حذرت دراسة علمية جديدة من مخاطر تنامي تمددات عمرانية من شأنها أن تعيد إنتاج مجتمعات التقليدية بأنماط وأشكال مختلفة بقرى شمال البحرين وتأثيرات ذلك على التطور الاجتماعي والثقافي، موضحة أن أدواراً ووظائف اجتماعية لاتزال قائمة داخل مجتمع الأسرة القروية محافظة على ثبات نسبي في إمكانيات التجاور العائلي المكاني والتوسع العمودي.
وكشفت أن التعمير العمودي سجل طفرة غير مسبوقة بشكل ينذر باقتراب المجتمع من تشكيل كيانات عائلية وعشائرية تؤدي أدواراً مجتمعية عصرية بأسلوب تقليدي.
وبينت أن التعمير العمودي وتقسيم كل أسرة ملكها الزراعي بين أبنائها كقسائم سكنية وحصول الأسر على هبات لها ولأبنائها في محيط قراهم بعد اكتشاف النفط عوامل أسست وأفرزت تجاورات عائلية.
ونبهت إلى أن التركيبة السكانية الحالية القائمة بفعل عوامل تحددها هذه الدراسات والدراسات المقبلة تعيد تاريخ التجاور القرابي التقليدي إلى الواجهة بأنماط وأساليب مختلفة، وهي ظاهرة تفككت في شتى المناطق بسبب ضعف مقومات التمدد العمراني وتغيرات ديموغرافية وثقافية طالت بنى المجتمع بمقوماته «البشرية والمادية».
وبينت أن الحمولة الديموغرافية في مساكن القرى ستحافظ على مستويات متوسطة ومرتفعة بفعل البناء العمودي ومتغيرات ثقافية أثبتت استمراريتها مؤكدة أن قرارات إتاحة توسع الأسر إلى حد أربع طوابق توجه يحتاج إلى ضوابط أحدث في ظل وفرة بيوت إسكان الدولة، وصرف علاوة السكن وارتفاع الكثافة السكانية في بعض قرى شمال البحرين.
ولفتت إلى أن إمكانيات الإبقاء على التواجد في محيط القرية من نصيب القرويين المقتدرين، لأن إمكانياتهم المادية أتاحت لهم إما التوسع العمودي أو شراء وبناء أراضي أو مساكن في القرية نفسها، بينما الفئات القروية الأخرى اتجهت إلى القسائم السكنية الممنوحة من الدولة، ولا تملك إمكانيات تطوير واقع إقامتها في القرية، بالتالي تعتبر من الفئات الأقل تمسكاً بالقرية أو الأقل قدرة على الاحتفاظ بموقعها السكني الأصلي.
وكشفت أن قرى البحرين تحتضن أنماط سكنية حديثة من ثلاث مراحل ذات طفرة اقتصادية عالية أولها بفعل إلحاق القرويين بقطاع النفط وثانيها التطور التعليمي والمهني المعاصر المدعوم من قبل الدولة وثالثها حراك الدولة الإسكاني الحالي.
وذكرت أن تطور المجال المهني للأفراد وتحول واقعهم من عاملين وفلاحين وصيادين إلى موظفين، يتقاضون رواتب شهرية في شركات كبرى مثل شركة نفط البحرين بابكو وشركة ألمنيوم البحرين ألبا ومؤسسات حكومية وخاصة أسهم في تمكين الفرد القروي من الناحية الاقتصادية، وساعد ذلك في تطوير أوضاعهم السكنية في مجالهم القروي.
وأضافت أن قدرات الآباء المادية ثاني أبرز العوامل التي مكنت الأسر من الاحتفاظ بوجود أبنائهم إلى جانبهم.
وبينت أن المتغير الرئيس للتوسعات الحالية والطفرة العمرانية تجاه الدولة للموارد المحلية في المجال القروي لتنمية أبناء القرى فقد لعبت المساحات غير المعمورة المتاحة في امتدادات القرى، وانخفاض أسعارها، وجهود تنمية البنية الطرقية في تلك المناطق دورها في الدفع بانتشار المساكن الحديثة في أنحاء القرى على شكل فلل حديثة وعمارات.
من جهة أخرى، شدد الباحث نوح خليفة على ضرورة تدشين مدينة كبرى جديدة توازي في قوتها الاستيعابية والحداثية بكل أوجهها وتنوعاتها الطرقية والبشرية والمؤسساتية قادرة على استيعاب تطورات حياتية مغايرة تدعم الانخراط الأعمق في الحياة العامة عوضاً على التعمق في خصوصيات الحياة الثقافية التقليدية.