عواصم - (وكالات): قال محللون وسياسيون إن «السعودية قد تعمد إلى تقليص تعاونها مع الولايات المتحدة، خاصة على المستوى التجاري والاقتصادي والاستخباراتي بعد إقرار الكونغرس الأمريكي قانوناً يتيح لأقارب ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر مقاضاة المملكة»، متوقعين أن «التجارة والاستثمارات الثنائية بين واشنطن والرياض قد يلحق بها ضرر»، مشيرين إلى أن «السعودية ربما ترى القرار مثابة طعنة في الظهر».
وقوبل القانون الأمريكي بسخط من مواطنين سعوديين، وقالوا إن «بوسع المملكة أن تقيد التعاملات الاقتصادية والصلات الأمنية رداً على هذه الإساءة الواضحة». وأقر الكونغرس أمس الأول قانون «العدالة ضد رعاة الأعمال الإرهابية - جاستا»، معطلاً بذلك «فيتو» الرئيس باراك أوباما الذي سبق له رفض القانون على خلفية أنه قد يشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي.
وقال رئيس لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأمريكية سلمان الأنصاري إن «هذه الشراكة ساهمت في تزويد السلطات الأمريكية بمعلومات استخبارية دقيقة»، مبدياً خشيته من أن تكون للقانون الجديد «انعكاسات إستراتيجية سلبية».
ويتيح القانون للناجين من أحداث نيويورك وواشنطن 2001 وأقارب الذين قضوا فيها، التقدم بدعاوى قضائية في المحاكم الأمريكية ضد حكومات أجنبية للمطالبة بتعويضات، في حال ثبوت تورط الحكومات في الاعتداءات التي راح ضحيتها زهاء 3 آلاف شخص. ونفت الرياض أي دور لها في الهجمات. كما لم تثبت التحقيقات الأمريكية التي وجهت الاتهام لتنظيم القاعدة، أي ضلوع رسمي سعودي. إلا أن 15 شخصاً من أصل 19 خطفوا الطائرات التي نفذت بها الهجمات في نيويورك وواشنطن، كانوا سعوديين. وجمعت بين واشنطن والرياض منذ عقود علاقات وثيقة قوامها النفط والتسليح والأمن. إلا أن الروابط شهدت محطات تباين خلال عهد أوباما، خصوصاً مع تقارب واشنطن وإيران في ظل الاتفاق حول الملف النووي لإيران مع الدول الكبرى. ورأى المحللون أن «التعاون الأمني قد يصبح موضع شك، إضافة إلى مجالات تعاون أخرى أبرزها المالي والاقتصادي.
وأوضح الأنصاري «السعودية طعنت في الظهر من خلال هذا القانون غير المدروس وغير الواقعي»، سائلاً «كيف يمكنك مقاضاة بلد يتعاون وإياك في مجال، هو نفسه الذي توجه له فيه اتهامات غير مسندة؟».
وبحسب المستشار الأول مدير برنامج الأمن والدفاع ودراسات مكافحة الإرهاب في مركز الخليج للأبحاث مصطفى العاني، فإن على السعودية «تقليص الاستثمارات المالية في الولايات المتحدة، وتقليص التعاون السياسي والأمني» مع واشنطن.
وكانت تقارير صحافية أشارت سابقاً إلى أن السعودية لوحت بسحب مليارات الدولارات من الاستثمارات في الولايات المتحدة في حال إقرار القانون». ورأى الصحافي والمحلل السعودي جمال خاشقجي أنه «سيكون صعباً جداً على المملكة العربية السعودية أن تواصل التعاون الاستخباري» مع الولايات المتحدة بعد أن اتخذت الأخيرة «موقفاً عدائياً كهذا».
وكان أوباما استخدم حق النقض «الفيتو» ضد القانون الذي أقره الكونغرس في وقت سابق. إلا أن مجلسي الشيوخ والنواب أعادا التصويت، فأيد 348 نائباً تعطيل الفيتو الرئاسي في مقابل 77. وفي مجلس الشيوخ، أيد التعطيل 97 سناتوراً من 98.
وندد أوباما بالقرار «الخاطئ» للكونغرس، مؤكداً في تصريحات صحافية إن ما جرى هو «تصويت سياسي»، وإن القانون «يخلق سابقة خطيرة».
وتعتبر الإدارة الأمريكية أن القانون من شأنه أن يقوض مبدأ الحصانة التي تحمي الدول ودبلوماسييها من الملاحقات القانونية، وقد يعرض الولايات المتحدة لدعاوى قضائية أمام المحاكم في كل أنحاء العالم. وسبق لدول خليجية أن أعربت عن قلقها من احتمال إصدار القانون. وحذر وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد في وقت سابق هذا الشهر، من أن قوانين مماثلة «ستؤثر سلباً على الجهود الدولية والتعاون الدولي لمكافحة الإرهاب».
وغداة إصداره، حذرت البحرين في تصريحات لوزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، من أن إقرار القانون سيرتد على واشنطن نفسها.
وقال في تغريدة عبر حسابه على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي، إن «#قانون_جاستا، سهم أطلقه الكونغرس الأمريكي على بلاده»، مضيفاً «أليس منكم رجل رشيد؟».
اقتصادياً، هبط الريال السعودي مقابل الدولار الأمريكي في سوق المعاملات الآجلة بعد تصويت الكونغرس.
وقد يستغرق أي إجراء قضائي سنوات عبر النظام الأمريكي ويقول المحللون إن التأثير على الاقتصاد السعودي أو الموارد المالية للمملكة قد يكون محدوداً إذا حدث هذا. وذكرت تقارير أن التهديد القضائي قد يجعل الرياض تمتنع على الأرجح عن اختيار نيويورك لإدراج أسهم شركتها النفطية العملاقة «أرامكو». وتكهن بعض المحللين بأن العلاقات التجارية والاستثمارية بين السعودية والولايات المتحدة قد تتضرر. وتملك المملكة سندات خزانة أمريكية بقيمة 95.5 مليار دولار وفق أحدث بيانات أمريكية رسمية ويعتقد أنها تملك أصولاً أمريكية أخرى وحسابات مصرفية بما لا يقل عن هذه القيمة. من جهته، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور الجمهوري عن تنيسي بوب كوركر إنه حاول التوصل إلى حل وسط قبل أن يبطل الكونغرس الفيتو الرئاسي.