أشاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، بدور وجهود شيخ الأزهر الشريف فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب المخلصة خدمة للإسلام والمسلمين في وقت تتزايد فيه التحديات وتتسارع وتيرة الأحداث لتضع الأمة أمام اختبار حقيقي لصون رصيدها الحضاري.
وأكد عاهل البلاد المفدى، خلال استقبال جلالته مجلس حكماء المسلمين برئاسة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف للسلام على جلالته بمناسبة انعقاد الاجتماع الخاص لمجلس حكماء المسلمين على أرض مملكة البحرين، «ثقتنا في الأوفياء من أبناء هذه الأمة الحريصين على وحدتها»، مجدداً جلالته الدعم لكل الجهود الرامية إلى جمع الكلمة ووحدة الصف.
فيما أكد فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر أن المجلس أبدى رغبةً وأملاً في أن يعقد جلسته الثامنة في هذا البلد الذي يتمتع بتاريخ حضاري عريق، إذ كان منذ آلاف السنين مركزاً لالتقاء الثقافات وحوار الحضارات، وبما ميزه الله به من موقع جغرافي فريد، وشعب أكسبه امتزاج الثقافات خبرة واسعة، ودربة على التوحد والتجمع، والاعتلاء فوق الاختلافات والفروق المذهبية والدينية والعرقية، وهي ميزة تتميز بها هذا البلد الطيب من بين سائر البلدان والأمصار الإسلامية في شرق البلاد وغربها ونرى دائماً والحمد لله أن أهل البحرين تسري في دمائهم هذه الروح التي تجمع بين الأصالة، والمعاصرة المنضبطة بهدى الدين وحكمة الشرق، حتى باتت تستعصي على التنكر لتاريخه وميراثه العريق.
وفي مستهل اللقاء صافح عاهل البلاد المفدى ضيوف المملكة، مرحباً بهم في مملكة البحرين، شاكراً لهم حضورهم ومشاركتهم في هذا الاجتماع الخير المبارك بما يعود بالخير والمنفعة على أمتنا الإسلامية وخدمة قضايا الإسلام والمسلمين.
وبعد تلاوة عطرة من الذكر الحكيم، تفضل حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى بإلقاء كلمة سامية فيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين،
السادة أعضاء المجلس،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يسعدنا اللقاء بجمعكم الكريم لمجلسكم الموقر على أرض مملكة البحرين، الذي نعتز بأهدافه السامية وغاياته النبيلة المعبرة عن الضمير اليقظ لعقلاء الأمة، مشيدين بدوركم وجهودكم المخلصة خدمة للإسلام والمسلمين في وقت تتزايد فيه التحديات وتتسارع وتيرة الأحداث لتضع الأمة أمام اختبار حقيقي لصون رصيدها الحضاري، مؤكدين ثقتنا في الأوفياء من أبناء هذه الأمة الحريصين على وحدتها، ومجددين دعمنا لكل الجهود الرامية إلى جمع الكلمة ووحدة الصف.
الحضور الكريم،
وإذ نفخر بانتمائنا لأمة الوسطية ومساندتنا لكل جهد يثري مسيرتها، فإننا نعتز بدور المؤسسات الشامخة في رعاية النهج الوسطي الأصيل، ونشيد بالدور الرائد للأزهر الشريف ورجاله في ساحة الفكر الإسلامي الداعي للاعتدال، مثمنين لفضيلة الإمام الأكبر دوره الكبير في هذه المسيرة ومعبرين عن بالغ سرورنا بهذه الزيارة الكريمة.
كما يسرنا أن ننتهز هذه الفرصة للإعراب عن شكرنا العميق للمملكة العربية السعودية الشقيقة قيادة وشعباً، تقديراً لما قدمته وتقدمه حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود من جهود عظيمة في خدمة حجاج بيت الله الحرام، تمثلت في حسن تنظيم مواسم الحج عبر عقودٍ طويلة، أثبتت للعالم أجمع قدرتها الراسخة على القيام بهذه الأمانة العظمى خير قيام، سائلين الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لخير أمتنا وأمن ورخاء شعوبها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ثم ألقى فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف كلمة قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
جلالة الملك/ حمد بن عيسى آل خليفة - ملك البحرين
السادة الحضور
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
في بداية هذه الكلمة المتواضعة يسعدني أن أتقدم باسمى وباسم الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين بأسمى وأجل آيات الشكر والعرفان بالجميل لما تفضلتم به من قبول استضافتنا في رحابكم الكريم وبلدكم المحفوف بحفظ الله ورعايته، واستضافة هذا المجلس الذي أبدى رغبةً وأملاً في أن يعقد جلسته الثامنة في هذا البلد الذي يتمتع بتاريخ حضاري عريق، إذ كان منذ آلاف السنين مركزاً لالتقاء الثقافات وحوار الحضارات، وبما ميزه الله به من موقع جغرافي فريد، وشعب أكسبه امتزاج الثقافات خبرة واسعة ، ودربه على التوحد والتجمع، والاعتلاء فوق الاختلافات والفروق المذهبية والدينية والعرقية، وهي ميزة تتميز بها هذا البلد الطيب من بين سائر البلدان والأمصار الإسلامية في شرق البلاد وغربها.
ونرى دائماً والحمد لله أن أهل البحرين تسري في دمائهم هذه الروح التي تجمع بين الأصالة، والمعاصرة المنضبطة بهدى الدين وحكمة الشرق، حتى باتت تستعصي على التنكر لتاريخه وميراثه العريق. وأصبح لا يتعامل إلا بالمبادئ والقيم الثابتة التي لا تعرف المقايضات ولا نزوات العرق والعصبية، في الوقت الذي لا يرى كثيرون بأساً من ممارسة اللعب على وتر الطائفية واستغلال العاطفة الدينية في الهيمنة والتسلط، ولم يتورعوا في انتهاج العنف طريقا لتحقيق هذه المآرب التي لا تقرها أخوة الدين ولا حقوق الجوار.
وكان الظن - جلالة الملك - أن تعصم هذه الروابط المتينة، هذا الثغر من ثغور العروبة والإسلام من الاهتزازات المفتعلة، والاضطرابات المصطنعة التي لا يستفيد منها إلا أعداء العرب والمسلمين ولا تخدم إلا مخططات الأنظمة المتربصة شراً بالمنطقة وأهلها، نعم كان الظن كذلك، لولا أن فريقاً من أعيان الناس رضوا بأن يركنوا إلى منطق المصلحة غير المشروعة وغير المعتبرة، وضربوا صفحاً عن منطق الدين والواجب والضمير .
وأرجو جلالة الملك ألا يفهم تشجيعي وتشجيع مجلس حكماء المسلمين لجلالتكم على أنه مدح أو إطراء لا يليق بأهل العلم والمنتسبين إليه، فيعلم الله أنني ما إلى هذا قصدت، لأنني أعي جيداً قول النبي صلى الله عليه وسلم «أحثوا في وجوه المداحين التراب»، ولكن أعي أيضاً نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن ننقص من أقدار الناس وأمره صلى الله عليه وسلم بأن ننزلهم منازلهم في قوله الشريف «أنزلوا الناس منازلهم»، وفي قوله «من لم يشكر الناس لم يشكر الله عز وجل».
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم حين يعلمنا هذا الأدب فإنه يعلمنا في الوقت نفسه أدب القرآن الكريم في قوله تعالى «ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين» - «هود /85»، من هذا المنطلق القرآني والنبوي أجدني لا أتردد في أن أحييكم جلالة الملك وأشد على يديكم في سياستكم الحكمية التي ترعى حقوق المواطنة وتحقن دماء الناس وتحفظ وحدة الصف، وتوفر الأمن والسالم لشعبك ووطنك.. فسر على بركة الله وأثبت على النهج الذي اخترته بعد أن هداك الله إليه وهو نهج التآخي والإصلاح، فهو الطريق - الذي لا طريق غيره- في هذا المنعطف الذي تمر به منطقتنا العربية وشرقنا الإسلامي.
هذا وإن مجلس حكماء المسلمين الذي يعقد دورته الثامنة في المنامة ليشاركني هذه الرؤى التي عرضت طرفاً منها، ويُقلقه ما يُقلق كل مخلص من أبناء هذه الأمة مما ألمَّ ببلاد العروبة في السنوات الأخيرة، من إصرار أعدائها على تمزيق هذه المنطقة وتفكيكها وإبقائها في مرحلة ما بين الحياة والموت، يشعلون نار الفتنة وحرائق الحروب، لتبقى هذه الأمة رهن السيطرة والهيمنة، حتى يأتي يوم تجد الأمة نفسها فيه وجهاً لوجه أمام تقسيم جديد، لا يبقي معه عربٌ ولا عروبة.
ولا يملُّ الأزهر الشريف ولا مجلس حكماء المسلمين من التذكير الدائم والنداء المتكرر لعلماء المسلمين - أولاً - وقبل الجميع أن يتقوا الله في شعوبهم وأن يكونوا على قدر المسؤولية أمام الله تعالى وأمام ضمائرهم في القيام بواجبهم في إنهاء بث خطاب الفتنة والكراهية، وإعادة الثقة والأمل في نفوس الناس .. وليعلم كل منا أننا سنُسأل أمام الله تعالى عن هذه الأمة الجريحة وعن شعوبها المرهقة بالدماء والقنابل والهدم والفرار على وجوهها في الفيافي والقفار، في غير ما ذنب اقترفته، وفي معارك ليس لها فيها ناقة ولا جمل.
واسمحوا لي - حضرة صاحب الجلالة - أن أعلن على لسان مجلس حكماء المسلمين حرص المجلس الشديد بل بالغ الشدة على وحدة الأمة الإسلامية، والرفض القاطع لأي عملٍ أو فكر يُؤدي إلى التنازع وإلى فشل المسلمين، أو يهدف إلى إقصاء المسلمين عن الإسلام، والإبقاء على فريقٍ بعينه ومنح لقب الإسلام لطائفة، ومنعه عن طائفة أخرى، وأن شعار مجلس الحكماء في هذه الفتنة العمياء المضلة هو شعار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي حسم الأمر بقوله الشريف: «من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته»، وقال شُرَّاح هذا الحديث: «فيه أن أمور الناس محمولةٌ على الظاهر دون الباطن، فمن أظهر شعائر الدين أُجريت عليه أحكام أهله».
حضرة صاحب الجلالة..
أكرر شكري لكم، وأتمنى لكم ولشعبكم الكريم دوام الحكمة والتوفيق في كل أموركم، كبيرها وصغيرها، وجليلها ودقيقها، وأسأل الله تعالى الذي جمع شمل هذا الوطن على كلمة الحق والدين وعافاه مما ابتلى به غيره، أن يديم على شعبه نعمة التآلف والأمن والرقي والرخاء اللهم آمين.
شكراً لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد كلمة شيخ الأزهر الشريف، أثنى عاهل البلاد المفدى على ما ورد في خطاب فضيلته، وقال جلالته «إن بلدكم البحرين أصبح نهجها نهج التسامح والتعايش وهذا توارثه الآباء والأجداد من آلاف السنين».
ورحب عاهل البلاد المفدى بالحضور وقال جلالته «إن مملكة البحرين مجتمع متحابب، يحرص على وحدته ومحبته وأخوته، ونحرص على النأي به من التطرف وأن زيارتكم لنا هي دعم لهذا التوجه»، معرباً جلالته عن سعادته بأن تكون مملكة البحرين أحد المراكز لمجلس حكماء المسلمين سائلاً الله تعالى أن تكرر زيارتكم لنا في البحرين للاستفادة من هذه النخبة الجليلة من العلماء.