دعا وكيل الوزارة للشؤون الإسلامية د.فريد المفتاح إلى ضرورة تكاتف الجهود من أجل تعزيز ثقافة حضارية وطنية منفتحة، تأسيساً للوحدة المجتمعية بين مكونات الشعب، لافتاً إلى أن الثقافة المنشودة ينبغي أن ترتكز على ثوابت الدين وتنطلق من قيم الوفاء والولاء والانتماء للأرض التي نعيش عليها، والقيادة الحكيمة التي لها بيعة في أعناقنا، مُتمثلة في حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وحكومته برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء، يسانده صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين، نائب القائد الأعلى، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء.
جاء ذلك، خلال احتفال المملكة بليلة القدر المباركة، إذ أقيم الحفل بجامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، تحت رعاية سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وبتنظيم من إدارة الشؤون الدينية بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، بحضور المشايخ والقضاة، والسفراء ورجال السلك الدبلوماسي، وجمع من المواطنين والمقيمين.
وأضاف المفتاح أن استلهامنا لدروس ليلة القدر يمنحنا مزيداً من الثبات والعزم، وإن أعظم ما نستلهمه من دروس الليلة المباركة هو اتخاذ السلام نهجاً ونبراساً لنسعد وتسعد البشرية بروحه وآثاره. وإذا كان السلام نهجاً لأمتنا أمة الخير والوسطية؛فإن نشر ثقافة السلام ودعوة الناس إلى معرفته وتطبيقه من خلال ثوابت وقيم شريعتنا الغراء وحضارتنا المجيدة بحاجة إلى دعاة يتمثلون قيم الإسلام ومبادئه، من خلال قدوة عملية وخطاب إسلامي عصري يترجم حقيقة الإسلام، موضحاً بأننا اليوم بحاجة إلى ضبط لغة الخطاب الإسلامي لنحافظ به على ثوابت الدين، ونحقق به وحدتنا وتآخينا في نسيج وطني، يحفظ علينا أمننا وأماننا، خطاب يعري الفكر المنحرف الذي يولد التطرف والغلو والانغلاق والإرهاب والطائفية، حيث أثبتت التجربة أن الحياة تتكامل بالتنوع لا التمايز، بالتعاون والتشارك لا بالقطيعة، بالانفتاح على الآخر لا بالانغلاق، بالتآلف لا بالكراهية والتنافر.
وطالب بإعادة قراءة التاريخ قراءة عصرية وموضوعية، وتنقية التراث مما علق به من الروايات والأحاديث التي دست فيه لتحقيق مصالح شخصية أو مذهبية أو فئوية أو حزبية، فأسست ثقافة الكراهية والعنف والتخريب والتعصب والإرهاب. كما دعا لضرورة ترسيخ ثقافة الحياة وحب الحياة ولكن في سبيل الله، مشيراً إلى أن معنى صناعة الحياة، وهو الأصل الذي من أجله خلق الله آدم عليه السلام، وجعل ذريته خلفاء في الأرض ليعمروها ويسعدوا بنعم الله تعالى فيها، محققين عيشاً مشتركاً مع كل بني البشر في تعاون وتعارف وانفتاح يضمن للبشرية العيش في سعادة واستقرار وأمن وأمان وسلام.
خزائن محصنة
من جهته، قال القاضي بمحكمة الاستئناف العليا الشرعية بالدائرة السنية الشيخ عبدالرحمن الشاعر إن هذه أيام شهر رمضان المبارك تتقلص، ولياليه الشريفة تتقضى شاهدةً بما عملتم، وحافظةً لما أودعتم، هي لأعمالكم خزائن محصنة، ومستودعات محفوظة، تُدعون يوم القيامة: يوم تجد كل نفسٍ ما عملت، ينادي ربكم: «يا عبادي هاهي أعمالكم أُحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه»، هذا هو شهركم، وهذه هي أيامه.
وتساءل الشاعر قائلاً: كم من مستقبلٍ لم يستكمله؟ وكم من مُؤَمِّلٍ بعودٍ إليه لم يُدركه. هلَّا تأملتم الأجل ومسيرهُ، هلاَّ تبينتم خداع الأمل وغروره؟!.
واستطرد أن كان في النفوس زاجرًا، وإن كان في القلوب واعظًا فقد بقيت من أيامه بقية، وأي بقية، إنها عَشره الأخيرة، بقيةٌ كان يحتفي بها نبيكم محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم أيَّما احتفاء. في العشرين قبلها كان يخلطها بصلاةٍ ونومٍ، فإذا دخلت العشر شمَّر وجَّد وشدَّ المئزر وهجر فراشه وأيقظ أهله. ومن أعظم الخصائص في العشر الأواخر من رمضان، أنَّ فيها ليلةً هي خيرٌ من ألف شهر، هي ليلة القدر التي شرفها الله على غيرها ومنَّ على هذه الأمة بجزيل فضيلها وخيرها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، داعياً الحضور إلى أن يعُجُّوا في هذه العشر بالدعاء، فقد قال سبحانه وتعالى: «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون»، فللدعاء شأناً عجيباً، وأثراً عظيماً في حسن العاقبة، وصلاح الحال والمآل والتوفيق في الأعمال والبركة في الأرزاق، ويُجمل الدعاء وتتوافر أسباب الخير ويعظم الرجاء حين يقترن بالاعتكاف، فقد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الأيام حتى توفاه الله، فالمعتكف: ذكر الله أنيسه، والقرآن جلسيه، والصلاة راحته، ومناجات الحبيب متعته، والدعاء والتضرع لذته.
وأضاف أن الشهور والأعوام والليالي والأيام مواقيت الأعمال ومقادير الآجال تمر سريعاً وتنقضي جميعاً، إنها أيام الله خلقها وأوجدها وخص بعضها بمزيد من الفضل، فما من يوم إلا ولله فيه على عباده وظيفةٌ من وظائف طاعاته، ولطيفةٌ من لطائف نفحاته، يُصيب بفضله ورحمته من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم.
الخير والطاعات
من جانبه، قال عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ محمد عبدالمهدي «الحمد لله الذي شرفنا بصيام شهره العظيم، وأكرمنا بليلة القدر مضماراً للأوبة إليه، ومنقلباً للتائبين، وزاداً للخاشعين، وذخراً للمتعرضين لنفحات وجهه الكريم، فقد قال سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم: أيها الناس إن هذا الشهر قد خصكم الله به، وهو سيد الشهور، فيه ليلة خير من ألف شهر، تُغلق فيه أبواب النار، وتُفتح فيه أبواب الجنان، فمن أدركه ولم يغفر له فأبعده الله، ومن أدرك والديه ولم يغفر له فأبعده الله، ومن ذكرت عنده ولم يصل علي فأبعده الله، فهنيئاً لمن اغتنم الفرصة في هذا الشهر وتجافى عن دار الغرور، وسعى في خلاص رقبته من النار، ودعا الله مخلصاً ملحاً في دعائه.
وأوضح أنه مهما بذل الانسان المؤمن من جهد واجتهاد في تحصيلها بما فيه، فإنه لن يدرك حقيقة خيريتها، فهي خيرٌ من ألف شهر، ألف شهر بعبادته وطاعاته وما يقدمه الإنسان من طاعة خالصة لربه الكريم في مقدار ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر فإذا أدرك هذه الليلة وقَبل عمله فيها، فهذا عمل يفوق عمله الآخر في كل تلك المدة الطويلة.
وأشار إلى أنه يُستحب إحياء ليلة القدر بالعبادة، والدعاء، وفعل الخير والطاعات، وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه: من صلى العشاء الأخيرة في جماعة من رمضان فقد أدرك ليلة القدر، وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت يا رسول الله إن وافقتها فبم أدعو؟ قال قولي: (اللهم إنك عفو تحت العفو فاعف عني)، وللنسائي من حديث أبي هريرة مرفوعاً: (سلوا الله العفو والعافية والمعافاة)، ونقل عن الإمام الشافعي: (أن من شهد العشاء والصبح في جماعة فقد أخذ بحظه منها)، وكم أمرنا المصطفى صلى الله عليه وآله في هذا الشهر: (.. فاستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى لكم عنهما – أما الخصلتان التي ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى لكم عنهما: تسألون ربكم الجنة، تتعوذون به من النار..) ويُستحب فيها الصدقة، وتلاوة القرآن، والاعتكاف، والاستعداد للعبادة، وكثرة ذكر الله، والاستغفار، وطلب التوبة. فلقد كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها. فقال الإمام الصادق عليه السلام: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله سلم إذا دخل العشر الأخير شد المئزر واجتنب النساء أحيا الليل، وتفرغ للعبادة) ويُستحب أن يجتهد في يومها كما يجتهد في ليلتها.
وذكر أنه ما أحرانا ونحن نستظل بظلال بيت من بيوت الله أن نلهج بالدعاء لله خاشعاً أن يمن علينا بالقبول والغفران والتوفيق لما يحب ويرضى، وأن يجنبنا المعاصي ما ظهر منها وما بطن، وأن يعصمنا من الخلل والزلل في القول والعمل، وأن يحفظنا بحفظ الإيمان، وأن يتسلم منا شهر رمضان ويسلمنا فيه في خير وعافية ويسر، وأن يحفظنا ويحفظ بلادنا وسائر المسلمين من البغي والعدوان، وأن يدفع عنا طوارق الحدثين من طوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا حنان يا منان يا ولي الإحسان.
970x90
970x90