من طبيعة الإنسان السوي -على المستوى الفردي والجماعي- أنه ينشد السلام والاطمئنان والاستقرار، محافظة على كيانه من الأذى، وعلى ممتلكاته من الاعتداء، وتتسع دائرة ذلك لتشمل وطنه وإخوانه المواطنين أولاً، ومن ثم الأوطان المجاورة له وشعوبها، وفي العصر الحديث الذي تقاربت فيه البلدان بفضل وسائل المواصلات والاتصالات وتشابك المصالح بين بلدان الكرة الأرضية وشعوبها، أصبحت تلك الأهداف أكثر مطلباً وإلحاحاً.الرسل والأنبياء، جاؤوا بالرسالات السماوية الداعية إلى نبذ التحارب والاقتتال بين البشر، وإنهم -أي البشر-، هم الخلفاء في الأرض لإعمارها والاستفادة من خيراتها الظاهرة للعيان والمخبوءة في جوفها، منفعة تعم الجميع، كذلك نلمس ما يقوم به أصحاب العقول الراجحة من الفلاسفة والمصلحين، والصافية قلوبهم والفارغة من الحقد والحسد، المملوءة بالحب، والنابذة للكراهية. وقعت حادثة في عهد الإسكندر الأكبر، تناقلتها كتب التاريخ، وهو أنه تفقد مواطنيه يوماً، فلم يرَ بينهم فيلسوفاً بعينه، فسأل عنه، فقيل له، إنه هذه الأيام ملازم المقبرة، فامتطى صهوة جواده ترافقه كوكبة من خاصته وحراسه، وذهب إلى المقبرة؛ وشاهد من بعيد من يسأل عنه، واقترب منه، ولم يرفع ذلك الفيلسوف عينه عن الأرض التي ينبش فيها، فألقى الإسكندر سؤالاً عليه بعد أن حياه: (ماذا تفعل هنا؟)، فرد الفيلسوف: (منذ مدة وأنا هنا بين هذه القبور أبحث عما يفرق هؤلاء الموتى بين ملك ومملوك فلم أجد!!) ففهم الإسكندر المقدوني بذكائه المعنى، ومن بعد هذه الحادثة أو الدرس العظيم من ذلك الفيلسوف، خصص فتوحاته لنصرة العدل، وإنصاف المظلوم، وما قصة بناء السد بين القبائل الظالمة المدمرة للحرث والنسل وهم يأجوج ومأجوج -الوارد ذكرها في القرآن الكريم في سورة الكهف- وبين أصحاب المدن العامرة المطمئنة المزدهرة المظلومين؟ بناه دون مقابل، فعمهم السلام. يا من تدمرون دولكم وشعوبكم الأبرياء بأفتك وسائل القتل الجماعي في الوطن العربي والإسلامي خاصة ودول أخرى، إني أدعوا كل الأطراف إلى الاحتكام إلى عقولهم، ونبذ الاحتراب، والمقارنة بين الحرب والسلام، والجلوس إلى طاولة الحوار البناء الذي يحفظ لدولهم وحدتها والتعايش السلمي، والنهوض بمبدأ التسامح ليكون المواطن لأخيه المواطن معواناً على الخير، لا تلتفتوا إلى من يريد تمزيقكم ومص دمائكم، وصرف أموالكم على شراء السلاح، وإذا طال أمد الحروب -وهذا مطلب أعدائنا الأول- تزداد الضحايا، وتنتشر الأحقاد والكراهية بيننا، ويكثر الخراب، ومن ثم يصعب التعمير والتآلف بين الأخ وأخيه. وأخيراً، دعونا جميعاً نعلي راية أوطاننا بالسلام ونبذ الخصام، والالتفاف حول قيادتنا بالعون والمناصرة، وأن تكف الدول المستقوية عن عدوانها لتريح وتستريح ويعم السلام العالم أجمع.يوسف محمد بوزيد