تركيا- (رويترز): خاضت قوات موالية للحكومة التركية معركة أمس لسحق ما تبقى من محاولة انقلاب عسكري فشلت بعد أن لبت الجماهير دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للنزول للشوارع وتخلى عشرات من المتمردين عن دباباتهم.
وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إن أكثر من 160 شخصاً قتلوا بينهم الكثير من المدنيين وأصيب 1440 في أعمال العنف التي اندلعت في وقت متأخر الجمعة بعد أن حاول قطاع من القوات المسلحة السيطرة على السلطة باستخدام الدبابات وطائرات الهليكوبتر الهجومية التي هاجم بعضها مقر المخابرات التركية والبرلمان في أنقرة بينما سيطر البعض الآخر على جسر مهم في إسطنبول.
واتهم أردوغان مدبري الانقلاب بمحاولة قتله ووعد بتطهير القوات المسلحة التي سبق أن نفذت عدداً من الانقلابات العسكرية الناجحة رغم أن آخرها كان من أكثر من 30 عاماً. وقال إردوغان - الذي شهد أيضاً احتجاجات حاشدة على حكمه قبل ثلاثة أعوام - «سيدفعون ثمناً باهظاً لهذا. هذه الانتفاضة هي هدية من الله لنا لأنها ستكون سبباً في تطهير جيشنا».
وذكر تلفزيون تركي في وقت لاحق بأنه تجري عملية تطهير للقضاء. وقال وزير في الحكومة إن بعض القادة العسكريين لا يزالون محتجزين رهائن لدى مدبري الانقلاب. لكن الحكومة أعلنت أن الوضع أصبح تحت السيطرة بالكامل وقالت إن 161 شخصاً قتلوا واعتقل 2839 شخصاً بين جنود عاديين وضباط رفيعي المستوى وبينهم من شكلوا العمود الفقري لمحاولة الانقلاب.
وفي كلمة لحشد من آلاف المؤيدين في المطار قال أردوغان في وقت لاحق إن الحكومة لا تزال تتولى الدفة رغم أن الاضطرابات لا تزال مستمرة في أنقرة.
وقال أردوغان إن مدبري الانقلاب حاولوا مهاجمته في منتجع مرمرة. وتابع قوله «قصفوا أماكن بعد رحيلي عنها مباشرة. اعتقدوا على الأرجح أننا كنا لا نزال هناك». ولطالما كانت علاقات حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي ينتمي له أردوغان متوترة مع الجيش الذي له باع في الانقلابات العسكرية دفاعاً عن العلمانية رغم أنه لم يسيطر على السلطة بشكل مباشر سوى في 1980.
وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن الولايات المتحدة لم تتلقَ أي طلب لترحيل كولن.
وبدا أن عملية التطهير تتجاوز الجيش. فقد ذكرت محطة (إن.تي.في) التلفزيونية نقلاً عن قرار للمجلس الأعلى للقضاة والمدعين أن السلطات عزلت 2745 قاضيا من مناصبهم.
واستسلم نحو 50 جندياً شاركوا في الانقلاب على أحد الجسور عبر مضيق البوسفور في إسطنبول بعد فجر السبت وتركوا دباباتهم ورفعوا أيديهم في الهواء. ورأى شهود من رويترز أنصار الحكومة وهم يهاجمون جنوداً مؤيدين للانقلاب بعد استسلامهم.
وفي وقت سابق سلم نحو 30 جندياً مؤيداً للانقلاب أسلحتهم بعد أن حاصرتهم الشرطة المسلحة في ميدان تقسيم بوسط إسطنبول. وقد تم اقتيادهم في سيارات الشرطة بينما مرت طائرة مقاتلة مراراً على ارتفاع منخفض مما تسبب في اهتزاز المباني المحيطة وتحطيم النوافذ. وقالت وزارة الأمن العام وحماية المواطنين في اليونان إن السلطات اعتقلت ثمانية رجال كانوا على متن طائرة هليكوبتر عسكرية تركية هبطت في مدينة أليكساندروبوليس شمال البلاد في منتصف النهار أمس السبت.
وأعادت السلطات البحرية التركية اليوم فتح مضيق البوسفور أمام ناقلات النفط بعد أن أغلقته في وقت سابق لعدة ساعات في أعقاب محاولة الانقلاب.
وبحلول الساعات الأولى من صباح السبت استمر المشرعون في الاختباء في الملاجئ داخل مبنى البرلمان في أنقرة بعد أن تعرض المبنى لإطلاق النار من دبابات. وقال شهود من رويترز إن دخاناً تصاعد من مكان قريب. وقال نائب معارض لرويترز إن البرلمان تعرض لإطلاق النار ثلاث مرات وأن أناسا أصيبوا.
وذكر مسؤول تركي كبير في وقت لاحق أمس أن الهجمات على البرلمان «توقفت إلى حد بعيد».
ومع انقضاء الليل تحول الزخم ضد مدبري الانقلاب. وتحدت الحشود أوامر البقاء في منازلهم وتجمعوا في الساحات الرئيسة في إسطنبول وأنقرة ولوحوا بالأعلام ورددوا الهتافات.
وفي حين أخذ أنصار الحكومة في اعتلاء دبابة قرب مطار أتاتورك في إسطنبول قال أحد الرجال «لدينا رئيس وزراء ولدينا رئيس أركان ولن نترك هذا البلد ينهار». وألقى أردوغان ومسؤولون أتراك في محاولة الانقلاب باللوم على أتباع رجل الدين البارز المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن الذي كان يؤيد إردوغان ذات يوم قبل أن يصبح من أحد خصومه ونفت حركة الرجل أي دور في ذلك وقالت إنها تدين أي تدخل عسكري في السياسة الداخلية.
وقال جون كيري إنه اتصل بنظيره التركي وأكد «الدعم الكامل لحكومة تركيا المدنية المنتخبة ديمقراطياً والمؤسسات الديمقراطية».
ودعا رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إلى عودة سريعة للنظام الدستوري في تركيا قائلاً إنه لا يمكن حل التوترات هناك بالأسلحة.
وكثيراً ما تتسم علاقات أردوغان بالاتحاد الأوروبي بالتوتر في ظل قلق التكتل من بعض تحركات إردوغان مثل الحملات على الإعلام التركي. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرو إن باريس «تأمل أن تخرج الديمقراطية الفرنسية معززة بهذا الاختبار وأن يتم احترام الحريات الأساسية».
وقال أردوغان إن الخطوط الجوية التركية استأنفت رحلاتها أمس. واستأنفت قناة (تي.أر.تي) الرسمية التي سيطر عليها المنقلبون بثها في الساعات الأولى من صباح أمس. وتركيا أحد الداعمين الرئيسين لمعارضي الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية. وتستضيف تركيا 2.7 مليون لاجئ سوري وكانت في العام الماضي منصة انطلاق لأكبر تدفق للمهاجرين على أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.