شارك الأمين العام للمؤسسة الخيرية الملكية د.مصطفى السيد بالمؤتمر العالمي حول الوجود المسيحي ودوره في الشرق الأوسط والذي نظمه الملتقى الثقافي العربي في العاصمة الروسية موسكو بمشاركة الشيخ مالك الشعار مفتي طرابلس بلبنان والمطران سباستيا للروم الأرثوذكسي في القدس عطا الله حنان وأحمد الساعاتي سفير البحرين في روسيا وسفير فلسطين في البحرين طه عبدالقادر ومجموعة من السفراء والإعلاميين والفنانين ورجال وسيدات الأعمال العرب وممثل حكومة جمهورية روسيا الاتحادية وممثل مفتى مسلمي روسيا، وبتوجيه من سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك للأعمال الخيرية وشؤون الشباب رئيس مجلس أمناء المؤسسة الخيرية الملكية.
وثمن المشاركون في المؤتمر بالرؤية الوطنية الشاملة لجلالة الملك المفدى نحو الحرية الدينية، كما أشادوا بالتسامح الديني في مملكة البحرين. وأعربوا عن تقديرهم للمبادئ الإنسانية لجلالة الملك والذي يشجع على دعم وإغاثة الشعوب المتضررة ودون تمييز.
وخلال كلمته التي ألقاها في المؤتمر نقل د.مصطفى السيد تحيات القيادة وسمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة وتمنياته بالنجاح والتوفيق للمشاركين في المؤتمر.
وبين د.مصطفى السيد دور الأديان في تعزيز الكرامة الإنسانية ونشر الخير والسلام في العالم، موضحا بأنه لا يختلف اثنان على أن الرسالة السامية لكل الأديان السماوية هي جعل العالم أكثر سلاماً وأمناً وراحة للبشر، وتتفق جميع الأديان على أهمية الصدق وعمل الخير ورفض الشر والحض على الإحسان والتسامح وحب الآخر والقبول بما يقدر الله، ولا تكاد تجد ديناً تخالف مبادئه هذه القيم ولا ديناً يحض على عدم التسامح مع الآخر وبالتالي فإن الدرس المستفاد هو أن جوهر الدين هو احترام الإنسان، وتقديره، ويمكن القول إن الدين يعلي الكرامة الإنسانية فوق الكثير من القيم، ولكن على الرغم من أن جوهر الأديان يكاد يكون واحداً خصوصاً في الديانات السماوية الثلاث، إلا أننا نجد ميلاً لدى الكثيرين إلى إحداث نوع من الخلاف بين هذه الأديان وكثيراً ما يلجأ البعض إلى تكريس الخلافات الشكلية الناتجة عن التباينات الثقافية، كنوع من الاختلافات الجذرية بين الأديان لمصالح خاصة لذلك وجهت دعوات التسامح الديني بكثير من المعارضة من قبل تيارات مختلفة في عدد من الأديان وكذلك لا تخلو الأديان من بعض الإشارات التي تعد متبعيها بالفوز دون غيرهم وهو ما يثير السؤال حول مدى تسامح هذه الأديان مع غيرها.
وأكد أن الايمان بمفهوم التعايش يخلق واقعاً عملياً جديداً، فليس على الإنسان أن يقتنع بما يعبده الغير ولا بطقوسه الدينية ولكن يجب أن نتعلم أن نحترم الآخر ونتعايش معاً برغم اختلافات أدياننا لأن هدف الأديان واحد مهما اختلف في الشكل ولأن العالم قرية صغيرة به الكثير، مما يجمعنا ويمكن التشارك حوله والاستمرار في جعل مجتمعاتنا أكثر جمالاً دون أن تفرقنا الخلافات الدينية والعرقية والمذهبية.
كما قدم السيد شرحاً عن التسامح الديني الإيجابي الذي تتمتع به البحرين بقيادة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى الرئيس الفخري للمؤسسة الخيرية الملكية، فالبحرين بلد مسلم الديانة حباه الله قيادة حكيمة وقفت مع التعايش الديني بإيجاب، وسنت قوانينها بأن للفرد الحرية في أن يمارس شعائره الدينية على ألا يتعدى على حرية الآخرين.
وشدد على أن الشرق هو مهد الوجود المسيحي، ولم يأت الإسلام لإلغاء دور الآخر، إنما العملية تكاملية، والشرق والقدس الشريف مهبط الديانات السماوية الثلاث وملتقاها، ومنه انطلقت هذه الديانات إلى العالم من الشرق تنطلق كل عام احتفالات العالم بمولد السيد المسيح من كنيسة المهد ببيت لحم لذا فعلاقة الشرق بالمسيحية هي علاقة ميلاد وبعث إلى كل العالم، كما وضح أن الحروب الصليبية، هي تسمية سياسية وليست دينية وقد ألصقت بالمسيحية زوراً، حتى تكتسب شرعيتها وكذلك يفعل داعش في العالم بتوظيف كل شيء لتحقيق خططهم وأفكارهم الشريرة، وباسم الإسلام والإسلام منهم براء.
وأوضح أن البحرين نقطة تواصل وملتقى تجاري منفتح على العالم حيث حبى الله البحرين بموقع فريد رغم صغر مساحتها، جعلها قبلة لمن يجوب البحار من الشرق والغرب وقبل ما يفوق الخمسة آلاف عام كانت البحرين هي مقر حضارة دلمون التي شكلت طريق التجارة الحيوي بين الحضارة السومرية وحضارة وادي الهندوس أو بلاد السند وقد عرفت باسم تايلوس في القرن الأول الميلادي حيث كانت مركز تجارة اللؤلؤ في العالم. وهذه الخاصية منحت الكثير من الأهمية للبحرين عوضت بها عن صغر حجمها من خلال تأثيرها الكبير في التجارة. وقد تشكلت الشخصية البحرينية في ظل هذا المناخ الذي يأخذ من العالم ويمنحه قوة التنوع وتأثيره وتميزه.
وأشار إلى أن القادمون إلى البحرين حملوا الكثير من القيم الثقافية بجانب ديانتهم المسيحية وكانت لهم إسهامات مقدرة في دفع عجلة الحياة في الجزيرة الصغيرة وقد شملت أنشطة الوافدين، المجالات الطبية والتعليمية والاقتصادية كما اندمجوا اجتماعياً وصاروا جزءاً من النسيج الاجتماعي للمملكة واكتسب العديد منهم الجنسية البحرينية بل وتبوّءوا أعلى المناصب السياسية في جهاز الدولة وهيئاتها الدستورية وأبرز هذه الأسماء السيدة أليس سمعان سفيرتنا السابقة وعضو مجلس الشورى .
وأفاد أن البحرين سجل مشرف في رعاية واحتضان الأقليات.
وتطرق إلى تجربة البحرين المتميزة في التعايش مع المسيحيين حيث تبلغ نسبة المسيحيين في البحرين من عدد السكان الإجمالي 10%، وفي البحرين تقع أقدم كنيسة في منطقة الخليج بنيت قبل 100 سنة تقريباً، أسسها المرسلون الإنجيليون الأمريكيون، والمعروفة اليوم بالكنيسة الإنجيلية الوطنية البروتستانتية ويعود تاريخها إلى عام 1906.
وقال إن الكنائس موزعة على البروتستانت والكاثوليك والأرثوذكس وهؤلاء يمارسون شعائرهم الدينية بحرية كاملة، ووفقاً للتقديرات الإحصائية يبلغ عدد المسيحيين نحو 250 ألف مسيحي من أصل 500 ألف وافد مقابل 700 ألف مواطن بحريني وبإجمالي عدد السكان 1.2 مليون نسمة، ومن أهم الكنائس في البحرين: كنيسة القلب المقدس
لكنيسة الكاثوليكية في عوالي «زيارة الســيدة العـذراء»، وكنيســـة بيثانـــي المعمدانيــــــة، ورعيـــــة الراعــــــــي. The Shepherd Flock ، وكنيسة سبتي اليوم السابع Seventh-day Adventist Church ، والكنيسة الإنجيليكانية الوطنية، وشهود يوهوا، وكنيسة اليونانيين الأرثوذوكس، وكنيسة البعثة الأمريكية وأول مستشفى إرسالي أمريكي أنشئ في مملكة البحرين قبل أكثر من 100 عام، بالإضافة إلى وجود جمعية عريقة نشطة تعنى بتقارب الأديان وتسعى إلى ترسيخ التعايش والتسامح في المجتمع البحريني ألا وهي «جمعية البحرين للتسامح وتعايش الأديان» وأوضح أن غالبية المواطنين البحرينيين المسيحيين هم من المسيحيين الأرثوذكس، وتعتبر الكنيسة الأرثوذكسية أكبر الطوائف المسيحية بين المسيحيين البحرينيين ويتمتع المسيحيين بالعديد من الحريات الدينية والاجتماعية، وحتى في العضوية في الحكومة البحرينية. وتوجد في البحرين حالياً 80 عائلة بحرينية مسيحية أكبرها حوالي ست أسر مسيحية بحرينية وهي حيدر ونصيف وسمعان وأوجي ووديع وأنطون.
وبين أن أصول غالبية العوائل المسيحية البحرينية ترجع إلى العراق ولبنان وبيوتهم كانت متلاصقة مع بيوت المسلمين البحرينيين، ويملك المسيحيون البحرينيون مقبرة خاصة بهم قرب الكنيسة الإنجيلية الوطنية في المنامة، ووصولهم مجلس الشورى أحد مجلسي البرلمان، أليس سمعان عراقية الأصل، وهالة رمزي فائز مصرية الأصل، وهناك أمثلة كثيرة على الترابط الاجتماعي بين المسلمين والمسيحيين في مجالات مختلفة كالتجارة والعلاقات الاجتماعية والمشاركة في الأعياد والمناسبات الدينية، ولجلالة الملك رؤية متميزة للعمل الإنساني والتسامح مع الآخر، حيث يقول بأن رقي الشعوب لا تعتمد فقد على ما تعملها لصالحها وإنما كما تقوم به من أعمال إنسانية للدول المنكوبة والمتضررة، وقد كان للسياسات الحكيمة للبحرين عبر تاريخ طويل وحافل دور كبير في أحداث السلاسة والسهولة في اندماج المسيحيين في المجتمع وتحولهم لأفراد فاعلين فيه، وهذه السياسة انعكست لاحقاً في التوجهات الإنسانية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، الرئيس الفخري للمؤسسة الخيرية الملكية وبدعم من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء ومؤازرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء من خلال التركيز على الجوانب الإنسانية في مساعدة الغير بعض النظر عن أديانهم وألوانهم وأعراقهم وميولهم، وتجلى ذلك في توجيه المسؤولين عبر المؤسسة الخيرية الملكية وقائدها الشاب سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، إلى السمو فوق كل الاختلافات الدينية والمذهبية والعرقية في تقديم المساعدات والمشاريع الإغاثية للأشقاء في الإنسانية. وبذلك لم يكن غريباً أن تصل مساعدات مملكة البحرين إلى عدد من الدول غير الإسلامية من بينها الفلبين حينما ووجهت بكارثة الفيضانات و النيبال لمواجهة كارثة الزلازل. كما خصص جلالة الملك المفدى دعماً خاصاً لمساعدة الأسر المسيحية العراقية التي تعرضت للتشريد والخطر خلال الأزمة التي يمر بها العراق، كل هذه الأشياء هي ما يؤكد بجلاء ترحيب البحرين للعديد من الديانات والثقافات والتيارات الفكرية ومدى تفاعلها الإيجابي مع كل ذلك.
وأنهى السيد كلمته بالتأكيد بأن حياتنا إنما هي من صنع ودعا الجميع لصنع السلام والأمن والأمان في هذا العالم الذي نعيش فيه ولنتحلى بالحكمة والمبادئ السماوية الحسنة ليتحقق لنا الخير ولترفرف أعلام المحبة والسلام في زمن مر مؤلم مليء بالصراعات غير المنطقية راجين من رب السماوات رب العالم أجمعين أن يهبنا الحكمة والرشاد لنزرع المحبة بدلاً من الكراهية والبناء بدلاً من الهدم والسلام بدلا من الحروب.
وأشاد الجميع بالحضور المميز لمفتي طرابلس وسيادة مطران القدس والسفراء برقي البحرين في خلق بيئة تسودها الود والاحترام في المجتمع البحريني، معربين عن إعجابهم بإنسانية جلالة الملك.
من جانبه، قال أحمد الساعاتي سفير البحرين لدى روسيا إن البحرين وبقيادة جلالة الملك المفدى وبدعم من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء ومؤازرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وقيادة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة للأعمال الخيرية والإنسانية تعتبر نموذجاً يحتذى في التسامح والتعايش الديني حيث يحظى أصحاب جميع الديانات بحرية ممارسة عباداتهم الدينية ودعمهم في ذلك انطلاقاً من التسامح الديني الذي يحثنا عليه ديننا الإسلامي الحنيف.