حلب-(أ ف ب): لازم سكان الأحياء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب بشمال سوريا منازلهم أمس نتيجة القصف العنيف الذي تتعرض له مناطقهم وفي ظل تحذير الفصائل المقاتلة من خطورة سلوك المعابر الإنسانية التي قرر النظام فتحها أمام الراغبين بالمغادرة، والتي وصفتها المعارضة بـ«ممرات الموت».
وعرضت الأمم المتحدة الجمعة الإشراف على هذه «الممرات الإنسانية»، تزامناً مع تشكيك محللين ومنظمات حقوقية وإغاثية في نوايا النظام السوري وحليفته روسيا، في ظل الحصار الكامل المفروض على الأحياء الشرقية حيث يعيش 250 ألف شخص وفق الأمم المتحدة.
ويجمع محللون على أن تطبيق المبادرة الروسية سيؤدي إلى سيطرة قوات النظام بالكامل على مدينة حلب، في خطوة ستشكل ضربة قاسية للفصائل المعارضة. وغداة إعلان النظام وروسيا الخميس فتح معابر إنسانية، خلت الشوارع من المارة، إذ لزم السكان منازلهم خوفاً من القصف وتوقفت المولدات الكهربائية في عدد من الأحياء بسبب نفاد الوقود، وفق مراسل لوكالة فرانس برس.
وقال المراسل إن المعابر كافة كانت لاتزال مقفلة اليوم. وهو ما أكده مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، مشيراً إلى أن «المعابر عملياً مقفلة من ناحية الفصائل لكنها مفتوحة من الجانب الآخر، أي في مناطق سيطرة قوات النظام».
وأوضح عبد الرحمن أن «نحو 12 شخصاً فقط تمكنوا من الخروج عبر معبر بستان القصر منذ أمس قبل أن تشدد الفصائل المقاتلة إجراءاتها الأمنية وتمنع الأهالي من الاقتراب من المعابر».
ووضع التلفزيون السوري الرسمي الجمعة شعار «حلب تنتصر»، تزامناً مع بث مشاهد من الأحياء الغربية تخللتها مقابلات مع سكان ومسؤولين محليين يحتفلون بإنجازات الجيش.
وبحسب عبد الرحمن، «يريد الروس والنظام من خلال فتح المعابر الإنسانية الإيحاء بأنهم يريدون حماية المدنيين لكنهم يستمرون في المقلب الآخر في قصفهم للأحياء الشرقية».
وقال عضو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية احمد رمضان «ليس هناك أي ممرات في حلب توصف بممرات إنسانية، فالممرات التي تحدث عنها الروس يسميها أهالي حلب بممرات الموت».
وأضاف «نعتبر الإعلان الروسي (...) جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية»، مشيراً إلى «مخطط يشارك فيه الطيران الروسي والحرس الثوري الإيراني لتهجير الأهالي من مدينتهم».
ورأى أن ما يجري في حلب «تدمير كامل ومنهجي للمدينة على سكانها سواء كانوا مدنيين أم مقاتلين»، في وقت اعتبرت عضو وفد المعارضة إلى جنيف بسمة قضماني في بيان أن «هذه المعابر ليست مخصصة لإدخال المساعدات إنما لإخراج الناس».
واقترح الموفد الدولي الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا أمس في مؤتمر صحافي في جنيف أن «تترك لنا روسيا الممرات التي فتحت بمبادرتها»، موضحاً أن «الأمم المتحدة وشركاءها الإنسانيين يعرفون ما ينبغي القيام به، لديهم الخبرة».
وأضاف «نؤيد مبدئياً وعملياً الممرات الإنسانية في الظروف التي تسمح بحماية المدنيين»، مكرراً الدعوة إلى «هدنات إنسانية من 48 ساعة لإتاحة العمليات عبر الحدود وعبر خطوط الجبهة».
وبحسب مصدر دبلوماسي غربي، «يريد الروس والنظام دفع الناس إلى تسليم أنفسهم». ويقول لفرانس برس «ما يريدونه هو الاستسلام وتكرار ما حدث في حمص» العام 2014 حين تم إخراج نحو ألفي مقاتل من المدينة القديمة بعد عامين من الحصار المحكم والقصف شبه اليومي من قوات النظام. ويرى مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس كريم بيطار أن «سكان حلب يواجهون معضلة وجودية رهيبة، إذ غالباً ما يضطرون إلى الاختيار بين خطري الموت جوعا أو خلال فرارهم».
ويضيف «سكان حلب في محنة ويعيشون حالة من انعدام الثقة وهو أمر مفهوم بعدما أثبتت المأساة السورية أن الجانب الإنساني غالباً ما يوظف كخدعة لتعزيز مصالح جيوسياسية».
ويقول بيطار «سقوط حلب يعني أن الأسد وبوتين حققا أحد أهدافهما الرئيسة واستعادا اليد الطولى» في سوريا.
ويوضح الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية إميل حكيم من جهته أن خسارة الفصائل لحلب يعني «هزيمتها في شمال سوريا» وأنها «لم تعد تشكل تهديداً استراتيجياً للنظام».