الفستق، نسميه في البحرين منذ مئات السنين (بستك) إذ بدلنا حرف الفاء إلى الباء والقاف إلى كاف، ويقال إن (بستك) كلمة إيرانية وبستك مدينة إيرانية عريقة من مدن الغرب الإيراني، حيث إن هذا النوع من المكسرات والفواكه المجففة، معروف ولا حاجة إلى تبيان.
وكنا نسمع عن لبنان وجمال وطبيعة لبنان في الصيف ونسمات الهواء البارد وامتزاجها مع «الرقيطة» على جباله الخضراء و«أماكن المصائف مثل بوحمدون وعاليه، وغيرهما» وأوديتها التي تسقيها «النهيرات» والجداول المنحدرة من أعالي الجبال عذبة المياه، ومن أشهر أشجار لبنان شجر الأرز الذي هو شعار الدولة، وسوريا تلي لبنان كمصيف للخليجيين والعرب وغيرهم في زمن العز والرخص والسلام.
واللبنانيون في ذلك الزمن الجميل الآمن، كانوا يطلقون على سوريا الشام، والسفر بين هذين البلدين العربيين العزيزين وشعبيهما يتم بواسطة الهوية (البطاقة الشخصية)، وكنا نحن البحرينيين نعجب من ذلك، وزال هذا العجب بعد إنشاء مجلس التعاون الخليجي العربي وجسر الملك فهد خاصة.
في عام 1970، أول زيارة لي إلى لبنان لأداء الامتحان في جامعة بيروت العربية منتسباً والتي أسسها جمال عبدالناصر خدمة للطلاب العرب. وفي عطلة الأسبوع، نشد الرحال إلى دمشق بالطريق البري بواسطة سيارات الأجرة، ونزور الأماكن السياحية مثل الزبداني وبقين، والتاريخية ومسجد السيدة زينب عليها السلام والتجوال في سوق الحميدية ونسير على ضفتي نهر بردا وشراء الهدايا للأهل والأصدقاء، ونحن «نمزمز» الآيسكريم السوري –البوظة-، حلوة بيروت وحلوة دمشق ويرفرف عليهما السلام والتحاب، يا ليت يعود عليهما ذلك العهد الزاهر الآمن.
في إحدى الزيارات إلى دمشق –دائماً الزيارة في الصيف- ونحن نسير في أحد الأسواق المكتظة بالناس، لمحت بائعاً متجولاً يدفع بعربة ذات أربع عجلات -اثنتان أماميتان واثنتان خلفيتان- وفوقها -أي العربة- مسطح من خشب، وعليه كومة من الفستق المقطوف تواً، طري بكل معنى الطراوة، ولون كل فستقة من الخارج، خد أحمر قاني وخد أبيض يميل إلى الاصفرار، (فستق حلبي... أول قطفة) هكذا نداء البائع باللهجة الشامية المحببة، والناس تهرول إليه مستفسرة عن سعر الكيلوغرام، وجوابه (بعشر ورقات) والورقة كناية عن الليرة السورية وهي أقل سعراً من الليرة اللبنانية، ومعظم السوريين يمتنعون عن الشراء في أول الموسم –مثل الرطب عندنا- انتظاراً حتى يكثر ويقل سعره.
وصدفة مر رجل ومعه زوجته الحامل، وألحت الزوجة على الزوج شراء ربع كيلوغرام فستق -المعنى في قلب الشاعر- ولم ينبس ببنت شفة، خجلاً من الناس الذين حواليه، وتقدمها في المسير وهي شاخصة بعينيها إليه ثم تبعته.
حلب الجميلة الشهباء، أين الحدائق الغناء والفواكه المتنوعة، ماذا أصابك هذه الأيام، بيوتك خرائب، وزروعك رماد، وأطفالك والعجائز والشيوخ يئنون تحت الأنقاض وشبابك جرحى وقتلى ومشردون أو غرقى وأزيز الطائرات في سمائك، وقصف المدافع على أرضك، والأشلاء تتناثر، والدماء تسيل كالأنهار، والبطون جوعى تستجدي اللقمة بعد أن كانت شبعى، ماذا حل بالوطن العربي؟
اللهم قيض لكل وطن عربي مبتلى زعيماً مثل زعيمنا وقائدنا الملك حمد بن عيسى آل خليفة المفدى الذي أنقذ بلادنا من الفتن، زعيماً يخافك ويتقيك، ويوحد شعبه ويؤلف بين قلوبهم، وينشر الأمن والاستقرار، ويعمر الديار بعد ما لحقها من دمار، اللهم آمين.
قول مأثور: (من عامل بالرفق غنم).
يوسف محمد بوزيد
مؤسس نادي اللؤلؤ سابقاً
وعضو مجلس بلدي سابق