمة الأوروبية في بروكسل المادة 50 من معاهدة لشبونة والتي تنظم رسمياً خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وما دام البريطانيون اختاروا الانفصال، يريد القادة الأوروبيون أن يحركوا آلية الخروج «في أسرع وقت».
وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير في برلين محاطاً بنظرائه في البلدان المؤسسة للاتحاد الأوروبي «بلجيكا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا» «نقول هنا، معاً، إن هذه العملية يجب أن تبدأ في أسرع وقت». وفي برليمون مقر المفوضية الأوروبية، لا توحي الأجواء برغبة في المماطلة. وقال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر «ليس الأمر طلاقاً ودياً. لا أفهم لماذا تحتاج الحكومة البريطانية إلى الانتظار حتى أكتوبر المقبل لتقرر ما إذا كانت سترسل رسالة الانفصال إلى بروكسل أو لا. أود أن أحصل عليها فوراً». أما البرلمان الأوروبي الذي سيعقد جلسة استثنائية فيطالب بدوره ديفيد كاميرون بأن يبلغ الاتحاد الأوروبي بقرار بريطانيا الخروج من الاتحاد وفق المادة خمسين من اتفاق لشبونة. وقال رئيس البرلمان مارتن شولتز في مقابلة مع صحيفة «بيلد» الألمانية «نعول على الحكومة الألمانية لتفي بوعودها منذ الآن وقمة الثلاثاء ستكون الوقت الملائم».
وعلى الجانب الآخر من الأطلسي، دخل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على خط «الأزمة الأوروبية الكبرى»، وفق تعبير يونكر. ويتوجه كيري إلى بروكسل لإجراء مشاورات مع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني قبل أن ينتقل إلى لندن. وأقر كيري من روما بأن الولايات المتحدة كانت تفضل أن يسلك البريطانيون «اتجاهاً آخر». وتخشى واشنطن خصوصاً تأثير الخروج البريطاني على النمو العالمي وأن يتسبب باضطرابات في الأسواق المالية.
وقالت موغيريني إن قرار المملكة المتحدة الخروج من الاتحاد الأوروبي يجعل وحدة التكتل أكثر أهمية لمواجهة التحديات المتمثلة في الأزمات التي تزداد تدهوراً في أنحاء العالم. وفي واشنطن، تعهد الرئيس باراك أوباما الذي كان أيد بشدة بقاء بريطانيا في الاتحاد، ألا يتغير شيء «في العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة»، مؤكداً أن وجود لندن داخل حلف شمال الأطلسي سيبقى عنصراً أساسياً في سياسة الولايات المتحدة الخارجية. من جهة أخرى، تصاعد الخلاف بين الحزبين الرئيسيين في بريطانيا بعد أن أسفر استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عما وصف بمحاولة انقلاب في حزب العمال المعارض ومنافسة شرسة على القيادة في حزب المحافظين الحاكم.
وترنح الحزبان من نتيجة الاستفتاء في الوقت الذي رفض فيه الناخبون البريطانيون ما دفع به قادتهم من حجج وقرروا الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء أكد انقسامات عميقة في البلد.
وأعلن كاميرون أنه سيستقيل لتبدأ معركة عنيفة على خلافته كما انسحب عدد من نواب البرلمان المنتمين لحزب العمال من فريق أعلى للسياسات في محاولة لإجبار زعيمهم جيريمي كوربين على ترك منصبه.
وقال كاميرون إنه سيبقى في منصبه حتى أكتوبر المقبل، في محاولة لطمأنة العامة والأسواق لكن إعلان قراره بالاستقالة فور ظهور نتيجة الاستفتاء أحدث هزة في المعسكر المؤيد للخروج من الاتحاد.
وبعد فوز خيار الخروج من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء البريطاني، أظهر استطلاعان أن أكثر من نصف الأسكتلنديين يؤيدون تنظيم استفتاء جديد على استقلال بلادهم ما شكل دعماً لسعي رئيسة وزرائهم نيكولا ستورجن لفتح مفاوضات مباشرة مع الاتحاد الأوروبي. وشددت ستورجن في مقابلة تلفزيونية على «أن المملكة المتحدة التي صوتت أسكتلندا للبقاء فيها في 2014 لم تعد موجودة». وكما هي حال الأيرلنديين الشماليين، صوت الأسكتلنديون بأغلبية كبيرة وصلت إلى 62 % على بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي. وبحسب استطلاع لصالح صحيفة «صنداي تايمز» فإن 52 % من الأسكتلنديين يرغبون في أن تنفصل بلادهم عن باقي بريطانيا وأن تبقى أسكتلندا داخل الاتحاد الأوروبي.
وقبل عامين رفض الناخبون الأسكتلنديون استقلال بلادهم بنسبة 55 %. لكن المستجدات التي تلت استفتاء الخميس الماضي تجعل تنظيم استفتاء جديد في أسكتلندا «مرجحاً جداً»، بحسب ما قالت رئيسة حكومة أسكتلندا. وأضافت «لن تكون هناك إعادة لاستفتاء 2014 (..) لقد تغير الظرف والملابسات تماماً». ووعدت ستورجن بأنها «ستتباحث مع المسؤولين في بروكسل في الأيام القادمة» حول إجراءات بقاء بلادها في الاتحاد الأوروبي. وفي مطلق الأحوال فإن أسكتلندا مستقلة يزيد عدد سكانها على 5 ملايين نسمة وناتجها الإجمالي على 200 مليار يورو، ستجد مكانها تماماً في الاتحاد الأوروبي الذي يضم بلداناً أصغر مثل دول البلطيق.