محرر الشؤون الثقافية



منذ الإعلان عن المشروع الجديد لعرض الأفلام عن طريق خدمة الإنترنت المدفوع، في نفس يوم خروجها للجمهور في صالات العرض، من صاحب شركة «نابستر» لبيع المحتويات الموسيقية عبر الإنترنت «شين باركر»، وهناك جدل مشتعل بين مؤيد ومعارض في هوليوود قلب صناعة السينما في العالم.
وجاء الإعلان عبر مجلة «فاريتي» الأمريكية عن مشروع السينما المنزلية «العرض في الغرفة» في التاسع من مارس الماضي، منذ ذلك الحين وهوليوود تشهد انقساماً حاداً.
والمشروع سيسمح بعرض أفلام السينما الحديثة يوم عرضها الأول في صالات العرض، من خلال الإنترنت الموصل بأجهزة التليفزيون الحديثة المعروفة باسم «سمارت تي في»، والمتصلة بدورها بشبكة الإنترنت. لم يمر يوم واحد دون أن يخلو من تصريح من قبل مخرج هوليوودي، يدلي كل بدلوه في تلك الثورة التكنولوجية الجديدة وآثارها على صناعة السينما في هوليوود. صاحب هذا المشروع هو شين باركر والذي منذ دخوله عالم بيع الموسيقى عبر شبكة الإنترنت، وسلاسل محلات توزيع ألبومات الموسيقى تتدهور وتكاد أن تنقرض، فلم يعد هناك تقريبا متاجر لبيع أسطوانات الموسيقى والأغاني، فالكل يشتري عبر الإنترنت، وهذا ما يخيف أصحاب دور العرض الذين قد يروا قريبا دور عروض أفلام السينما تغلق. وقد أعلن شين باركر بأن من مؤيدي تلك الثورة التكنولوجية الجديدة في عرض أفلام السينما المخرجين بيتر جاكسون، ومارتين سكورسيزي، وستيفين سبيلبرج، أما فصيل المعارضين فيضم المخرجين: جيمس كاميرون، ووكريستوفر نولن ورونالد أميريش.
ولم يفصح شين باركر، ما إذا كان المخرجين الكبار المؤيدين لسينما المنزل تلك سيستثمرون في عملية أموالهم في المشروع أم لا، وقد يرجع هذا إلى أن الضجة التي أثيرت حول خروج مشروع مماثل إلي النور جعلت المشاركين فيه ماليا وفنيا يحجمون على التصريح للصحف بأي تفاصيل عن تمويل المشروع. ويعد المخرج بيتر جاكسون «مخرج ثلاثية سيد الخواتم» هو الوحيد الذي أدار حوار على صفحات الجرائد حول موقفه من التجربة الجديدة، في خطاب منه موجه للصحف قال فيه: « إن العرض المنزلي للأفلام وقت بدأ عرضها في صالات العرض سيزيد من عدد مشاهدي الفيلم السينمائي، وعلى عكس المخاوف التي تري أنه سيسحب المتفرجين من صالات العرض لصالح المشاهدة في المنازل».
وجاء التأييد من بيتر جاكسون مخرج فيلم «ملك الخواتم» ليدهش الكثير من العاملين في هوليوود، حيث كان قد سبق لجاكسون أن طلب في 2011 من الموزعين ألا يخفضوا وقت خروج الأفلام السينمائية على أشرطة واسطوانات، أو عبر خدمة الإنترنت المدفوعة فيديو تحت الطلب لعرضها في المنازل من ثلاثة أشهر لشهريين، لما في ذلك من تأثير سلبي على رواد دور العرض.
ويرد جاكسون على النقد، بأن تلك التجربة الجديدة موجها في الأساس لهؤلاء الذين لم يعتادوا الذهاب لدور العرض من أجل مشاهدة الأفلام.ويري الكثيرون أن موزعي الأفلام على دور العرض لن يضاروا كثير من تلك التجربة، حيث أنهم سيقبضون حوالي 20 دولاراً من الخمسين دولاراً التي سيباع بها الفيلم عبر الإنترنت.
ويتزعم المعارضة للعروض السينمائية المنزلية المخرج جيمس كاميرون مدعوماً في موقفه المعارض بمنتجه «جون لاندو». ويقول كاميرون «نحن من أنصار العادة المقدسة لنا كصناع للسينما والمتمثلة في عرض الأفلام السينمائية على الجمهور داخل صالات العرض السينمائي. فالأمر بالنسبة لنا له شقيين، أحدهما فني بحت، والأخر مالي، لذا فيجب عرض الأفلام بشكل حصري في داخل دور العرض السينمائي أولاً «. ويضيف كاميرون «ما يصعب على فهمه، هو كيف يسعي البعض إلي حجب عروض الأفلام التي نتعب اشد التعب في صنعها عن أهم وأرقي وسيلة للعرض على الجمهور، ألا وهي دور العرض السينمائي». ويشارك روبرت أميرش( مخرج جودزيلا ويوم الاستقلال) كاميرون الرأي، ويرى أن دور العرض السينمائي هي الأولى دائماً على مستوى وسائط عرض الفيلم، ولا يمكن لنا النيل من مكانتها التي تجعل لها الأفضلية قبل أي وسائط أخرى لعرض الأفلام. كما كتب «نايت شيامالان» مخرج فيلم «الحاسة السادسة» على توتير: « أن السينما هي من أخر أشكال الفن الذي يتم الاستمتاع به بشكل جماعي، وعندما يتم فتح باب العروض المنزلية، فلن يمكن الرجوع عن تلك الخطوة مرة أخرى، وسنسير في اتجاه اختفاء دور العرض»، ويضيف «أن السينما أمرا يجب القتال من أجله، وهي فن يقوم بتجميع الناس سويا، هذا هو دورها الاجتماعي». لا يرى أنصار مشروع العروض المنزلية في هذا الكلام، سوى رد فعل متحجر من عجائز هوليوود المعادين للتقدم.
ومن الآراء المعارضة لتلك التجربة فريق يرى أن ذلك سيفتح الباب على مصراعيه أما عمليات قرصنة الأفلام، فمن الذي يضمن عدم قيام البعض بوضع كاميرا «أتش دي» أمام شاشة العرض المنزلي من خلال التليفزيونات الرقمي، لينقل الفيلم كاملا ليتم بثها على مواقع الإنترنت؟ أن الشركات تضع اليوم أفراد أمن داخل صالات العرض في العروض الأولى للأفلام مزودين بنظارات رؤية ليلية، لكشف من يحضر العرض بكاميرات بغرض قرصنة الأفلام في ظلام الصالات. مع العروض المنزلية ستكون القرصنة دون مراقب، وستؤدي إلي خفض الإيرادات وإفلاس صناعة السينما، وهذا بالطبع دون حساب لكل المتاجر المجاورة لصالات العرض والتي ستقفل أبوابها لعدم الإقبال على صالات العرض نفسها.
والنقطة الأهم أن المشروع ستكون له عواقب وخيمة على السينما الجادة، بل وحتى الكوميدية والاجتماعية، فمن الممكن أن يستمر الجمهور في الذهاب لدور العرض السينمائي من اجل مشاهدة أفلام الخيال العلمي، وأفلام الأبطال الخارقين أمثال سوبرمان والرجل الوطواط، وبالتحديد عند تقديم تلك النوعية من الأفلام مع التكنولوجية ثلاثية الأبعاد، لكن من من الجمهور سيذهب للسينما لمشاهدة فيلم جاد أو كوميدي أو رومانسي، وهو يمكنه مشاهدته في المنزل متكئ على أريكته. و ستكون تلك النوعية من السينما هي الأكثر تعرضا للقرصنة، وضعف الإيرادات، ومن ثم سيتم التوقف على إنتاجها، فالسينما المنزلية ستغير نوعيات الأفلام المنتجة وتنهي على السينما كفن. بالطبع تلك العروض المنزلية لم يحدد موعد محدد لانطلاقها، لكن الجدل حولها بدأ مبكراً. ويظل في النهاية أمراً يخص إرباح وعائدات هذا المشروع، فالتجربة تبين أن المكاسب غير مضمونة. ففي حالة فيلم «المقابلة»، الذي يسخر من قائد كوريا الشمالية، والذي قررت سوني عرضه عروضاً منزلية فقط، من بعد هجوم القراصنة على مواقع سوني، وسرقة مستندات من على «حسابات الشركة من قبل قرصنة من كوريا الشمالية. فبالرغم من الدعاية التي توفرت للفيلم في كل الصحف، لم يحقق الفيلم ألا 40 مليون دولار، في حين أن تكلفة الفيلم كانت 75 مليون دولار، لأن عرض الفيلم منزليا أدي لقرصنته ووضعه على الإنترنت وشكل فشلاً لسوني وانتصاراً ل»كيم جونج- أون» رجل كوريا الشمالية القوي.