زهراء حبيب
لم تقف طموح المرأة البحرينية عند حدود المهن التي تتناسب مع طبيعتها كأنثى، بل تخطت حدود المألوف لتثبت لنفسها أولاً وللآخرين بأن قدرات المرأة تفوق المستحيل، وتبوأت مناصب قيادية في البلاد في كافة الأصعدة.
واقتحمت المرأة البحرينية المجال القانوني والعدلي منذ أكثر من 40 عاماً مضت، لتسجل اسمها في صفوف القضاء الواقف» المحاماة»، لتسخر الطريق لقريناتها الطامحين في دخول هذا السلك، ومن هذا الباب تفتحت أبواب آخرى أثبتت فيها قدرتها على العمل في مجالات أكثر تعقيداً، ومنها التعامل مع كميات من السموم والعقاقير لاستنباط الحق ولكشف تفاصيل الجريمة.
وفي اليوم العالمي للمرأة البحرينية الموافق الأول من ديسمبر، والذي خصص وبمبادرة كريمة من صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة قرينة ملك مملكة البحرين رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، للاحتفاء بالمرأة العدلية والقانونية، حاورت جريدة «الوطن» رئيسة مختبر السموم والعقاقير في الأدلة المادية أحلام الماجد خريجة هندسة كيمائية من جامعة البحرين، انتقلت من العمل كمهندسة في شركة تصميم إلى العمل بمجال مختبرات الأدلة المادية التابعة للنيابة العامة.
والتحقت في عدة دورات تدريبية بمجال عملها كمهندسة كيمائية وفي العلم الجنائي، ولالقاء الضوء على أبرز إنجازاتها وطبيعة عملها والكشف عن ماهو جديد في عالم المخدرات والسموم، وهذا نص الحوار:
* ماهي البدايات؟
درست هندسة كيمائية في جامعة البحرين، وبعد التخرج عملت فترة كمهندسة في شركة تصميم وبعدها التحقت بعملي الحالي وتمت تهيئتي عن طريق دورات داخلية كالتدرب بالمختبر الجنائي التابع لوزارة الداخلية لمدة سنه تقريباً ودورات خارجية في عدة دول كتايوان وبريطانيا والكويت ودبي ومصر.
وكان للصدفة دور مهم في التحاقي في الأدلة المادية التابعة للنيابة العامة، إذ شاءت الصدف أن ألتقي بصديقتي خريجة علم الأحياء والتي كانت قد بدأت عملها في الإدارة العامة للأدلة المادية مؤخراً، وبعد فترة أبلغتني عن وجود وظائف شاغرة لعدد من المهندسين الكيمائيين، وكنت أطمح للعمل في هذا المجال، لإشباع حبي بالعمل بقضايا الطب الشرعي لما يحيطها من غموض، ورحلة البحث عن الحقيقة، وعلى الفور تقدمت بطلب للوظيفة دون تردد وتم قبولي.
وتتلمذت على يد المدير العام السابق للإدارة المرحوم محمد عبدالرسول الخياط والمدير الحالي أ. عبدالناصر عبدالعزيز، في ظل توجيهات النائب العام الدكتور على بن فضل البوعينين، على أبرز خطوات النجاح والإبداع، وتعد من الطاقم التأسيسي للإدارة العامة، ولتنال مسمى رئيس مختبر جنائي.
* ما سبب اختيارك مجال عمل غريب عن طبيعة المرأة الحساسة ورجولي أن صدق التعبير؟
منصب ومسمى رئيس مختبر جنائي، يعد تكليفاً وليس تشريفاً، وعملنا يحتاج للدقة والرجل يلجأ لنا في بعض التحضيرات والفحوصات، لما تتمتع به النساء من حرصها على معرفة أدق الأمور وأصغر الخبايا، وجود المرأة في المختبر إضافة نوعية للعلم الجنائي، وهو تخصص لا يفرق بين امرأة ورجل بل ينصف الأجدر.
* ما الإجراءات التي يتبعها القسم؟
مجال عملنا بمختبر السموم والعقاقير يدخل فيه أكثر من أمر، فيصل إلينا المضبوطات المادية والعينات البيولوجية وذلك لفحصها عن المواد المخدرة والمؤثرات العقلية والسمية.
إن الإجراءات المتبعة من استلام القضايا وفحصها، يسري بآلية معينة دقيقة وهي فحص المضبوط كمحتوى ومطابقته مع الحرز وتسجيله بالسجلات وبعدها تبدأ عملية تصوير القضية وفحصها بعدة فحوصات لا يقل عن اثنين للمادة ويصدر تقرير يراجع ويُعتمد من قبل رئيس المختبر ومن ثم يرسل للجهة المعنية طالبة الفحص، وتحفظ أوراق القضية بعد تصويرها ضوئياً في سجلات الإدارة.
* ما أنواع المخدرات المضبوطة في البحرين، هل هناك حشيش صناعي منتشر في مملكة البحرين؟
المضبوطات أنواعها مختلفة، فمثلاً هنالك الحشيش والشبو والامفيتامين ونبات الماريغوانا والمخدرات الصناعية كالحشيش الصناعي «الكيميكال» الذي تم إدراجه مؤخراً بالقانون البحريني.
وتعرفنا على المادة في عدة قضايا وردت إلى القسم، وبعد الفحص تبين بأنها حشيش صناعي والذي له مئات الأنواع وتأثيراته أضعاف مضاعفة عن الحشيش الطبيعي.
* ما الحشيش الصناعي؟
عبارة عن خلطات عشبية يتم رشها بمركبات كيميائية مناظرة للمركبات الموجود في الحشيش.
* عدد القضايا المضبوطة خلال عام 2015 للحشيش الصناعي؟
وصل الحشيش الصناعي للبحرين خلال 3 سنوات الماضية، وما يزال انتشاره محدود في البلاد حتى الآن، ضبط خلال العام الماضي نحو 37 قضية حشيش صناعي معظمهم خليجيين، ولكن مجرد وصوله للبحرين يجلب معه مخاوف انتشاره على مستوى أكبر في الأيام المقبلة، وبفضل جهود المنظمات المختصة تم إدراجه في القانون البحريني.
* ما هي نوعية المخدرات الأكثر انتشاراً في البحرين؟
البحرين مثلها مثل إي بلد آخر قد ينتشر فيها نوع معين من المخدرات خلال فترة معينة ولكن لا تصل إلى الظاهرة وذلك ليقظة رجال الأمن واستخدام احدث الأجهزة لضبط المخدرات.
*هل المختبر متخصص في العقاقير والمخدرات فقط؟
كلا، فمن اختصاصات المختبر فحص العينات عن المواد الطيارة كالبترولية والمبيدات الحشرية والسموم بأنواعها سواء بالجثث المشتبه فيها أو بالأطعمة والمواد.
ولا يتوقف عمل المختبر عند هذا الحد، إذ يدخل من ضمن اختصاصه فحص عينات الدم الخاصة بالمجني عليهن في قضايا الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي لمعرفة أن كن تناولن مخدر دون علمهن قبل الجريمة، أو حبوب مسببة للإجهاض في قضايا الإجهاض.
هل تشكل قضايا الاغتصاب والاعتداء الجنسي نسبة كبيرة ضمن القضايا الواردة للقسم؟
قضايا الاغتصاب وهتك العرض ليست بالنسبة الكبيرة بالنسبة للمجتمع البحريني لنظرا لطبيعة البيئة المحافظة المتمسكة بالأخلاق ولكن القضايا التي ترد للقسم في الغالب الأعم من الأجانب المقيمين.
وبالنسبة للوفيات؟
فإن نسبة الوفيات من قضايا الوفيات المشتبه بالنسبة العرب سببها جرعة زائدة سواء المخدرات أو الكحول، و 90% من قضايا الأجانب حالة انتحار.
يتعامل مختبر السموم والعقاقير مع العبوات المتفجرة؟
إن هذا العمل من اختصاصات مختبر الكيمياء الذي يقوم بفحص المضبوطات عن المواد المعجلة للاشتعال والمتفجرة ومخلفات الإطلاق والكحولية و أي مواد كيميائية مشتبهه.
* ماهي أكثر قضية غامضة شكلت تحدي بالنسبة لك؟
مجموعة من القضايا، بشكل مجمل هي القضايا التي يصعب تحديد المادة المسببة للوفاة وذلك لقلة العينات المضبوطة أو لعدم صلاحيتها على سبيل المثال.
* في ظل تعاملك مع هذا الكم والنوع من السموم والعقاقير والمواد المشتبه بها، لم ينتابك شعور بالخوف يوماً؟
لم أشعر بالخوف يوماً، فشغفي بعملي الذي اخترته بمحض إرادتي يشعرني بالأمان، فالسعادة التي تعتريني كلما فككت لغز قضية ما، تقتل هذا الشعور بداخلي لتزرع مكانه التحدي والأمل والصبر والمثابرة لتعلم كل ماهو جديد في هذا المجال المتجدد، والعلم الذي لا ينضب.
بمساندة النائب العام الذي لم يألُ جهداً منذ بداية تأسيس إدارة الأدلة المادية على تعزيز دور المرأة البحرينية وانخراطها في مجالات عدة، وتقديم الدعم المادي والمعنوي لكل سيدة تعمل في النيابة العامة والأدلة المادية حتى نالت مراكز رئيسية في بعض الأقسام، ومع كل هذا الاحتضان لقدرات النساء فلا مجال للخوف في قاموس حياتي المهنية.
* ما لذي حققته لك بيئة عملك؟
حب التحدي والإطلاع والمعرفة على كل ما هو جديد في المجال الجنائي، وحب العمل الجماعي المتقن.
* هل تواجهين مصاعب في عملك وحياتك العائلية؟
لا توجد مصاعب تذكر، فإدارة المختبر بالتعاون مع النائب العام تسعى دائماً إلى تلبية احتياجات المختبر.
وعلي الصعيد العائلي، فلا أواجه أي مصاعب بل أتلقى التشجيع والحث على المثابرة منهم.
* أمنية؟
قبل الأمنيات أتقدم بالشكر للمجلس الأعلى للمرأة على هذه المبادرة بتخصيص يوم المرأة البحرينية لعام 2016 للاحتفال بالمرأة القانونية والعدلية، وإبراز بصمات ونجاح المرأة كمحامية وقاضية وقانونية وخبيرة في مجال العلم الجنائي وغيرها.
كما الشكر موصول إلى النائب العام لدعمه المستمر للعضوات النيابة العامة، والمرأة في إدارة الأدلة المادية، وثقته التامة بقدراتها في التمييز، ومنحها الأدوات اللازمة لتحقيق حلمها من خلال تسليحها بالعلم والتدريب المتواصل.
وأتمنى ألا تقف المرأة البحرينية عند هذا الطموح وأن تحقق المرأة العدلية مناصب أعلى في ظل القيادة الحكيمة.