عواصم - (وكالات): بين عنف المسلحين وقسوة قوات الأمن، وجدت السيدة نذيرة نفسها تعيش رعب القيامة في شوارع الفلوجة وعند معابرها، حيث تمنى الناس لو أنهم ماتوا في ديارهم وما هربوا منها بحثا عن الأمان.
تروي السيدة أنها فرت من القصف والقتال من وسط الفلوجة رفقة أطفالها، لكن القذائف ظلت ترافقهم أينما ولوا وجوههم حتى وصلوا إلى معابر يتكدس عندها الهاربون من الجحيم.
لكن الوصول إلى هذه المعابر لم يكن سوى مرحلة جديدة من الهوان، حيث لا تسمح قوات الأمن إلا بعبور من لديه معارف في الشرطة والجيش.
وتقول السيدة إنهم عاشوا رعب يوم القيامة وتمنوا لو أنهم قتلوا في دورهم وما وصلوا إلى هذه المعابر، «فمن ليس لديهم معارف يظل عالقا حتى لو مضى عليه أسبوع أو شهر».
ومثل نذيرة هام الآلاف من أهالي الفلوجة على وجوهم بحثاً عن الأمان، وروى الكثيرون منهم فظاعات من القهر والاضطهاد على أيدي مسلحي تنظيم الدولة «داعش» ومليشيات الحشد الشعبي الشيعية.
وتقول المسنة زهراء إنها وأفراد عائلتها قضوا أياما تحت رعب نيران القصف يقتاتون على التمر فقط، بينما لا يحصلون على المياه الصالحة للشرب.
وتروي أنهم عاشوا سبعة أشهر قاسية تحت القصف والحصار، إذ لم تغثهم الحكومة العراقية خلال هذه المدة إلا بالصواريخ والقذائف. وحتى مغادرة المعابر لا تعني الخلاص، إنما تؤذن ببدء حقبة من المعاناة وضنك العيش تحت سقف العراء.
وقد مضى أسبوع على نزوح 30 ألف مدني من الفلوجة باتجاه مخيمات النازحين، ولاتزال آلاف العائلات تفتقر إلى الحماية والإيواء، وأغلبها من كبار السن والنساء والأطفال. ويضيق أبو مصطفى ذرعا بحياة العوز في المخيمات قائلا «لم يكن لدينا طعام في الفلوجة، ولكننا كنا نملك بيتنا، وكان بإمكاننا أن نموت بكرامة بضربة جوية واحدة». وتشكو عائلات من تعرضها للعواصف الرملية يوميا بالإضافة إلى الحرارة الشديدة، وقد لجأ كثيرون إلى المساجد وافترش آخرون الأرض في أماكن مفتوحة. ويفيد المجلس النرويجي للاجئين بأن هذه الأزمة اقتضت إنشاء مخيمات جديدة بين ليلة وضحاها من دون أية مرافق، بينما ظل البعض خارج الخيم وبحاجة ماسة إلى المأوى والحماية.
ويقدر المجلس عدد النازحين في مخيمات عامرية الفلوجة بنحو 62 ألفا، مما يجعل توفير المساعدات الإنسانية لهم أمراً صعباً للغاية.
وقد أفاد المجلس بأنه حصل على تمويل لإنشاء 162 مرحاضاً في الأيام المقبلة في المخيمات الجديدة بعامرية الفلوجة، لكنها غير كافية لهذا العدد الهائل من النازحين. وأوضح بيان للمجلس أنه حصل على تمويل لتقديم مياه الشرب للمخيمات لمدة 50 يوماً.
ويؤكد مدير المجلس في العراق نصر مفلحي أن هناك عائلات تركت لمواجهة العواصف الرملية والحرارة العالية «وهذا غير مبرر، ومشين كلياً». ويوضح أن هذه العائلات تشعر بأنه تم التخلي عنها وخيانتها.
ويدعو مفلحي الحكومة العراقية والأمم المتحدة إلى العمل سوياً لإغاثة هذه العائلات فوراً.
ميدانياً، استعادت القوات العراقية كامل السيطرة على مدينة الفلوجة ، احد اهم معاقل «داعش»، بعد «تطهير» حي الجولان في المدينة التي سيطر عليها المتطرفون مطلع عام 2014.
من جانبه، دعا رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من الفلوجة العراقيين الى الاحتفال باستعادة السيطرة على المدينة. وكان العبادي قد أعلن الانتصار في 17 يونيو الماضي بعد أن بلغت القوات مركز المدينة لكن القوات العراقية واجهت جيوب مقاومة وعمليات تطهير.
وأطلقت القوات العراقية بمساندة التحالف الدولي عمليات واسعة النطاق لاستعادة السيطرة على الفلوجة غرب بغداد، ثاني أهم معاقل المتشددين بعد مدينة الموصل، شمال العراق. وأكد المتحدث باسم جهاز مكافحة الإرهاب صباح النعمان «استعادة كامل المدينة»، وقال «أعلن قائد عمليات تحرير الفلوجة الفريق الركن الساعدي، تطهير المدينة بعد سيطرة جهاز مكافحة الإرهاب على حي الجولان» آخر الاحياء التي كان يتمركز فيها الجهاديون.
وأضاف أن الجولان، «آخر معقل لتنظيم «داعش» في المدينة التي اصبحت امنة حاليا من تهديدات داعش الارهابي» موضحا ان «»حي الجولان، لم يستغرق تطهيره من قبل قواتنا اكثر من ساعتين ولم تطلق منه ولا رصاصة واحدة من داعش ما يدل على انه قد هزم وخسر المعركة».
واكد ان «القوات الامنية العراقية تسيطر على مدينة الفلوجة بالكامل».
كما أكد بيان لقيادة العمليات المشتركة «استعادة الجولان» لكنه أشار إلى جيوب تقاوم شمال شرق الفلوجة. واوضح البيان ان «العمليات لم تضع تحرير مركز الفلوجة هدفا لها بل استعادة كامل قاطع العمليات» في اشارة لبعض القرى والنواحي من الجهة الشمالية الغربية.
وبدأت عمليات استعادة السيطرة على الفلوجة فجر 23 مايو الماضي، سبقها حصار مشدد استمر عدة اشهر فرض على المدينة بمشاركة قوات الحشد الشعبي، الفصائل الشيعية المدعومة من ايران.
وتكرر حضور قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في مواقع العمليات حول مدينة الفلوجة خلال الفترة الماضية.
بدورها، قدمت قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، دعماً جويا للقوات العراقية بوتيرة أقل مما كانت عليها قبل 6 أشهر خلال عملية الرمادي، كبرى مدن محافظة الانبار. ودعت الولايات المتحدة الى التركيز على استعادة السيطرة على الموصل، ثاني مدن العراق التي اعلنها المتطرفون عاصمة «الخلافة» للمناطق التي سيطروا عليها قبل عامين في العراق وسوريا المجاورة.
ولم تعد هناك قدرة للمتطرفين على مواجهة القوات الامنية رغم استمرار تواجد جيوب في مناطق متفرقة حول الفلوجة.
وخسر التنظيم المتطرف عدد كبير من قياداته جراء ضربات جوية، كما فقد السيطرة على أكثر من ثلثي المناطق التي كانت خاضعة له في العراق قبل عامين.
ودفعت عدم قدرة التنظيم المتطرف لمواجهة للقوات التي تلاحقه، إلى العودة إلى أساليب تقليدية قديمة وتفجير مواقع البنى التحتية واستهداف المدنيين.
لكن هجمات محدودة وقعت خلال الأيام الماضية في بغداد منذ بداية شهر رمضان.