طرابلس - (وكالات): فقدت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا السيطرة على موانئ تصدير النفط الرئيسة لصالح قوات تتبع سلطة معادية لها بقيادة المشير خليفة حفتر، في خطوة تزيد من تعقيدات المشهد الليبي.ويقع الهلال النفطي الذي يضم 4 موانئ تصدير رئيسة في منتصف الطريق بين مدينة بنغازي «ألف كلم شرق طرابلس»، معقل القوات التي يقودها حفتر، ومدينة سرت «450 كلم شرق طرابلس» التي توشك قوات حكومة الوفاق على استعادتها بعد 4 أشهر من المواجهات مع تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي. ويقول توربيورن سولتفيت، رئيس قسم الأبحاث حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة فيريسك ميبلكروفت الاستشارية الأمنية، إن توقيت هجوم القوات التي يقودها حفتر «مرتبط بشكل كبير بالهزيمة الوشيكة لتنظيم الدولة في سرت». وفي ظل اقتراب الحسم في سرت، تصبح «مسألة من يسيطر على حقول النفط وموانئه في الشرق أمراً أكثر إلحاحاً». وبسيطرتها على الموانئ، تكون القوات بقيادة حفتر استغلت انهماك قوات حكومة الوفاق في سرت لمنعها من محاولة استعادة السيطرة على الهلال النفطي.وبعيد بدء الهجوم الأحد الماضي، دعت حكومة الوفاق قواتها إلى العمل على استعادة الموانئ، لكنها ما لبثت ما تراجعت عن دعوتها هذه وطالبت بالحوار. رغم ذلك، تبقى مسألة المواجهة بين قوات السلطات الموازية وقوات حكومة الوفاق أمراً محتملاً، خصوصاً أن الحكومة المعترف بها دولياً لا تملك القدرة الكاملة على التحكم بكل الجماعات المسلحة التي تتبعها. ويقول سولتفيت «هناك خطر حقيقي الآن بأن تقع مواجهة مباشرة بين الجماعات الموالية لحكومة الوفاق والقوات بقيادة حفتر». وفي تقرير نشر أمس الأول، رأت مجموعة الأزمات الدولية أن احتمال وقوع نزاع عسكري بين هاتين القوتين الكبيرتين أمر وارد، مشيرة إلى أن صراعاً مماثلاً «سيكون كارثياً بالنسبة إلى الاقتصاد، لأن القتال في منطقة الموانئ (...) يمكن أن يلحق أضراراً بالبنية التحتية للنفط والغاز ويؤخر إعادة تصدير النفط».وراهنت حكومة الوفاق الوطني على إعادة تصدير النفط من الموانئ الرئيسة تحت إشرافها من أجل حل أزمة السيولة في المصارف في المناطق الخاضعة لسيطرتها غرب البلاد، وتحسين مستوى الخدمات العامة وخصوصا الكهرباء، والحد من تراجع سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية في السوق الموازي. لكن سيطرة القوات الموالية للحكومة الموازية على هذه الموانئ، وهي الأكبر في ليبيا، تضعف فرصها في كسب الرهان وتظهر مجدداً عجزها عن فرض سيطرتها على كامل التراب الليبي بعد نحو 5 أشهر ونصف من بدء عملها من طرابلس. ويرى الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ماتيا توالدو أن حكومة الوفاق «تلقت ضربة قاسية». ويضيف «خسرت أحد ابرز حلفائها في الشرق «حرس المنشآت بقيادة ‘براهيم الجضران الذين كانوا يؤمنون حراسة المنطقة النفطية»، وأصبحت (...) مضطرة للاعتماد على إيرادات تأتي من موانئ تتحكم بها القوات التي يقودها حفتر».ويرفض حفتر الاعتراف بحكومة الوفاق الوطني وبالاتفاق السياسي الذي أنتج الحكومة. ويقول سياسيون إن سبب ذلك هو أن أحد بنود الاتفاق الذي تم برعاية الأمم المتحدة ينص على خلو المناصب العسكرية العليا في حال لم يتم التوافق حول الشخصيات التي تتولاها ما أن تحظى الحكومة بثقة البرلمان. ولم يمنح البرلمان الموجود في الشرق ثقته بعد للحكومة. وينظر مؤيدو حفتر إلى العسكري المتقاعد على أنه «منقذ» يحارب «الإرهاب». غير أن منتقديه يرون انه «مشروع ديكتاتور». وفي ظل الجدل الذي يحيط بشخصه، يمكن لحفتر أن يخسر منصبه بمجرد أن تنال الحكومة ثقة البرلمان. ويسعى على الأرجح إلى إثبات أمر واقع على الأرض. وتمنح السيطرة على الموانئ حفتر ورقة جديدة للضغط على المجتمع الدولي وحكومة الوفاق لإدخال تعديلات على الاتفاق، وهو ما ترفضه حكومة الوفاق ويطالب به البرلمان المؤيد لحفتر. ويرى توالدو أن «حفتر بات يملك اليد العليا، إذ أصبح يسيطر على أغلبية المناطق في الشرق الليبي وموانئ النفط (...) ويظهر قدرة على العمل حتى مع المؤسسة الوطنية للنفط» في طرابلس الموالية لحكومة الوفاق. وبعد يوم من استكمال سيطرتها على الموانئ، أعلنت قوات السلطة الموازية أنها سلمت إدارة موانئ التصدير في الهلال النفطي إلى المؤسسة الوطنية للنفط.وتدفع الشركات التي تشتري النفط الليبي ثمنه للمصرف الليبي الخارجي الذي يملك فروعا في دول عدة، ثم يقوم هذا المصرف الحكومي بتحويل الأموال إلى المصرف المركزي في طرابلس الموالي لحكومة الوفاق الوطني. وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس الموالية لحكومة الوفاق أنها ستبدأ العمل على إعادة التصدير من الموانئ، ما يعني مبدئياً أن الأموال ستذهب إلى حكومة الوفاق الوطني رغم سيطرة قوات مناهضة لهذه الحكومة على الموانئ. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ إن سيطرة القوات التي يقودها حفتر على الموانئ تعني أن بإمكان هذه القوات التحكم بمصير عمليات التصدير عبر إقفال الموانئ وإعادة فتحها وفق ما ترتئيه. في موازاة ذلك، يرفض المجتمع الدولي والأمم المتحدة خروج النفط من ليبيا تحت مظلة قوات تتبع سلطة غير معترف بها. ولعل هذا الواقع يفسر جزءاً من دعوة حكومة الوفاق كل الأطراف الليبية إلى الحوار. وترى مجموعة الأزمات الدولية أن التفاوض مع القوات التي يقودها حفتر قد يكون الخيار الأفضل لحكومة الوفاق «من أجل التوصل إلى ترتيبات أمنية جديدة في الموانئ».في سياق متصل، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا رفع حالة «القوة القاهرة» عن موانئ رئيسة في منطقة الهلال النفطي في الشرق، في خطوة تفتح الباب أمام استئناف التصدير بشكل قانوني من الموانئ.وقالت المؤسسة في بيان «ذكرت فرق التقييم الفنية التابعة للمؤسسة في تقريرها إن ميناءي الزويتينة والبريقة في حالة جيدة وأن ميناءي رأس لانوف والسدرة لم يتعرضا إلى أضرار إضافية».وأضافت «بناء على ذلك، أعلنت المؤسسة (...) رفع حالة القوة القاهرة عن جميع موانئ الهلال النفطي، وستستأنف الصادرات على الفور من ميناءي الزويتينة وراس لانوف، وستتواصل (...) من ميناء البريقة (...)، كذلك سيتم استئناف التصدير من ميناء السدرة في أقرب وقت ممكن».