سلسبيل وليد
قال كبار سن إن أجواء العيد بالماضي كانت تتسم بالعفوية والبساطة و»اللمة» بين الأهل والأصدقاء والأقارب.
واسترجعت مواطنة تدعى أم جهاد مع «الوطن» ذكريات الماضي الجميل لأيام العيد «لول»، قائلة إن الأمهات كن يفصلن لنا ملابس العيد ويشترين القماش من السوق.
وأضافت «تقوم الأمهات بأخذ قياستنا بالأذرع فتشبر بيدها، وتخيطه لدى الخياط فنخرج بأجمل حلة وبأجمل الفساتين لنتباهى بها أمام أطفال الحي في «السكة»، وما كان عندنا الغيرة فقط نريهم ملابسنا الجميلة ونكمل اللعب عفوية مع بعضنا، ولم نكن نشتري ملابس «ماركات» كما يتسابق عليها أطفال وشباب هذا الزمن، فالقليل يرضينا ويقنعنا.
وتابعت أما قدوع العيد فكان بسيط جداً من زلابية وبلاليط وخبيص وسابو ورهش وجميعها نقوم بصنعها في البيت، باستثناء الرهش من شويطر ونشتريه بالوزن ونضعه في الصحن، والزلابية كان لدينا واحد في الماضي اسمه محمد بن عبيد من أهل والدتي في عمان يقوم بعمل زلابية لنا والتي لا مثيل لها، ولا ننسى كيك عقيلي، والقدوع يكون حتى لو صحن أو صحنين كل شخص بحسب إمكانياته المادية، فلا يوجد عتب بين الناس، فالجميع يقدم ما باستطاعته.
وأضاف يذهب الأطفال لصلاة العيد بصحبة أبائهم ومن ثم يأتون لدينا فيأكلون من القدوع و يمشون، وكل شخص يدخل بيت جاره الباب مفتوح لاستقبال الجميع فلا اتصالات في السابق كما الحاضر ولا مواعيد يذهبون «يقدعون» ويعودون، أما الآن فالقدوع أصناف لا تعد ولا تحصى من حلاوة ومكسرات وأنواع جديدة ومختلفة ويتباهون بها بين الأقارب والأصدقاء ومتنوعة بين الماضي والحاضر.
وتتابع أما غداء العيد فيتم التجهيز له مبكراً، ففي ليلة العيد نستعد له بتقسيم البصل وتغسيل اللحم و»نشبك اللومي الأسود» في خيط، وفي صباح العيد نقوم بالطبخ «مفلطح» والذي يسمى بـ»غوزي» حالياً ونضع عليه اللومي الأسود والدراسين ونتركه يطبخ ومن ثم نضع اللحم معه والأرز والحشوة، ومن ثم نضعه في صوان، والبهارات في السابق تختلف عن الآن فكانت بزار كركم دارسين ولومي فقط، أما الآن فهي متنوعة ومشكلة بين زنجبيل وكاري وثوم وغيرها.
وأوضحت أن من باستطاعتهم يقومون بذبح خروف كل عيد، فأهل زوجي لا زالت لديهم هذه العادة فيأتون بالذبيحة ليلة العيد المغرب يتجمع الأطفال حولها وتذبح وتجهز لغداء العائلة، وتطبخ في اليوم الثاني وتأتي الروائح من كل مكان لتنتشر بين الجيران والناس في الحي، فروائح الأكل تشم من كل بيت، مضيفة ولا ننسى الجيران فنقوم بوضع صحون مخصصة للجيران من غداء العيش ونتبادل فيما بيننا أم صالح وأم خالد والجميع، فهذه القوة الحقيقة بين الجيران، والتي عودت بناتي عليها وأن لا يقطعوها لتبقى للأجيال القادمة.
ولفتت إلى أن القدوع هو فطور العائلة والغداء يكون قبل صلاة الظهر فيوضع الغداء في العاشرة صباحاً وأحياناً الساعة الحادية عشرة، ومن ثم يذهبون لصلاة الظهر، أما الآن فالغداء يوضع بعد الظهر ويكون في بيت العائلة لم يتغير سوى التوقيت. وأِشارت إلى أن الكثير من العادات التي انقطعت عن السابق فاللمّة في السابق كانت مختلفة تماماً، فيجتمع القاصي والداني ويأتون من كل بيت كما أن الجيران زياراتهم بلا مواعيد وهم من الأهل أيضاً، عدا عن كون الأطفال يلعبون مع بعضهم بنات وأولاد فلا توجد مشاكل بينهن الفتيات يلعبن بألعاب الأولاد والعكس أيضاً.
وبينت أن العيادي بين المنازل أيضاً انقطعت ففي السابق نذهب نحن الأطفال من حالة بوماهر إلى منازل المحرق سيراً على الأقدام من أجل العيدية ونعود متعبين وأحذيتنا ممزقة وننام أحياناً حتى اليوم الثاني من التعب، أما الآن فالأطفال لا يذهبون من أجل العيدية فيستحون ويبقون في المنزل جالسين مع بعضهم، بلا شك لم يشعروا بالسعادة التي عشناها في السابق.
وأوضحت أن هناك أشخاصاً لم يتغيروا إلى الآن فأهل زوجي عاداتهم لم تنقطع لازال بيت العائلة مفتوحاً في العيد 3 أيام ويأتي أبناء العمومة والخالة والأخوال والجميع لزيارتهم فيأتون من مدينة عيسى والحد وعراد والرفاع، والناس الآن تغيروا والأنفس كذلك لم تعد كما كانت في السابق يتصلون على شخص يفتقدونه فيتحجج بمرضه أو المكان بعيد أو أي عذر آخر.
واستطردت أن الاحتفالات في السابق مختلفة تماماً وكانت الفرق تأتي من العصر من بينها فرقة «الليوه» في أول يوم العيد والكل يعرف موعدهم فيجتمع حولهم الأطفال والكبار ويعطونهم فلوساً أو ديناراً أو «خردة» كل بحسب مقدرته، كما يأتي المسحر في ثاني وثالث أيام العيد ويطق بالطبل ويأخذ المقسوم من أكل ومبالغ مادية كل شخص بما يستطيع، ولم تكن الزينة موجودة في السابق بالشوارع كما الآن، فنحن نتزين بالبخنق والجلابية والحنة التي تدوم على الأيدي أشهراً وتصبح خضراء حتى نمل منها، وبدون نقشات، أما الآن فتوضع مع الحنة مواد أخرى فلا تبقى على اليد أكثر من أسبوع.
وقالت إن رجال الماضي لم يكونوا ليذهبوا للسوق لشراء ملابس للعيد وتفصيل الأثواب، فالزوجة هي من تشتري لهم دون علم منهم ويذهبون بها صباح العيد للمسجد ويسلمون على بعض بعد الصلاة وإذا لم يروا جارهم يذهبون لمنزلهم للاطمئنان عليه والسؤال عن سبب تغيبه عن الصلاة، فلم يكونوا كالعصر الحالي الذين يتصلون باصدقائهم ليسألوا عنهم وفي بعض الأحيان لا يتصلون، ومن ثم يعودون من الصلاة ويأتي والدي «رحمه الله» ليعايد علينا فكان يعطينا أحياناً «4 ونص» والتي تساوي حالي 25 فلساً فكنا نشتري بها الكثير من الدكاكين وخصوصاً البيض المفيوح الملون.
وتذكرت أم جهاد أحلى أيام الطفولة في الماضي حيث يجتمعن النساء في ساحة المنزل الخلفي ويلبسن أجمل الجلابيات ويضعن الحلي والحنة على أيديهن وأرجلهن ويبدأن منذ صلاة العصر بالمراداة نحو 12 إمرأة ونجلس معهن نحن الفتيات وحتى أذان المغرب، ولا ننسى العطور ودهن العود ورائحة المشموم التي تزين المكان و تنبعث في «الفريج». وتشدد أم جهاد على العادات القديمة والتي لا زالت تحتفظ بها فبيت والدتها لم يغلق حيث يجتمعون فيه كل خميس وكل عيد، فتذهب ليلة العيد لتجهز المنزل بمساعدة الخدم والتحضير لغداء العائلة ومن ثم تستقبل أبناءها والنسائب والأحفاد والكبار والصغار والإخوة والأخوات وجميع الأهل كما عودتها بناتها على عدم قطع هذه العادة، فهم يأخذون حصة مخصصة للجيران من غداء العيد كما كانت تفعل الوالدة رحمها الله، كما يأخذون صحناً إلى العامل في الدكان فلا ينسونه أبداً.