هناك قوة نفسية يستدعيها الإنسان في أوقات الصعاب والأزمات والتي يطلق عليها البعض الطاقة، تلك الطاقة يكذبها بعض الناس إلا أنني من أحد المقتنعين بوجودها. حيث أدرك العلماء مؤخراً أن الكون الذي نعيش فيه هو عبارة عن مادة وطاقة. فالمادة هي الأشياء الملموسة مثل المعادن، والهواء، والماء.. ولنقل أنت وأنا. أما الطاقة فهي الأشياء غير الملموسة ولها أشكال كثيرة مثل الضوء، والحرارة، والصوت، والأشعة وغير ذلك. فالضوء الذي نرى بواسطته الأشياء من حولنا هو موجات كهرومغناطيسية لها طاقة محددة، وكلما زاد تركيز الضوء زادت هذه الطاقة. والصوت الذي نسمعه كذلك ونتواصل بواسطته هو عبارة عن موجات ميكانيكية تنتقل في الهواء، وهذه الموجات تحمل طاقة محددة أيضاً. فإذا اعتبرنا أننا مادة تملك طاقة (قوة) فما هي صورة قوتنا؟ وكيف تنتقل طاقتنا؟ وما هي موجاتنا؟
من يستطيع إنكار وجود طاقة لدينا؟ فإذا كان كل شيء في الكون يتكون من ذرات وبما أن الذرة تهتز، فإن كل شيء من حولنا يهتز وينشر حوله مجالاً من الطاقة، أي الطاقة موجودة في كل خلية من خلايا أجسادنا وموجودة حولنا وكل حركة فينا تكون نتيجة لامتلاكنا طاقة، وأي حركة نقوم بها فإننا نبذل جزءاً من تلك الطاقة، حتى وقود السيارة يحترق ويعطي طاقة حرارية محركة، رغم أننا لا نرى تلك الطاقة ولكننا نرى نتائجها. لذلك لا نستطيع إنكار وجود طاقة داخلية فينا إذا كنا لا نراها. هل تستطيع أن ترى الحرارة المتولدة في المحرك؟ بالتأكيد لا لكنك تشاهد السيارة وهي تسير.
نحن لدينا دوافع ومحركات تدفعنا نحو النهوض نحو عدم الاستسلام، نحو العمل وبذل المزيد، فالقوة التي تكمن بداخلنا قوية جداً وعلمها يفوق ما نعلم. لنفرض أن هناك فتاة تتجول في الغابة وفجأة رأت دباً مفترساً يحدق بها، وبعد مقاومتها له من دون ما تشعر تلك الفتاة جمدت نفسها كوسيلة دفاعية أخيرة منها، بقيت ساكنة وتصنعت الموت.. هل تتصور أنت أنك تستطيع عندما ترى ذلك الدب أن تبقى في مكانك كالجماد؟ أنا عن نفسي في بداية الأمر لن أستوعب ذلك الأمر سأصرخ بأقوى ما عندي.. تلك الفتاة لم تعرف كيف فعلتها.. هذه هي الطاقة أو القوة الكامنة التي تعتبر بمثابة ضوء خافت في أعماقك يحتاج إلى انتباهك.. طاقة جبارة وهبها الله سبحانه وتعالى للإنسان وهي عبارة عن إشارات يرسلها المخ البشري إلى العضلة لتعطيه أوامر قوية وصارمة وفي بعض الأحيان مستحيلة كاستحالة أن أبقى ساكنة أمام دب مفترس! فتتهيج العضلات وتصدر إشعاعاً حرارياً عالياً، إنها حرارة الروح ورغبتها في البقاء على قيد الحياة -(بالمناسبة تلك القصة حقيقة حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية، وأنا أعطيك مثالاً بعيد المدى لكي تتوسع آفاقك نحو لذة الخيال والمغامرة، فإذا هاجمك دب في إحدى الرحلات لا تفزع ولا تجرِ، أبقَ هادئاً وحاول بقدر الإمكان ألا تنطر في عينية مباشرة مع أخذ وضعية الجنين لحماية رأسك، أما إذا استفحل الأمر لن تفيدك أية نصائح ولكننا سنقول إنك كنت إنساناً طيباً)– لكل منا قوة داخلية جعلته يتحمل جميع ما مر به في حياته، وأساس تلك القوة تأتي عندما يزداد الإيمان بقلب المسلم أولاً، فكلما ازددت إيماناً بالله سبحانه وتعالى ازدادت قوتك وبالرضا في داخلك بأن كل الأمور التي تحدث لك خير من الله سبحانه وتعالى، فإن شكرت وصبرت على مصائبك ذلك خير لك، ثانياً الأطعمة الصحية بالتأكيد تحافظ على طاقتك الجسدية والتي من شأنها تعزيز طاقتك الصحية فلن تصيبك الأمراض، ثالثاً كلماتك المترددة دوماً في عقلك هي قوة خفية محفزة لك وللآخرين تجعلك تتحرر من مخاوفك التي تقبع في عقلك الباطن، وخير مثال على ذلك الذي أنار بقوته العالم أجمع وهو توماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي، الذي كان لوالدته أثر بالغ في أن يكون شخصاً عظيماً يذكره التاريخ أعواماً مديدة حينما قالت لولدها: أنت أذكى طفل في العالم وهل أخطأت بذلك؟ إنها آمنت بقدرة ابنها.. فأبناؤنا نتيجة توقعاتنا وتحفيزنا وتربيتنا، وبث الثقة في نفوسهم قوة لهم حينما يخذلهم العالم، وكانت قوته الخفية التي جعلته يخترع المصباح بسبب حاجة والدته إلى إجراء عملية للشفاء من مرضها الشديد، حيث إن الطبيب لم يتمكن من إجراء تلك العملية نتيجة الظلام واضطر لانتظار المصباح، فاستغل قوته في تلك الأزمة، ولاشك أن جميعنا في الأزمات لدينا قوة تجعلنا نتحمل، فاطمئن واستعن بالله ولا تكثر من الشكوى، لن يكلفك الله بما فوق طاقتك لذا استغل ما تستطيع فعله أنت، ولا تخف فبخوفك لن تستطيع أن تصارع أي شيء طوال حياتك، ولتتأكد بأنك تستطيع الوصول لما ترغب إن رغبت فيه فعلاً ستكون لديك طاقة جبارة، ستسعى جميع خلايا جسدك نحو وصولك لما تريد إذا آمنت بذلك، فإذا استرجعت بحياتي إلى الوراء هناك الكثير من الأمور التي سعيت من أجلها ووصلت لها لأنني آمنت فيها بقدرتي، وأنه لا مستحيل للوصول إليها، وضعت خطتي وحددت أهدافي، رغبتي كانت أكبر قوة من أن أخذل نفسي أو أن أتراجع من أول سقوط واستسلم بعدم تحقيق ما أريد، ولا أقول إننا لا ننهزم أحياناً، فنحن بشر والبشر يخطئون ويتعبون، إنسانيتهم مجبولة على ذلك ولكنهم متفاوتون بصلابتهم وقدرة تحملهم، فهنالك من تجعله الشدة أقوى وهناك من يستسلم، أنت إنسان قوي وقوة الإيمان التي بداخلك ستجعلك تستمر، بعد الاستسلام لا تسمح لأحد أبداً أن يضعف قواك لا تنصت إليهم، وإن صارعت ما تواجهه حتماً ستكون لديك فرصة كبيرة باكتساب الخبرة التي لم تتعلمها بالمدرسة أبداً ولن تتعلمها إلا في مدرسة الحياة بأن لا تستسلم وأن لا ترى نفسك صغيرة بأن تحفز قوتك الداخلية التي ستظهر بالشدة إن لم تظهر بالرخاء، تلك القوة أعد سماعك لها دوماً بالحديث الشريف، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان) (رواه مسلم).
د. مروة حسين الكندري
970x90
970x90