منذ نعومة أظفار هذا الكوكب وجمال ملامحه البريئة وصولاً إلى شيخوخته وملامحه الباهتة، مازال الإنسان يعيش بداخل صراعات متواصلة سواء كانت هذه الصراعات داخل الإنسان نفسه أو مع بيئته أو مع عالمه بشكل عام، شقت طريقها وسارت فيه بغض النظر هل هي تسير في الطريق الصحيح أم لا؟
بدأت حيث بدأ العالم بتكوين نفسه بصورة حقيقية وواقعية، ربما استطاع الإنسان في بدايتها أن يصنع عالمه الإسلامي الذي شهد اتساعاً كبيراً في رقعته ونهضة واسعة وكبيرة في عدة مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والسياسية، ومضى الإنسان يتخطى الأزمنة والعصور إلى أن وصل إلى عصر شهد حربين عالميتين أدتا إلى انهيار العالم بأكمله ومن رحم هذه الحرب ولادة ما يسمى «بمنظمة الأمم المتحدة «، والكثير من المنظمات الأهلية والإغاثية لأنها كانت شاهد عيان على ما حدث للعالم الذي خرج مهلكاً تماماً من حربين أدتا إلى تشويه تام في ملامحه.
ولكن كلنا جميعاً درسنا هذه الحروب التي مر بها العالم بأكمله من حيث أسبابها وعواملها ونتائجها، ولكننا لم ندرس جيداً أو لم نأخذ بعين الاعتبار الدرس المستفاد منها.
هناك الكثير من المفاهيم التي وجدت ولكن لم تطبق أو تستخدم بشكل صحيح، أكبر دليل مفهوم «الحرب» ويقصد بالحرب -كما قال المنظر العسكري البروسي كارل فون كلاوزفيتز في كتابه عن الحرب- أنها «عمليات مستمرة من العلاقات السياسية، ولكنها تقوم على وسائل مختلفة». والذي أعرفه عن الحرب بأنها تستهدف فقط المواقع العسكرية، ولكن ما نراه اليوم في العديد من البلدان نقيض ذلك، وكأنه أصاب العالم لبس كبير في هذا المفهوم وينبغي أن يدرس جيداً، لأنه هناك أرواح تزهق دون سبب، وأطفال يحرمون من أبسط حقوقهم ويعيشون أعماراً ليست بأعمارهم الحقيقية، وشيوخ كبار بدلاً من أن يعيشوا بسلام بعد سنين طوال نجدهم يعانون من سوء الحياة والدمعة تختزن بأعينهم، وأمهات وآباء بدلاً من أن يزفوا أولادهم لأعلى المناصب نراهم يزفونهم أمواتاً ولكنهم أحياء عند الله يرزقون.
السؤال هنا هل أصبح شبح الحرب رفيق الإنسان الدائم له؟ وهل أصبح أمراً اعتيادياً له ؟ هناك أسئلة كثيرة مخزونة في عقليتي المتفكرة ما هو السبب في إخفاق السلام الذي أوصى به دين السلام؟ هل سنرى السلم والأمان يستوطن العالم من جديد؟ قد تنفد الكلمات وترهق من التعبير ولكن إليكم ما قاله محمود درويش:
وأنت تعد فطورك، فكر بغيرك / لا تنس قوت الحمام
وأنت تخوض حروبك، فكر بغيرك / لا تنس من يطلبون السلام
وأنت تسدد فاتورة الماء، فكر بغيرك / من يرضعون الغمام
وأنت تعود إلى البيت، بيتكَ، فكر بغيرك / لا تنس شعب الخيام
وأنت تنام وتحصي الكواكب، فكر بغيرك / ثمةَ من لم يجد حيزاً للمنام
وأنت تحرر نفسك بالاستعارات، فكر بغيرك / من فقدوا حقهم في الكلام
وأنت تفكر بالآخرين البعيدين، فكر بنفسك / قل: ليتني شمعة في الظلام
مريم حميد