في مثل هذه الأيام من شهر الله المُحرم -وبالتحديد في اليوم العاشر- أهلك الله طاغيةً من طغاة الأرض بعد عُمُر طويل قضاه في محاربة الله ورسوله والمؤمنين: شرك بالله، وظلم للخلق، وتكبر وعناد، واحتقار للحق وأهل الرشاد، إنه فرعون ذو الأتاد وجماعته الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، فصبَّ عليهم ربك سَوط عذاب.
مجرم لم تر البشرية مثله: تعدى على حق الخالق والمخلوق، ادعى أنه رب يُعبَد فقال: «أنا ربكم الأعلى»، وزعم أنه إله يُوحَّد فقال: «ما علمتُ لكم من إلهٍ غيري»، وارتكب أبشع صور الظلم في استعباد بني إسرائيل «إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شِيَعاً يستضعفُ طائفةً منهم يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين».
لم يكتف فرعونُ في استعباد الأجساد، بل سعى وتطلع لاستعباد القلوب إلا أن فئة من بني إسرائيل وقفت له بالمرصاد وواجهته بصبرها وحاربته بإيمانها فثبتت وجاهدت مع نبي الله موسى -عليه السلام- سعياً منها لإقامة العدل والقضاء على مظاهر الظلم التي عمت أرجاء مصر آنذاك.
دخل نبينا -عليه الصلاة والسلام- المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: (وما ذاك) قالوا: يوم أنجى الله فيه موسى وغرَّق فرعون. فصامه موسى شكراً لله، فنحن نصومه تبعاً لموسى. فقال: (أنا أولى بموسى منكم) فصامه وأمر بصيامه فرحاً بانتصار الحق على الباطل، فكانت سنة مستحبة لهذه الأمة.
نعم.. انتصرت تلك الفئة المؤمنة القليلة بعون ربها سبحانه ثم بصبرها وإيمانها، وهلك ذاك الطاغية الفاسد ولم ينفعه ملكه ولم تُغنِ عنه أمواله وجنده.
ذهب وزال ذاك الذي نصب شعار «ما أريكم إلا ما أرى» وكانت نهايته أن أغرق في البحر وألقم الطين وأُذل وأُهين، «وأورثنا القوم الذين كانوا يُستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها، وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا، ودمرنا ما كان يصنع فرعونُ وقومُه وما كانوا يعرشون»، وجعله الله آيةً وعبرة لمن خلفه «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية».
وتركت هذه الحادثة رسالةً لمن جاء بعدها، نصها: أن لا تشركوا بالله شيئاً، وإياكم والظلم، وإياكم وقتل الأبرياء، والحذر الحذر من الغلو ومجاوزة الحد، واجتنبوا تقديم آرائكم على شرع ربكم، وتواضعوا؛ تسلموا وتغنموا وتُفلحوا وتُرفعوا.
وقد استدار الزمان اليوم كهيئته وعاد فئام من الناس لإحياء سنة فرعون: في إظهار الشرك، وسفك الدماء، واستعباد الخلق، وسلب الحقوق، وتحقير وتسفيه وبطر الحق وحملته، واستبداد في الرأي وتقديمه على كلام الله ورسوله!
وما يفعله مجرمو الشام وحوثة اليمن ودواعش العالم وسائر أهل الابتداع والعصبية ليس عن هدي فرعون ببعيد، ولا خير فيمن كان فرعون قدوته والظلم مذهبه وملته.
محمد مطهر كليب