واشنطن - (الجزيرة نت): حملت مذكرة التفاهم الجديدة حول رزمة المساعدات العسكرية التي ستقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل خلال العقد المقبل وحتى عام 2028 مفارقات عديدة أظهرت في مجملها حجم النفوذ الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
وتتعهد واشنطن بموجب المذكرة الجديدة - التي كانت محل تفاوض على مدى الشهور العشرة الماضية - بتوفير 38 مليار دولار من المساعدات العسكرية إلى تل أبيب للحفاظ على ما يسمى التفوق العسكري النوعي لدولة إسرائيل. وتحل المذكرة محل تلك التي كانت وقعتها إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش مع إسرائيل عام 2007 بقيمة 30 مليار دولار موزعة على 10 سنوات. ومما يلفت في المذكرة الجديدة وما رافقها من تعليقات وتحليلات، أنها تثير مجموعة مفارقات تسلط الضوء في الحقيقة على طبيعة العلاقة بين تل أبيب وواشنطن.
وتتعلق المفارقة الأولى بالبنود الجديدة التي تضمنتها مذكرة التفاهم، فقد وصف الاتفاق على هذه البنود بأنها انتصار لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في ممارسة ضغوط على الحكومة الإسرائيلية مقابل تنازلات قدمها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وبمعنى آخر، تشير إدارة أوباما إلى انتصار وهمي مقابل تشديد نتنياهو على تنازلات لا تقل وهمية بموافقته على إنفاق أموال دافعي الضرائب الأمريكيين التي يحصل عليها مجانا بقيمة تتجاوز 10 ملايين دولار يومياً في سوق السلاح الأمريكية، والامتناع عن إنفاق جزء منها على الشركات الإسرائيلية. أما المفارقة الثانية، فإن أوباما أصر على إنجاز توقيع مذكرة التفاهم على رزمة المساعدات الجديدة قبل نهاية ولايته كأنه يكافئ نتنياهو على كل الجهود التي بذلها لتقويض عملية التسوية مع الفلسطينيين، ولإفشال المفاوضات النووية مع إيران.
كما نرى أن أوباما تخلى عن ورقة ضغط أخيرة لإلزام نتنياهو باتخاذ خطوات ملموسة في مسار حل الدولتين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وذلك من خلال فصله المساعدات العسكرية عن ملف التسوية. ومن المعلوم أن إدارة أوباما ترى أن الوضع القائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة لا يخدم مصالح الأمن القومي الأمريكي، لتعود وتمول هذا الاحتلال. بيد أن المفارقة التي تتفوق على ما عداها تكمن في الاعتراضات التي صدرت عن الكونغرس على رزمة المساعدات لا بسبب كلفتها، بل لأنها أقل مما يرغب به بعض المشرعين الذين اعتبروا أن مذكرة التفاهم الجديدة تفرض قيودا على الحليف الإسرائيلي.
وقد تصدر هذا الموقف رئيس اللجنة الفرعية للمخصصات في مجلس الشيوخ السيناتور ليندزي غراهم، فأعرب عن رفضه للمذكرة التي قبلت بها حكومة إسرائيل والتي تضم في صفوفها عددا من أكثر شخصيات اليمين تطرفا. ورغم صحة التعليقات التي اعتبرت أن رزمة المساعدات العسكرية الأمريكية الجديدة غير مسبوقة وتاريخية، تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تلقت خلال الأعوام القليلة الماضية مساعدات بقيمة تكاد توازي ما ستحصل عليه وفق المذكرة الجديدة.
فقد حصلت إسرائيل عام 2015 على 3.1 مليارات دولار وفق المذكرة القديمة التي تنتهي مفاعيلها عام 2018، يضاف إليها 500 مليون دولار أقرها الكونغرس تمويلاً لنظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي.
أي أن إسرائيل تلقت 3.6 مليارات دولار كمبلغ إجمالي من المساعدات العسكرية العام الماضي، في حين أنها ستحصل وفق المذكرة الجديدة على 3.8 مليارات دولار سنوياً.