عندما نترك المجال للتاريخ بأن يتحدث، سيخبرنا بأن مملكة البحرين حققت الريادة في رفع شعلة تمكين المرأة في المنطقة.
في العام 1928 أنشئت أول مدرسة للبنات في البحرين، ومنذ ذلك التاريخ والبحرين تسابق الخطوات في تحقيق الريادة للمرأة البحرينية توجت بإنشاء المجلس الأعلى للمرأة في الثاني والعشرين من أغسطس 2001، حيث نص المرسوم على تبعيته المباشرة لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وبرئاسة لافتة من صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، والتي انتقل المجلس خلال 15 عاماً تحت قيادتها، من طور الفكرة والتأسيس إلى ميدان المنافسة والإشادة الإقليمية والدولية التي نالها ومازال.
سنوات من الجهود الوطنية المخلصة والدؤوبة بذلتها ومازالت تبذلها صاحبة السمو قرينة عاهل البلاد المفدى، أثمرت حصاداً لافتاً أنتج تبوء المرأة البحرينية المناصب القيادية والتنفيذية وصنع القرار على المستويين المحلي والدولي، أثبت أن للمرأة في نهضة الوطن دوراً جوهرياً ملموساً ومؤثراً.
تلك الجهود المضنية انتقلت إلى الأثر النوعي بإطلاق جائزة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة لتمكين المرأة والتي أنشئت بأمر ملكي في العام 2004، حيث تمنح كل سنتين لأفضل الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة المتميزة في مجالات دعم وتمكين المرأة البحرينية العاملة.
وما زاد تلك الجائزة تميزاً هو ما تم مؤخراً بمناسبة مرور 10 أعوام على تدشين الجائزة، بإطلاقها عالمياً بالشراكة مع الأمم المتحدة بناء على مذكرة التفاهم بين المجلس الأعلى للمرأة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة UN Women والتي بموجبها انتقلت الجائزة للتأثير على الصعيدين الإقليمي والدولي.
هذا الإنجاز النوعي له أهميته القصوى كونه رفع من مستوى الممارسات وولد آليات وممارسات مبتكرة من شأنها ترسيخ هذه الثقافة في بيئة العمل المختلفة، وبما ينهض بالدور المنوط بالمرأة البحرينية كونها عنصراً مؤثراً ومبتكراً وقائداً في بيئة العمل، على كافة مستويات العمل التي تناط بها. وإذا جئنا للحقيقة كاملة، فإن هذه الجائزة قد بذرت التنافسية والابتكار ليس في بيئة العمل البحرينية فحسب، ولكنها فتحت المجال للمحيط الخليجي والعربي للسير على خطوات شبيهة، تدفع نحو مزيد من الإنجاز والتفوق.
جودة مبادرات تمكين المرأة، تعني تطوير استراتيجيات الممارسات على صعيد بيئة العمل، كما تعني نجاح المؤسسات المشاركة في تطوير معايير تلك الممارسات على الأرض، بما يضمن حفظ حقوق المرأة البحرينية العاملة وتقديم التسهيلات المناسبة لها لتبدع وتبتكر وتتميز.
وأود أن أشير هنا إلى أن هذه الجائزة المتميزة، والمفتوحة أمام مؤسسات القطاعين العام والخاص، حققت خلال أكثر من عقد من الزمان تغييراً حقيقياً وهيكلياً في العديد من مؤسسات الدولة، وأعتقد أن على مؤسسات التعليم أن تشارك بفاعلية في هذا النوع من الجوائز التي بإمكانها أن ترتقي بمؤسسات التعليم في المملكة، لتستفيد من الخبرات والممارسات الهائلة للمرأة البحرينية في هذا المجال، فضلاً عن تقديم أفكار ومشروعات وتطبيقات ترفع من شأن المرأة البحرينية بما تسعى هذه الجائزة لترسيخه والعمل عليه، وجميعنا يعلم مدى الدعم والتشجيع الذي تتلقاه المؤسسات التعليمية من لدن سموها، والتي تدفع دائماً بتهيئة الكوادر والكفاءات البحرينية النسوية لتأخذ دورها في هذا الميدان، كونها باتت عنصراً كفؤاً لقيادة مسيرة التحديث والتطوير التي يعيشها الوطن تحت ظل قيادة ملك البلاد حفظه الله ورعاه.
والشيء بالشيء يذكر، فنجاح استراتيجيات المجلس الأعلى للمرأة في تمكين النساء البحرينيات، لم يأتِ من فراغ، وإنما هو نتاج مشروع إصلاحي واعٍ، تبناه عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه، والذي سجل منذ تأسيسه دفعاً للمرأة البحرينية لتكون شريكاً في مشوار لم ينتهِ بعد.
كانت المرأة البحرينية حاضرة في اللجنة الوطنية العليا لإعداد الاستفتاء الشعبي على مشروع ميثاق العمل الوطني، وجاء الرد بمشاركة وإقبال منقطع النظير في التصويت على الميثاق، بلغ 49% وهي نسبة إقبال المرأة البحرينية على التصويت.
ليس ذلك فحسب، فنهج التحديث والانفتاح السياسي الذي قاده عاهل البلاد المفدى، منح المرأة حقوقاً سياسية مساوية للرجل في الرواتب والأجور بناء على تشريعات نظمتها الدولة وتخضع لمراجعة ومراقبة دورية تحفظ حقوق الجميع بلا استثناء.
وهنا يجب أن نشيد بمتابعات المجلس الأعلى للمرأة، وسعي القائمين عليه الدائم لتعديل المزايا الوظيفية الخاصة بالمرأة في حالة وجود أي ثغرات، فضلاً عن حرصه على تشكيل لجان تكافؤ الفرص في القطاعين العام والخاص، حفظاً لحقوق المرأة البحرينية بحيث لا تقل مكانة عن الرجل.
إن نهج المملكة في التحديث والانفتاح كان له أبلغ الأثر في انطلاق نماذج تمكين المرأة سياسياً واقتصادياً في جميع المجالات، تعزز بتعيين 6 نساء في مجلس الشورى في العام 2002، ثم 11 امرأة في 2006 و2010، وصل أخيراً إلى 9 نساء في التعيين الأخير في العام 2014. وكذلك بالنسبة للمجلس النيابي المنتخب الذي شهد تواجد النساء بامرأة واحدة في 2002، حتى وصل إلى 4 نائبات في انتخابات 2011 التكميلية، وصولاً إلى 3 نساء منتخبات في انتخابات 2014، إضافة إلى 3 نساء منتخبات للمجالس البلدية في نفس العام.
لم تكن تلك الثقة سواء كانت في التعيين من القيادة السياسية في البلاد، أو بالانتخاب المباشر من الجماهير، سوى بداية لمشروع اختطته القيادة السياسية في البلاد، حيث تفوقت البحرينية كوزيرة وسفيرة وقاضية ورئيسة للجامعة، بل حققت المرأة البحرينية السبق العربي كأول وزيرة صحة في العام 2004، ثم أول امرأة عربية تتولى منصب رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
هي خطوات حقيقية، بذرتها ورعتها قيادتنا السياسية، وكانت صاحبة السمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم خير سند لها، أثبتت أن نهج تمكين المرأة البحرينية واستراتيجياته التي سعى المجلس الأعلى للمرأة لتثبيتها قد آتت ثمارها اليانعة، وها هي البحرين اليوم تنعم بظلها الوارف.
د. جواهر شاهين المضحكي
الرئيس التنفيذي للهيئة الوطنية للمؤهلات وضمان جودة التعليم والتدريب