شكلت الموجة الإرهابية التي تعرضت لها الدول الغربية خلال السنوات الماضية سياقاً محفزاً لدراسة «الظاهرة الإسلامية» في الغرب؛ حيث أصبحت دراسة القضايا المرتبطة بالإسلام موضع اهتمام العديد من مراكز الفكر الغربية. فالمشكلة المركزية التي أمست تواجهها المجتمعات الغربية، بحسب توماس هيغهامر، أن «معظم الجماعات الجهادية العابرة للحدود الوطنية، اليوم، هي نتاج التعبئة والحشد للمقاتلين الأجانب، بما في ذلك هؤلاء الذين يحملون الجنسيات الغربية»، وهو ما يعني أن الغرب بات على مشارف جيل جديد من العناصر الراديكالية داخل بلدانه، فالتهديد لم يعد خارجياً ولكنه كامن في البنية المجتمعية.
وفي هذا الصدد، يقدم كل من بارت شورمان وبيتر جرول وسكوت فلاور، من خلال دراستهم المعنونة بـ»المتحولون والإرهاب الإسلامي»، رؤية تحليلية لاستكشاف العلاقة بين اعتناق بعض الأفراد للإسلام وحدوث تحولات راديكالية في أنماط تفكيرهم، وماهية العوامل التي تدفع المسلمين الجدد إلى الانضمام إلى التنظيمات الراديكالية. وبالرغم من أن الدراسة لا تسلم بوجود علاقة حتمية بين التحول إلى الإسلام وتبني التوجهات الراديكالية، فإنها تفترض أن المسلمين الجدد يُسهمون بنسبة لا بأس بها في العمليات الإرهابية التي تحدث في المجتمعات الغربية، علاوة على انتقالهم إلى الخارج للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية، على غرار تنظيم داعش.
المسلمون الجدد والإرهاب
بدأ يظهر تأثير المسلمين الجدد في المنظومة الإرهابية في الغرب منذ العقد الماضي حينما حاول ريتشارد ريد تفجير طائرة في الولايات المتحدة في 2001، كما حاول مايكل فينتون تفجير مبنى فيدرالي بولاية إلينوي عام 2009. وفي عام 2010 أُلقي القبض على المواطن الأمريكي زاكاري تشيسر إثر محاولته الانضمام إلى حركة الشباب في الصومال، وتهديده منتجي حلقات برنامج «ساوث بارك»، حيث كان يعتبر البرنامج مسيئاً للديانة الإسلامية.
وفي عام 2013 قتل كل من مايكل أديبولاجو ومايكل أديبوالي الجندي البريطاني لي ريجبي أثناء تواجده في وولويتش بجنوب لندن. وفي العام ذاته ألقي القبض على ريتشارد دارت بتهمة التخطيط لعملية إرهابية في ووتون باسيت ببريطانيا.
وبالرغم من أن المتحولين إلى الإسلام لا يمثلون سوى نسبة ضئيلة من التجمعات المسلمة في الغرب، فإن الدراسة تفترض أنهم يشكلون مكوناً هاماً في التنظيمات المتطرفة؛ حيث يساهمون في العمليات الإرهابية التي تحدث في الغرب، علاوة على انتقالهم إلى الخارج للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية، ووفقاً لهذه الفرضيات تقدر الدراسة عدد المسلمين الجدد في بلجيكا بحوالي 56 ألف شخص عام 2015 من إجمالي 630 ألف مسلم تقريباً، وفي فرنسا بلغ عدد المتحولين إلى الإسلام في عام 2015 أكثر من 215000 شخص من إجمالي تعداد مسلمين بالدولة يتجاوز 4710000 مسلم.
كما يقدر عدد المتحولين في إسبانيا عام 2015 بـ50 ألف شخص تقريباً من إجمالي تعداد للمسلمين وصل في عام 2010 إلى 980 ألف مسلم تقريباً. ويصل عدد المسلمين الجدد في المملكة المتحدة -وفقاً لتقديرات عام 2010- إلى 100 ألف شخص تقريباً من إجمالي 2869000 مسلم. وفي الولايات المتحدة وصل عدد المسلمين الجدد في عام 2007 إلى 552 ألف شخص من إجمالي 2400000 مسلم أمريكي.
واتساقاً مع هذه التقديرات، توضح الدراسة أن المسلمين الجدد يمثلون نحو 14% من إجمالي الجهاديين المحليين في إسبانيا، وفي المملكة المتحدة يمثلون ما يقرب من 12% من إجمالي الجهاديين المحليين خلال الفترة (2001 - 2013)، وفي الولايات المتحدة شكل المتحولون إلى الإسلام نحو 40% من إجمالي الجهاديين المحليين بحسب تقديرات عام 2015. علاوة على ذلك، كان للمسلمين الجدد حضور مماثل في إجمالي المقاتلين الغربيين المشاركين في سوريا والعراق، ووفقاً للبيانات المتاحة فإن المسلمين الجدد يمثلون 6% من إجمالي المقاتلين البلجيكيين في سوريا والعراق المتراوحة أعدادهم بين 420 و516 مقاتلاً، وبالنسبة لفرنسا التي يتجاوز عدد مواطنيها المشاركين في القتال 900 شخص، فإن المتحولين إلى الإسلام يمثلون 23% تقريباً من إجمالي هؤلاء المقاتلين.
كما تتراوح تقديرات مشاركة المسلمين الجدد بين 12% و16% من إجمالي المقاتلين الألمانيين في سوريا والعراق والبالغ عددهم نحو 760. وتصل نسبة المسلمين الجدد ما يتراوح بين 11.8% و18.4% من إجمالي المقاتلين الهولنديين في سوريا والعراق والمقدر عددهم بـ250 مقاتل تقريباً.
دوافع متعددة
تشير الدراسة إلى أن ظاهرة نزوع بعض المسلمين الجدد إلى التطرف تعد من الظواهر المعقدة، ولا يمكن الاعتماد على عامل واحد في تفسيرها، حيث تتداخل فيها العديد من الدوافع يرتبط بعضها بالسمات الشخصية والسلوكية للفرد، ومن ثم فإن السمة المشتركة بين الكثير من العناصر المتطرفة من المسلمين الجدد الشعور بخيبة أمل وإحباط من الحياة الغربية الحديثة، وتبني بعض أشكال السلوك المعادي والرافض للمجتمع، وهو ما كان يتجلى في تعاطي الكحول والمخدرات وارتكاب بعض الجرائم قبل أن يتحولوا إلى الإسلام.
وفي هذا الإطار تستدعي الدراسة ما توصلت إليه ماريون فان سان في دراستها المعنونة «نفوس ضائعة تبحث عن إجابات»، والمنشورة بدورية «وجهات نظر» حول الإرهاب Perspectives on Terrorism في عددها الخامس عام 2015، والتي خلصت إلى أن معظم السيدات التي تناولتهن الدراسة، والمنضمات إلى تنظيم «داعش»، كن قد تحولن إلى الإسلام بعد مشكلات سلوكية ومعاناة من الماضي نتيجة التعرض لأحداث مؤلمة في مرحلة الشباب، مثل: تخلي الآباء عنهن، والإدمان، والعنف المنزلي، وبالتالي كان الانضمام إلى تنظيم داعش -الذي يعبر عن نموذج الدولة الإسلامية المنشودة لبعض المسلمين الجدد- فرصة للخروج من أسر الماضي وإحباطاته، والسعي إلى الغفران.
وتأسيسًا على ما سبق، وفي ضوء الافتقار إلى المعرفة الدينية الكافية القادرة على التمييز بين التفسيرات المتباينة للنصوص الدينية، فإن التحول إلى الإسلام -وفقًا للدراسة- يكون مصحوباً برغبة في تحقيق الكمال، والتعبير عن الولاء المطلق للديانة الجديدة.
هذا الأمر لا يمثل إشكالية في حد ذاته، ولكن الإشكالية تحدث حينما يزداد اقتناع الفرد بأن الكمال لا يتحقق بدون تدمير الثقافة الفاسدة التي نشأ الفرد في سياقها للتعبير عن رفض كل ماضيه، وكلما زاد رفض الفرد لقيم الغرب وثقافته فإنه يصبح أكثر عرضة وقابلية للتطرف، حيث إن اعتناق التطرف مرتهن بالتصورات المسبقة الراسخة تجاه الذات والمجتمع.
وثمة عوامل أخرى يكون لها تأثير على الفرد وتدفعه إلى التطرف، ومن ضمنها الشعور بالتهميش المجتمعي، والاستبعاد من بعض التجمعات نتيجة تغيير الفرد ديانته، فضلا عن الدور المتنامي الذي باتت تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة العلاقات الاجتماعية في نشر الأفكار الراديكالية، وتشكل القضايا السياسية أيضاً محفزاً لتبني الأفكار الراديكالية، إذ إن الكثيرين ممن يتبنون النهج الراديكالي يعتقدون أن ما يقومون به هو دفاع عن الإسلام في مواجهة العداء الغربي، لا سيما مع الحروب التي شنتها الدول الغربية -وفي مقدمتها الولايات المتحدة- على دول ذات أغلبية مسلمة، ناهيك عن الدعم الغربي المستمر لإسرائيل.
ومن النماذج التي تعبر عن هذه المعضلة نموذج مايكل أديبولاجو الذي قتل الجندي البريطاني لي ريجبى، فبعد أن نفذ أديبولاجو عملية القتل خرج في فيديو ليقول إن السبب الوحيد الذي دفعه لقتل الجندي البريطاني هو «أن مسلمين يقتلون يومياً على يد جنود بريطانيين».
المصدر: المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية