كتب - حذيفة إبراهيم:
أدركت البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي أهمية بناء علاقات قوية ومتينة مع الدول الآسيوية في شرق القارة، يفتح آفاقاً أوسع للاستثمار ويكسر نظام القطب الواحد مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بشكل عام، ويدفع نحو مجالات جديدة لتنويع العلاقات الخليجية عموماً والبحرينية خصوصاً مع دول العالم. وكان للبحرين السبق في الوصول إلى تلك الدول من خلال عقد علاقات متينة استمرت لعقود طويلة، سواء دبلوماسية أو تجارية أو ثقافية أو غيرها من مجالات التعاون فيما بين البلدان. وكثفت القيادة البحرينية الزيارات الدبلوماسية إلى الدول الآسيوية سواء الصين أو مجموعة الآسيان أو اليابان، لإيمانها بضرورة تنويع العلاقات البحرينية العالمية والانفتاح على كافة الدول، فضلاً عن كونها الرئيسة الحالية لدورة مجلس التعاون الخليجي. وتؤكد مؤشرات الدول الآسيوية أنها ستقود النظام العالمي في الفترة القادمة على الأقل سواء من ناحية النمو والتقدم الاقتصاديين، فضلاً عن كون البنك الدولي أشار إلى أن تلك الدول تمثل محفزاً للنمو الاقتصادي العالمي بنسبة (40% في العام 2012)، وذلك إثر انتقال النشاط الصناعي إليها. ولتحقيق الرؤية الاقتصادية 2030 فإنه بات من الضروري إقامة علاقات مع تلك الدول، حيث تهدف الرؤية إلى تنويع مصادر الدخل والتحول إلى صناعات القيمة المضافة وجذب مزيد من التدفقات الاستثمارية، وهو ما يتطلب تطوير العلاقات مع كافة أقطاب العالم.
وتسعى البحرين للاستفادة من الخبرات الصينية في مجالات الصناعات الخدمية والتحويلية سواء الغذائية أو غيرها.
زيادة التعاون الخليجي الآسيوي
ويعول خبراء اقتصاديون وسياسيون على زيادة التعاون الخليجي – الآسيوي في شتى المجالات، حيث سيفتح آفاقاً جديدة ويكسر القطب الأوحد الغربي، مشيرين إلى أن الدول الآسيوية تتعامل مع الخليج كند وليس بتعامل فوقي كما هو الحال مع الغرب.
يعود التاريخ المشترك البحريني – الصيني إلى عقود مضت، حيث بدأت العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء بين البلدين قبل نحو 20 عاماً، والتي شهدت من حينها تصاعد في الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، كانت أبرزها زيارة صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء 2002 و2008 وزيارة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة رئيسة المجلس الأعلى للمرأة عام 2003 وغيرها.
ووقعت البحرين ما يزيد عن الـ22 اتفاقية تعاون ومذكرات تفاهم، كما وأنشأت لجنة للتعاون المشترك وجمعية للصداقة بينهما وغيره. وسعت البحرين ليصل التعاون بين الخليج والصين إلى أوجه، انطلاقاً من التعاون التاريخي القديم، والذي يقوم على التكامل بين البلدين، وليس المنافسة.
أما على المستوى التجاري، فإن حجم التجارة بين البلدين بلغ عام 2010 نحو 1.3 مليار دولار، بينما الواردات الصينية للمملكة فاقت الـ11.6%، والسابع في ترتيب الصادرات البحرينية، بينما توجد ما يزيد عن الـ11 شركة بها مساهمون صينيون ونحو 19 وكالة تجارية صينية و3 فروع لشركات صينية تعمل بالمملكة، وهناك شركتان متخصصتان في تقنية المعلومات اتخذت من البحرين مقراً لها وغير ذلك. وفيما يتعلق بخطط دعم مشروعات وبرامج التعاون المشترك في الأمد المنظور، وهي مشروعات تستهدف تمتين أطر التعاون الثنائي لتشمل مجالات إضافية أخرى بجانب السياسية والاقتصادية كالصحة والازدواج الضريبي والثقافة والمنح والتبادل الطلابي وغيرها. وحققت الصين معدلات نمو في الاقتصاديات الصناعية الكبرى الغربية، بمعدل يزيد عن أي منطقة أخرى في العالم، حيث وصل إلى ما يزيد عن الـ7.6% خلال الربع الثاني من العام الجاري. كما وتشير تشير الأرقام إلى أن الصين تعد أكبر مصدر للسلع المصنعة في العالم بنسبة 43% متفوقة على الولايات المتحدة التي تحظى بنسبة20% فقط، واقتصادها يعتبر الثالث على العالم.
العلاقات الخليجية الصينية
وبدأت العلاقات الخليجية الصينية منذ العقد الماضي، حيث وفي عام 2002 تم استئناف المحادثات بين الجانبين لتأسيس علاقات شراكة وتعاون بينهما، وقد توجت هذه المحادثات بتوقيع اتفاقية عام 2004، وبدأت انطلاقة التعاون المشترك الذي نجم عنه ارتفاع قيمة التبادل التجاري بين الطرفين بشكل كبير جداً، ليصل حالياً إلى نحو 130 مليار دولار، وكانت هذه القيمة 9 مليارات دولار فقط عام 2002. وفي عام 2006 وقع الطرفان اتفاقية للتجارة الحرة، ولكن هذه الاتفاقية اقتصرت على تحرير عدد من السلع المتبادلة بين الطرفين، بينما تم في العام 2010 توقيع اتفاقية للحوار الاستراتيجي بين الطرفين، لتوسيع آفاق التعاون في القطاعات الاقتصادية كافة، وكذلك في المجال السياسي.
وتأتي زيارة حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى للصين لتصب في هذا الاتجاه، الذي بدا فيه العالم وكأنه يدرك أن كفة الميزان بدأت تميل لصالح الشرق وعلى حساب القوى التقليدية المعروفة، وذلك على خلفية التحولات الكبرى التي تشهدها بنية النظام الدولي ودخول أقطاب جدد في الصراع على زعامته وقمة هيكله، خاصة من الناحية الاقتصادية.
وفي جانب العلاقات البحرينية اليابانية، فإن تاريخها بين البلدين يعود إلى العام 1934 والذي شهد إرسال أول شحنة نفط بحرينية إلى اليابان عقب اكتشاف النفط في البحرين سنة 1932م، كما إنها تعبر من ناحية ثانية عن نهج المملكة الثابت في بناء علاقات صداقة متينة مع القوى الاقتصادية الكبرى بما يعود بالنفع على الوطن. وتسعى البحرين للترويج إلى أنها مركز مالي واستثماري وتجاري رئيسي في المنطقة تتوافر فيه العديد من المقومات الاستثمارية التي تمثل نقطة جذب للاستثمارات والشركات اليابانية، منها وجود نظام مصرفي حر ومتطور ووجود نظام متكامل وحديث للنقل والاتصالات ومناطق صناعية متطورة فضلاً عن كونها بوابة لمنطقة الخليج التي تعد سوقاً إقليمية ضخمة. وتحتل العلاقات البحرينية اليابانية أهمية متزايدة في الرؤية البحرينية، نظراً للتعاون الدائم بينهما، والرغبة المشتركة في إحلال السلام الشامل والعادل والدائم في منطقة الشرق الأوسط. وقد شهدت العلاقات بين البلدين تطوراً وتقدماً على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية بفضل رغبة القيادة في البلدين في دفعها قدماً للأمام ودعم التعاون الثنائي وجعله دائماً في حالة متطورة ومزدهرة بما يصب في مصلحة الشعبين الصديقين. وتشكل تلك العلاقات نموذجاً متكامل العناصر لبناء علاقات قوية قائمة على الاحترام والود والمصلحة المتبادلة، فهي على الصعيد السياسي تكتسب عمقاً تاريخياً، فضلاً عن التعاون على أعلى المستويات والتنسيق المستمر في مختلف المواقف والقضايا الدولية.
أما على الصعيد الاقتصادي فكلا البلدين يتمتعان بمقومات اقتصادية وميزات تنافسية يمكن أن يحقق استثمارها بشكل جيد المصالح المشتركة لشعبيهما الصديقين، إذ تعد اليابان دولة اقتصادية وصناعية متقدمة، كما إنها ثاني أكبر اقتصاديات العالم، فيما تشتهر مملكة البحرين بأنها مركز مالي ذو سمعة إقليمية وعالمية مرموقة وبيئة استثمارية مواتية في واحدة من أكثر المناطق الاقتصادية حيوية وتطوراً ونمواً هي منطقة الخليج العربي، ما يجعل من تعزيز التعاون بينهما خياراً استراتيجياً.
وتشير الإحصاءات إلى وصول حجم التبادلات التجارية بين البحرين واليابان إلى حوالي 3.7 مليار دولار في 2011، عدا التجارة غير النفطية التي بلغت 610 ملايين دولار، وقد أسفرت المباحثات التي أجراها جلالة الملك المفدى أثناء زيارته الرسمية لليابان العام الماضي عن تعزيز التعاون في مجال التعليم وبحث إنشاء جامعة يابانية في البحرين، إضافةً إلى بحث مشروع تحديث مصفاة البحرين للنفط ومضاعفة طاقتها الاستيعابية بكلفة 1.5 مليار دولار، فضلاً عن توقيع مذكرتي تفاهم بشأن المشاورات السياسية و التبادلات الدفاعية.
وترتبط مملكة البحرين مع اليابان بالعديد من اتفاقيات التعاون في مختلف المجالات السياسية والدفاعية والاقتصادية والثقافية.
وبلغ عدد الوكالات التجارية اليابانية المسجلة بمملكة البحرين لعام 2010م، 129 وكالـة في مجال الكهرباء والعطور والصيدلة والسيارات والصناعة والآلات الكهربائية والإلكترونيات، إضافة إلى 18 فرعاً في مجال البنوك والهندسة والسيارات والملبوسات وفق إحصاءات عام 2011م. ويشار إلى أن التبادل التجاري بين اليابان ودول مجلس التعاون بلغ 150 مليار دولار في عام 2012.
أما العلاقات البحرينية التايلندية، فالبحرين تعتبر أولى الدول الخليجية التي أنشأت تلك العلاقات المتينة مع مملكة تايلاند، فيما تشكل الزيارات المتبادلة بين المسؤولين البحرينيين والتايلنديين أكبر دليل على عمق العلاقات بينهما. وتتبادل البحرين وتايلاند بصورة مستمرة الرأي في مجمل القضايا والموضوعات التي تهم البلدين في ظل التطورات السياسية والمتغيرات الاقتصادية التي يمر بها العالم، وذلك بهدف الحفاظ على الإنجازات التنموية والمكتسبات الحضارية.
وتشكل زيارات صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء إلى تايلاند هي أحد أهم الركائز في العلاقات الخليجية التايلندية.
اتفاقات التعاون الاقتصادي
ووقعت عدد من الدول الخليجية اتفاقات لتحقيق التعاون الاقتصادي المتين بينهما، سواء لإزالة الحواجز التجارية والجمركية، أو في مجالات التجارة والمصارف والصناعة والتعليم والسياحة والنقل الجوي. ويشكل السياح الخليجيون في تايلاند أكثر من 50% من السياح من دول الشرق الأوسط إلى ذلك البلد. وبدأت البحرين علاقاتها الدبلوماسية مع مملكة تايلاند منذ العام 1977 على مستوى السفراء غير المقيمين، فيما افتتحت تايلاند سفارتها في المملكة عام 2004، وافتتحت المنامة سفارتها في بانكوك عام 2007. وتصدر تايلاند الأرز والسيارات وقطع غيارها والأطعمة المجمدة والحلي إلى البحرين بينما تستورد منها النفط والصلب، بينما يقدر حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو نصف مليار دولار في العام 2012.
وتشير تصريحات القيادة البحرينية إلى أن تايلاند هي شريك استراتيجي للبحرين والتعاون بينهما يسير في اتجاه الشراكة والتكامل، وذلك لتكون المملكة قاعدة ومركز انطلاق عمليات الشركات التايلندية التجارية مع دول المنطقة.
الخليج و«آسيان»
وتأتي العلاقة المتميزة لدول الخليج مع «الآسيان» انطلاقاً من الروابط التاريخية والالتزام بأهداف ومبادئ النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية للعام 1981، وميثاق الآسيان للعام 2007، التي تتيح للمنظومتين سبل تطوير علاقات وثيقة ومثمرة بينهما. وفي اجتماع جرى في البحرين، أكد الطرفان على حق جميع الدول في السيادة والاستقلال والسلامة الإقليمية ومبدأ التعايش السلمي وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والتطلع لبناء شراكة جديدة في المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية والاجتماعية، وتعزيز التواصل بين شعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجنوب شرق آسيا.
وتسعى دول الخليج لتخطيط وتنفيذ مشاريع مشتركة في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والمالية والأمن الغذائي والطاقة والنقل والاتصالات والصناعة والزراعة والبيئة، وتنمية دور ومشاركة القطاع الخاص في تعاوننا المشترك والتعاون في المجال القنصلي. ووصلت قيمة التجارة بين مجلس التعاون الخليجي ودول الآسيان إلى أكثر من 99 مليار دولار عام 2010 بزيادة 23% في المائة مقارنة مع 67 مليار دولار عام 2009. وتضم دول الآسيان وهي رابطة دول جنوب شرق آسيا وتتشكل من «الفلبين، تايلاند، إندونيسيا، ماليزيا، ميانمار، سنغافورة، فيتنام، لاوس، سلطنة بروناي، كمبوديا»، بينما تعتبر الآسيان هي القوة الرابعة الاقتصادية في العالم بعد أمريكا واليابان والاتحاد الأوروبي.
وتعتبر دول آسيان من أكبر المصدرين لخمس سلع زراعية في العالم تتصدرها زراعة الرز والتي تمثل 6% من تجارة العالم من الأرز و80% من تجارة المطاط العالمية إلى جانب تجارة الحبوب والفواكه والخضراوات والمواد المصنعة. ومما يعزز العلاقات الخليجية مع الآسيان هو تقارب مستويات النمو بين المجموعتين، حيث بلغ في العام 2012 (5% لدول الآسيان، و4% لدول مجلس التعاون الخليجي) في عام 2012.
تعتبر دول مجلس التعاون هي خامس أكبر شريك تجاري لسنغافورة، وهي توغر بنسبة 35% من واردات سنغافورة من النفط، وذلك عقب تنفيذ الاتفاقية وبدء تنفيذ المشاريع بين دول مجلس التعاون وسنغافورة في 2004.
وبلغت قيمة التبادل التجاري فيما بين سنغافورة ودول مجلس التعاون 53.3% مليار دولار، بينما يقدر واردات دول التعاون من البضائع السنغافورية بأكثر من 4 مليارات دولار. وإلى جانب ذلك تعزز الاتفاقية بين الجانبين علاقات سنغافورة التجارية والاقتصادية المتنامية مع دول مجلس التعاون الست، وتستفيد منها قطاعات مثل الاتصالات والمعــــدات الكــــــهربائية والإلكـــــترونية والبتروكيماويات والمجوهرات وصناعة الماكينات والحديد والفولاذ.
أما التبادل التجاري بين البحرين وسنغافورة فازداد الضعف منذ العام 2004، حيث بلغ نحو 250 مليون دولار، بينما كانت صادرات المملكة لسنغافورة نحو 86 مليون دولار في العام 2007. وتعتبر سنغافورة من أكثر الدول شبهاً باقتصاد البحرين، نظراً لوجود تشابه كبير في الاقتصاد بينهما بحسب الخبراء، وذلك بالمقارنة لحجم الاقتصاد المحلي والموارد المتاحة والتوجهات الاقتصادية المتبعة.
تعول دول مجلس التعاون الخليجي على استمرار تعزيز العلاقات التجارية مع ماليزيا، حيث تمثل الأخيرة محور اهتمام لدول المجلس، نظراً للنمو المتسارع لتلك الدولة الآسيوية. وبلغ حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي وماليزيا 11 مليار دولار أمريكي، وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن هيئة تنمية التجارة الخارجية الماليزية، بينما بلغ التبادل مع البحرين 192 مليون دولار أمريكي. وتمثل صادرات البحرين إلى ماليزيا ما مجموعه 120 مليون دولار أمريكي في العام 2010، بينما تصدر الأخيرة إلى المملكة الأدوات الكهربائية والمنتجات الإلكترونية والمصنوعات المعدنية والأخشاب والأغذية المصنعة، بينما تستورد ماليزيا الخامات والصناعات المعدنية. ازدادت وتيرة العلاقات الخليجية الكورية في الآونة الأخيرة، وذلك مع ارتفاع استيراد كوريا الجنوبية للطاقة على مستوى العالم نظراً للتغيرات السريعة التي يشهدها سوق الطاقة.
وتأتي كوريا الجنوبية في المرتبة السادسة من قائمة مستوردي النفط الخام على مستوى العالم، بينما أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي هي المصدر الأساسي لاستيراد الطاقة في كوريا منذ أكثر من عام.
وبلغ حجم السلع التي صدّرتها دول الخليج إلى كوريا الجنوبية خلال عام واحد أكثر من 98 مليار دولار أمريكي، بنسبة 20% من إجمالي ما تستورده كوريا، بينما تعتبر السعودية هي أكبر مصدرة للطاقة لها.