بقلم - د.محمد السيد:
مقدمة:
سباق الرئاسة الأمريكية مفتوح على كل الاحتمالات حتى اللحظة الأخيرة.
هذه مجموعة مقالات تحمل آراء وتحليلات عن سباق الرئاسة الأمريكية للعام 2016.
وجاءت هذه المقالات توثيقاً ليوميات هذه المنافسة الانتخابية الساخنة بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب على منصب الرئاسة الأمريكية.
وتؤرخ هذه المقالات للشوط الأخير من هذه المنافسة.
هذا الشوط الذي بدأ بعد انتخاب المرشحين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب في مؤتمري الحزبين الجمهوري والديمقراطي -في يوليو وأغسطس تباعاً- والذي يستمر حتى يوم الانتخابات الرئاسية في الثامن من نوفمبر.
ومرت هذه المنافسة الانتخابية بعدة محطات مهمة كان لها أثرها الواضح على مسارات الرأي العام الأمريكي.
وكانت أولى هذه المحطات تتمحور حول مؤتمري الحزبين المتنافسين الجمهوري والديمقراطي لانتخاب مرشحيهم لمنصب الرئاسة. وقد انعكس ترشيح ترامب ممثلاً للجمهوريين في سباق الرئاسة على استطلاعات الرأي العام بعد المؤتمر مباشرة وأعطت تفوقاً واضحاً «وإن لم يكن كبيراً» لترامب على كلينتون وذلك على أعتاب شهر أغسطس. ولكن الأمر انعكس تماماً بعد مؤتمر الديمقراطيين والذي اختار كلينتون مرشحاً للرئاسة. إذ إن كلينتون اكتسبت زخماً كبيراً دفع بها في منتصف أغسطس إلى تجاوز ترامب بنسبة كبيرة بلغت 12 نقطة.
أما المحطة الثانية، فقد كانت تراجع نسب تفوق كلينتون على ترامب وتقلص الفارق بينهما، حتى وصل نقطة واحدة أو نقطتين، في منتصف سبتمبر.
وأرجع المراقبون ذلك لتردي الحالة الصحية لكلينتون مما أدى لتزايد الشكوك حول قدراتها الجسدية للقيام بمتطلبات منصب الرئاسة الأمريكية.
أما المحطة الثالثة فقد كانت حول المناظرة الأولى بين كلينتون وترامب التي تمت في الثالث والعشرين من سبتمبر. وأتاحت المناظرة فرصة كبيرة للجمهور الأمريكي أن يرى المتنافسين وجهاً لوجه ويحكم بصورة مباشرة عليهما.
وقد جاء الحكم سريعاً. تفوقت كلينتون في المناظرة الأولى ورفعت الفارق بينها وترامب إلى أكثر من خمس نقاط.
وكانت المحطة الرابعة هي ما أجمع المراقبون على تسميته بـ«مفاجأة أكتوبر». وقد حدثت هذه المفاجأة أوائل أكتوبر حين عرض شريط فيديو يسمع فيه دونالد ترامب يتلفظ بعبارات بالغة الفحش وروايته لمواقف خادشة للحياء ومهينة أثناء تعامله مع عدد من النساء.
وأدى ظهور هذا الشريط إلى نقمة واسعة بين النساء وكثير من الرجال على ترامب. وانعكس ذلك على استطلاعات الرأي إذ تزايد تفوق كلينتون على ترامب حتى وصل إلى 12 نقطة في بعض الاستطلاعات.
وأتت بعد ذلك المناظرتان الثانية والثالثة واستمرت كلينتون في تفوقها الواضح على ترامب.
أما المحطة الخامسة فقد حدثت يوم الجمعة الثامن والعشرين من أكتوبر وقبل أحد عشر يوماً فقط من الانتخابات الرئاسية، وذلك حين قرر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية - الإف بى أي - جيمس كومي الاستمرار في التحقيقات حول احتمال ارتكاب هيلارى كلنتون مخالفات قانونية فى تعاملها من خلال الإيميل مع معلومات صنفت على أنها سرية أثناء عملها كوزيرة للخارجية إبان إدارة أوباما الأولى.
وكان كومي قبل ذلك، قد برأ ساحة كلينتون في ذات التحقيق الذي استمر أكثر من عام.
ويجمع كثير من المراقبين على أن هذه المحطة قد تكون مفاجأة أكتوبر الثانية ولكنها هذه المرة قد تؤثر على فرص هيلاري كلينتون بالفوز. ذلك أن هذا الموضوع قد صار الأهم تناولاً من وسائل الإعلام الأمريكية. وكما ثبت في الماضي بهذه الحملة الانتخابية، أن المرشح الأكثر تناولاً في وسائل الإعلام يكون هو أو هي الأكثر عرضة للتراجع في استطلاعات الرأي العام.
وبهذا المعنى فإن هذا التطور الأخير قد يصبح خصماً على فرص كلينتون في الفوز بالرئاسة الأمريكية.
ونسبة لقرب هذا التطور الأخير من موعد الانتخابات فإنه من الصعوبة معرفة أثره على استطلاعات الرأي بدقة الآن.
وعليه فإن على المراقبين متابعة استطلاعات الرأي العام حتى اللحظة الأخيرة، ذلك أن السباق أصبح مفتوحاً على كل الاحتمالات بالرغم من أن كلينتون مازالت متقدمة على ترامب بحوالي خمس نقاط.
** المناظرة الثانية
10-8 أكتوبر
ظهور فيديو فاضح قبل المناظرة الثانية: قبل 48 ساعة من المناظرة الثانية بين كلينتون وترامب وهي الفرصة الأخيرة لترامب لوقف تقدم كلينتون المتواصل عليه في استطلاعات الرأي، ظهر تسجيل صوتي يصاحبه فيديو، يرجع لعام 2005، لترامب يتحدث فيه حديثا فاضحاً عن تعامله مع النساء لا يمكنني أن أذكر ما قاله ترامب وذلك لفحشه البالغ الذي يخدش الحياء. وكما تعرفون من مقالات سابقة كتبتها عن مشكلة ترامب مع النساء المتعلمات تعليما جامعيا، فإن هذه الحادثة قد تكون القاضية على جميع فرصه في الفوز بالرئاسة الأمريكية.
المناظرة الثانية في نقاط سريعة: انتهت المناظرة الثانية بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب في الخامسة والنصف فجر الإثنين العاشر من أكتوبر 2016. أداء ترامب كان احسن في المناظرة الثانية. وقد هاجم كلينتون بكفاءة حول مشكلتها مع الإيميل. لكنه فشل في التعامل مع حادثة التسجيل الذي تحدث فيه بوقاحة عن النساء. كلينتون كان أداؤها جيداً ولكنه لم يرق إلى أدائها المتميز في المناظرة الأولى. لم ينجح ترامب في إقناع مجموعات ديموغرافية مهمة يحتاج لها لتحسين فرصه في النجاح. ولكنه إلى حد ما قد يكون نجح في وقف هروب الجمهوريين عنه.
نتيجة المناظرة: كلينتون لم تنجح في إنزال الضربة القاضية على ترامب ولكنها حافظت على وتيرة تفوقها عليه في استطلاعات الرأي.
النتيجة العامة: من ناحية، لن تغير هذه المناظرة موقف المتنافسين في السباق الذي تتقدم فيه كلينتون على ترامب، ومن ناحية أخرى فستقل الدعوة داخل الجمهوريين له بالانسحاب واحتمال إحلال مترشح جمهوري آخر محله.
وهذا يعنى كسباً لكلينتون. لأن بقاءه في السباق وهو بهذا الضعف لفشله في هذه المناظرة في استقطاب النساء البيض المتعلمات تعليماً جامعياً يجعل منه خصماً يسهل هزيمته. وأكدت استطلاعات الرأي التي أجريت مباشرة بعد المناظرة الانطباعات التي ذكرناها أعلاه. فبحسب الاستبيان الذي أعقب المناظرة والذي قامت به شبكة «سي إن إن» الأمريكية فإن كلينتون كسبت المناظرة بنسبة 57% مقابل 43 % لترامب. وذلك مقارنة بالمناظرة الأولى التي تفوقت فيها كلينتون بنسبة 72% مقابل 27% لترامب.
تداعيات: تداعيات مهمة بدأت تترى بعد إذاعة الشريط الفاضح لترامب. اقترح أعضاء في الحزب الجمهوري على ترامب أن يتنحى ويصعد مكانه مايك بنس مرشحه لنائب الرئيس. ولكن هذا الاقتراح تقف أمامه تعقيدات كثيرة أهمها أن التصويت بدأ منذ أيام في بعض الولايات إضافة للذين صوتوا غيابياً من خارج ولاياتهم، كما أن هناك دعوات لأن يستقيل مايك بنس نفسه حتى يحافظ على مستقبله السياسي الذي قد يشمل ترشحه للرئاسة الأمريكية عام 2020 أو عام 2024. المشكل الآن ليس ترامب. لأنه يبدو أن عدداً من قيادات الحزب الجمهوري قد يأسوا من إمكانية فوزه في الانتخابات الرئاسية. المشكلة الآن تجاوزت ترامب إلى احتمال خسارة مرشحيهم لمجلس الشيوخ» وقد بدأ عدد من هؤلاء المرشحين، التنصل من دونالد ترامب- خوفاً من العدوى. مفاجأة أكتوبر: هناك شيء معروف في أدبيات الانتخابات الرئاسية الأمريكية يسمى بمفاجأة أكتوبر، ويقصدون بها الحدث الذي يحسم الانتخابات لصالح أحد المرشحين. الآن المراقبون يتحدثون عن بث شريط ترامب اللاأخلاقي باعتبار انه قد يكون مفاجأة أكتوبر لهذه الدورة الانتخابية. بالإضافة لذلك، توالى نشر كمية كبيرة من التصريحات الفاضحة لترامب، من مقابلات عديدة تمت بينه وبين الإذاعي الفاضح هاورد ستيرن - وذلك في برنامجه الذي يستمع إليه الملايين في أمريكا.
وتصريحات ترامب هذه المرة لا تقل سوءاً عما نشر قبلها. الله أعلم بمآلات الأمور، ولكن ترامب يخسر كثيراً هذه الأيام.
** ثلاثة أسابيع قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية
الثلاثاء - الأربعاء 18/19 أكتوبر
ساعات قبل المناظرة الأخيرة: في التاسعة مساء الأربعاء بتوقيت الساحل الشرقي لأمريكا، الرابعة فجر الخميس بتوقيت مكة ستجرى المناظرة الثالثة والأخيرة، بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب. وتتناول وسائل الإعلام الأمريكية هذه الأيام، عدد من الموضوعات أهمها التنبؤات التي يطلقها ترامب، بأن نتائج الانتخابات سيجرى تزييفها والتلاعب بها. وحاول مايك بنس، المرشح لمنصب نائب الرئيس من قبل ترامب، أن يخفف من آثار هذه التنبؤات -التي تشكك في مصداقية النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة، بأجمعه- بقوله إن ترامب يقصد مجازاً أن التغطية الإعلامية المتحيزة ضده هي بمثابة التلاعب بنتائج الانتخابات. ولكن ترامب عاد بعد دقائق قليلة وقال صحيح إنه كان يقصد الإعلام مجازاً ولكنه أضاف أنه أيضاً يقصد أن نتائج الانتخابات سيتلاعب بها حقيقة في صناديق الاقتراع. من ناحية أخرى. مازال ترامب يعاني من تداعيات شريط الفيديو الذي يسمع فيه تلفظه بحديث خادش للحياء، يصف فيه سلوكه الفاحش تجاه النساء، والاعتداء الجنسي عليهن -من غير خوف من أي ملاحقة قضائية- ذلك أن نجوميته -بزعمه- تجعله فوق المساءلة. أما هيلاري كلينتون فقد انقطعت في بيتها عن الظهور العام -كما فعلت في المرتين السابقتين- استعداداً للمناظرة الأخيرة. ومازالت تسريبات ويكيليكس المحرجة -لرسائل الإيميل من حملتها الانتخابية- تتواصل بوتيرة مطردة، ولكن من غير أن يكون لها ضرر واضح على فرصها في الفوز.
ويرجع المراقبون ذلك لثلاثة أمور:
أولاً: رسائل الإيميل المسربة صادرة من أعضاء في حملة كلينتون وليس من كلينتون نفسها. وذلك في مقارنة مع تسريبات ترامب التي وردت بصوته هو وصورته.
ثانياً: هذه التسريبات المتعلقة بكلينتون لا تحمل معلومات يمكن أن يبنى عليها اتهامات مباشرة ضد كلينتون وإلصاق المسؤولية بها؛ أو ما يعرف في الإنجليزية بـthere's no smoking gun.
ثالثاً: الاتهامات من قبل الحكومة الأمريكية بأن هذه التسريبات تقف وراءها جهات أجنبية تحاول أن تؤثر على الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح ترامب، مما جعل الكثيرين يتشككون في مصداقيتها.
أين يقف السباق الآن؟
تتراوح فرص نجاح هيلاري كلينتون بالرئاسة ما بين تقديرات إحصاء تجمع برنستون PEC والذي أعطى كلينتون نسبة 97% للفوز بالرئاسة ومجموعة 538 التي أعطتها نسبة 88%.
وقد نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» جدولاً يبين، نسب النجاح المرصودة لكلينتون- من قبل 6 مؤسسات إعلامية وإحصائية، وذلك بناء على متوسط نتائج جميع الاستبيانات التي أجريت. والاختلافات المحدودة التي تظهر بين هذه المؤسسات ترجع إلى طرقها الخاصة في معالجة هذه الاستبيانات من حيث إعطائها معادلات مختلفة تقييم أوزانها حسب نماذج إحصائية خاصة بكل مؤسسة Statistical Models. وأوضحت الاستبيانات الوطنية -التي تهتم برصد نسب مجموع الأصوات التي من المتوقع أن يحرزها كل مرشح في جميع ولايات أمريكا ما يعرف بالـPopular Vote- أن الفرق هو 6 أو 7 نقاط لصالح كلينتون هذا يمثل أكثر التقديرات تحفظاً. إذ إن هناك إحصاءات تعطى كلينتون 12 نقطة فوق ترامب، مثل الاستبيان الذي أعلنته اليوم جامعة مانموث.
لماذا تقدمت كلينتون؟
كان ترامب قد اكتسب زخماً كبيراً في منتصف سبتمبر الماضي بسبب تردى الحالة الصحية لهيلاري كلينتون. وقد اقترب جداً منها في استبيانات الرأي العام والتي أظهرت حينها فرقاً لا يكاد يذكر بنسبة 1% التي تقع داخل هامش الخطأ، ولكن المناظرة الأولى في 26 سبتمبر قلبت الموازين. كان أداء كلينتون رئاسياً أي أنها أثبتت اتزاناً في الشخصية وعقلانية في التعامل مع الأحداث وقدرة على شغل منصب الرئاسة بكفاءة وذلك بعكس ترامب الذي ظهر انفعالياً تسهل إثارته. وقد وجدت كلينتون الفرصة في إنزال الضربة القاضية به knock out حين اتهم قدرتها الجسدية على تحمل أعباء المنصب her stamina وقد كانت مستعدة لهذا السؤال مما مكنها من تحويل مسار المناقشة وتسليط الضوء بقوة وفضح نظرة ترامب الدونية للنساء وسجله المزري في معاملتهن. تعاطفت النساء، خاصة ذوات التعليم الجامعي، مع موقف كلينتون، وابتعدن عن ترامب وما يمثله من شوفينيتة ذكورية. ثم جاءت مفاجأة أكتوبر القاصمة The October Surprise. الشريط الفاضح لترامب الذي ذكرناه مسبقاً. وقد أجمعت قطاعات كبيرة من النساء أنه لا يمثل فقط تجاوزات لفظية تحقر النساء جنسياً، بل إنه يصف اعتداءات جنسية يجرمها القانون ويرفضها العرف. وجاءت المناظرة الثانية وفيها قال ترامب إنه يعتذر عما بدر منه، وإن ما قاله في شريط الفيديو هو مجرد كلام يدور بين رجال في خلوتهم بعيداً عن الآخرين locker room banter. وهنا سأله مذيع CNN أندرسون كوبر مرتين ذات السؤال: هل نفهم من كلامك يا مستر ترامب أنك لم تقم فعلاً بمثل هذه الأشياء التي وصفتها في حديثك المسجل على شريط الفيديو؟ أجاب ترامب: قطعاً، إننى لم أقم بفعل أى شيء من هذه الأشياء. ولم تمر أيام حتى ظهرت أعداد من النساء في وسائل الإعلام يؤكدن مرورهن بمواقف مع ترامب قام فيها بأفعال تطابق تماماً ما كان وصفه في حديثه المسجل. وبلغ عددهن 9 نساء حتى الآن. وانعكس ذلك على مسارات الرأي العام وسط النساء. وأبان أحد الاستطلاعات، أن نسبة النساء اللاتي قلن إنهن سيصوتن لكلينتون، تزيد بفارق 31 نقطة على من قلن إنهن سيصوتن لترامب. هذه نسبة غير مسبوقة. ولذلك ظهر عنوان- لموقع مهم في تغطية الانتخابات الرئاسية الأمريكية- يقول: النساء يهزمن ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
حروب ترامب الثلاث: يقول المراقبون إن ترامب، بدلاً عن أن يركز حملته حصرياً ضد كلينتون، قد أصبح منشغلاً ليل نهار بحروب جانبية أخرى. لقد أصبح ترامب يخوض الحرب، في ذات الوقت، على جبهات ثلاث. حرب ضد كلينتون. وحرب ضد مؤسسة الحزب الجمهوري - ممثلة في رئيس الأغلبية الجمهورية بول رابان، وكثيرون من أمثاله من الجمهوريين الذين بدؤوا بالابتعاد عنه علناً. وحرب ضد وسائل الإعلام. وشتت هذه الحروب جهد حملته، وجعلته كدون كيشوت الذي قضى أيامه الأخيرة، يصارع طواحين الهواء.
ملاحظات قصيرة حول المناظرة الثالثة والأخيرة: أهم النقاط في المناظرة: رفض ترامب التصريح بوضوح بأنه سيقبل نتائج الانتخابات. وفي تقديري أن هذا الرفض والذي يشكك في جوهر النظام الديمقراطي من أصله سيكون كارثة على ترامب وسيضعف من فرصه للفوز بالرئاسة لدرجة كبيرة. لأن ذلك يعد خروجاً بائناً على جميع التقاليد السياسية التي تشكل أساس الدولة الأمريكية لقرابة القرنين ونصف.
* بالرغم من أن ترامب سجل نقاط قوية في هذا النقاش ضد كلينتون لكنه لم يستطع أن يخاطب ويقنع النساء اللاتي تحولن عنه بعد سلسلة الأحاديث الفاضحة والسلوك الشوفيني ضد مجموعة من النساء.
كرر ترامب خطأه بتوجيه خطابه لمؤيديه حصرياً ولم يستطع أن يتوجه للفئات الديمغرافية التي يحتاجها للفوز. أعني المتعلمين من النساء والرجال البيض الذين يسكنون في المدن إضافة للأمريكيين السود واللاتينيين والآسيويين والمسلمين وذوي الإعاقة وكثير من المجموعات الأخرى. كل ما كانت تحتاجه هيلاري كلينتون هو أن تحافظ على تقدمها الواضح في استطلاعات الرأي العام وألا ترتكب خطأ كبيراً في هذه المناظرة. ونجحت في تحقيق ذلك بدون أدنى شك. بل إن المراقبين شهدوا لها بأنها لم ترتكب أي خطأ في أي من المناظرات الثلاث. وأجمعوا بأن ذلك يرجع لتحضيرها الممتاز وجلدها واجتهادها مما جعلها في كامل الاستعداد وانضباطها وعدم استجابتها للاستفزاز والمقاطع المتصلة من ترامب.
* من ناحية أخرى -ونسبة للتراجع الواضح الذي يحيط بفرصه في الفوز- كان مطلوباً من ترامب أن يحقق انتصاراً مدوياً في هذه المناظرة حتى يكون له أدنى فرصة للفوز بالرئاسة. ببساطة، ترامب لم ينجح في تحقيق ذلك.
من كسب المناظرة الأخيرة: استبيان للرأي نظمته «سي إن إن» مباشرة بعد المناظرة الثالثة حول من فاز في المناظرة، أعطى نسبة 52 % لكلينتون مقابل 39 % لترامب.
وآخر استبيانات الرأي الذي قامت به محطة التلفزة الأمريكية ABC أظهر تفوقاً لكلينتون على ترامب بـ12 نقطة وأكثر مراكز قياس الرأي محافظة تعطى تفوقاً لكلينتون يصل إلى 6 نقاط.
* تسجيل يومي يتابع تطورات حملة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية يتناول فيه د.محمد السيد الأستاذ المساعد بقسم الإعلام بجامعة البحرين التطورات اليومية المتعلقة بالسباق الانتخابي
مقدمة:
سباق الرئاسة الأمريكية مفتوح على كل الاحتمالات حتى اللحظة الأخيرة.
هذه مجموعة مقالات تحمل آراء وتحليلات عن سباق الرئاسة الأمريكية للعام 2016.
وجاءت هذه المقالات توثيقاً ليوميات هذه المنافسة الانتخابية الساخنة بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب على منصب الرئاسة الأمريكية.
وتؤرخ هذه المقالات للشوط الأخير من هذه المنافسة.
هذا الشوط الذي بدأ بعد انتخاب المرشحين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب في مؤتمري الحزبين الجمهوري والديمقراطي -في يوليو وأغسطس تباعاً- والذي يستمر حتى يوم الانتخابات الرئاسية في الثامن من نوفمبر.
ومرت هذه المنافسة الانتخابية بعدة محطات مهمة كان لها أثرها الواضح على مسارات الرأي العام الأمريكي.
وكانت أولى هذه المحطات تتمحور حول مؤتمري الحزبين المتنافسين الجمهوري والديمقراطي لانتخاب مرشحيهم لمنصب الرئاسة. وقد انعكس ترشيح ترامب ممثلاً للجمهوريين في سباق الرئاسة على استطلاعات الرأي العام بعد المؤتمر مباشرة وأعطت تفوقاً واضحاً «وإن لم يكن كبيراً» لترامب على كلينتون وذلك على أعتاب شهر أغسطس. ولكن الأمر انعكس تماماً بعد مؤتمر الديمقراطيين والذي اختار كلينتون مرشحاً للرئاسة. إذ إن كلينتون اكتسبت زخماً كبيراً دفع بها في منتصف أغسطس إلى تجاوز ترامب بنسبة كبيرة بلغت 12 نقطة.
أما المحطة الثانية، فقد كانت تراجع نسب تفوق كلينتون على ترامب وتقلص الفارق بينهما، حتى وصل نقطة واحدة أو نقطتين، في منتصف سبتمبر.
وأرجع المراقبون ذلك لتردي الحالة الصحية لكلينتون مما أدى لتزايد الشكوك حول قدراتها الجسدية للقيام بمتطلبات منصب الرئاسة الأمريكية.
أما المحطة الثالثة فقد كانت حول المناظرة الأولى بين كلينتون وترامب التي تمت في الثالث والعشرين من سبتمبر. وأتاحت المناظرة فرصة كبيرة للجمهور الأمريكي أن يرى المتنافسين وجهاً لوجه ويحكم بصورة مباشرة عليهما.
وقد جاء الحكم سريعاً. تفوقت كلينتون في المناظرة الأولى ورفعت الفارق بينها وترامب إلى أكثر من خمس نقاط.
وكانت المحطة الرابعة هي ما أجمع المراقبون على تسميته بـ«مفاجأة أكتوبر». وقد حدثت هذه المفاجأة أوائل أكتوبر حين عرض شريط فيديو يسمع فيه دونالد ترامب يتلفظ بعبارات بالغة الفحش وروايته لمواقف خادشة للحياء ومهينة أثناء تعامله مع عدد من النساء.
وأدى ظهور هذا الشريط إلى نقمة واسعة بين النساء وكثير من الرجال على ترامب. وانعكس ذلك على استطلاعات الرأي إذ تزايد تفوق كلينتون على ترامب حتى وصل إلى 12 نقطة في بعض الاستطلاعات.
وأتت بعد ذلك المناظرتان الثانية والثالثة واستمرت كلينتون في تفوقها الواضح على ترامب.
أما المحطة الخامسة فقد حدثت يوم الجمعة الثامن والعشرين من أكتوبر وقبل أحد عشر يوماً فقط من الانتخابات الرئاسية، وذلك حين قرر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية - الإف بى أي - جيمس كومي الاستمرار في التحقيقات حول احتمال ارتكاب هيلارى كلنتون مخالفات قانونية فى تعاملها من خلال الإيميل مع معلومات صنفت على أنها سرية أثناء عملها كوزيرة للخارجية إبان إدارة أوباما الأولى.
وكان كومي قبل ذلك، قد برأ ساحة كلينتون في ذات التحقيق الذي استمر أكثر من عام.
ويجمع كثير من المراقبين على أن هذه المحطة قد تكون مفاجأة أكتوبر الثانية ولكنها هذه المرة قد تؤثر على فرص هيلاري كلينتون بالفوز. ذلك أن هذا الموضوع قد صار الأهم تناولاً من وسائل الإعلام الأمريكية. وكما ثبت في الماضي بهذه الحملة الانتخابية، أن المرشح الأكثر تناولاً في وسائل الإعلام يكون هو أو هي الأكثر عرضة للتراجع في استطلاعات الرأي العام.
وبهذا المعنى فإن هذا التطور الأخير قد يصبح خصماً على فرص كلينتون في الفوز بالرئاسة الأمريكية.
ونسبة لقرب هذا التطور الأخير من موعد الانتخابات فإنه من الصعوبة معرفة أثره على استطلاعات الرأي بدقة الآن.
وعليه فإن على المراقبين متابعة استطلاعات الرأي العام حتى اللحظة الأخيرة، ذلك أن السباق أصبح مفتوحاً على كل الاحتمالات بالرغم من أن كلينتون مازالت متقدمة على ترامب بحوالي خمس نقاط.
** المناظرة الثانية
10-8 أكتوبر
ظهور فيديو فاضح قبل المناظرة الثانية: قبل 48 ساعة من المناظرة الثانية بين كلينتون وترامب وهي الفرصة الأخيرة لترامب لوقف تقدم كلينتون المتواصل عليه في استطلاعات الرأي، ظهر تسجيل صوتي يصاحبه فيديو، يرجع لعام 2005، لترامب يتحدث فيه حديثا فاضحاً عن تعامله مع النساء لا يمكنني أن أذكر ما قاله ترامب وذلك لفحشه البالغ الذي يخدش الحياء. وكما تعرفون من مقالات سابقة كتبتها عن مشكلة ترامب مع النساء المتعلمات تعليما جامعيا، فإن هذه الحادثة قد تكون القاضية على جميع فرصه في الفوز بالرئاسة الأمريكية.
المناظرة الثانية في نقاط سريعة: انتهت المناظرة الثانية بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب في الخامسة والنصف فجر الإثنين العاشر من أكتوبر 2016. أداء ترامب كان احسن في المناظرة الثانية. وقد هاجم كلينتون بكفاءة حول مشكلتها مع الإيميل. لكنه فشل في التعامل مع حادثة التسجيل الذي تحدث فيه بوقاحة عن النساء. كلينتون كان أداؤها جيداً ولكنه لم يرق إلى أدائها المتميز في المناظرة الأولى. لم ينجح ترامب في إقناع مجموعات ديموغرافية مهمة يحتاج لها لتحسين فرصه في النجاح. ولكنه إلى حد ما قد يكون نجح في وقف هروب الجمهوريين عنه.
نتيجة المناظرة: كلينتون لم تنجح في إنزال الضربة القاضية على ترامب ولكنها حافظت على وتيرة تفوقها عليه في استطلاعات الرأي.
النتيجة العامة: من ناحية، لن تغير هذه المناظرة موقف المتنافسين في السباق الذي تتقدم فيه كلينتون على ترامب، ومن ناحية أخرى فستقل الدعوة داخل الجمهوريين له بالانسحاب واحتمال إحلال مترشح جمهوري آخر محله.
وهذا يعنى كسباً لكلينتون. لأن بقاءه في السباق وهو بهذا الضعف لفشله في هذه المناظرة في استقطاب النساء البيض المتعلمات تعليماً جامعياً يجعل منه خصماً يسهل هزيمته. وأكدت استطلاعات الرأي التي أجريت مباشرة بعد المناظرة الانطباعات التي ذكرناها أعلاه. فبحسب الاستبيان الذي أعقب المناظرة والذي قامت به شبكة «سي إن إن» الأمريكية فإن كلينتون كسبت المناظرة بنسبة 57% مقابل 43 % لترامب. وذلك مقارنة بالمناظرة الأولى التي تفوقت فيها كلينتون بنسبة 72% مقابل 27% لترامب.
تداعيات: تداعيات مهمة بدأت تترى بعد إذاعة الشريط الفاضح لترامب. اقترح أعضاء في الحزب الجمهوري على ترامب أن يتنحى ويصعد مكانه مايك بنس مرشحه لنائب الرئيس. ولكن هذا الاقتراح تقف أمامه تعقيدات كثيرة أهمها أن التصويت بدأ منذ أيام في بعض الولايات إضافة للذين صوتوا غيابياً من خارج ولاياتهم، كما أن هناك دعوات لأن يستقيل مايك بنس نفسه حتى يحافظ على مستقبله السياسي الذي قد يشمل ترشحه للرئاسة الأمريكية عام 2020 أو عام 2024. المشكل الآن ليس ترامب. لأنه يبدو أن عدداً من قيادات الحزب الجمهوري قد يأسوا من إمكانية فوزه في الانتخابات الرئاسية. المشكلة الآن تجاوزت ترامب إلى احتمال خسارة مرشحيهم لمجلس الشيوخ» وقد بدأ عدد من هؤلاء المرشحين، التنصل من دونالد ترامب- خوفاً من العدوى. مفاجأة أكتوبر: هناك شيء معروف في أدبيات الانتخابات الرئاسية الأمريكية يسمى بمفاجأة أكتوبر، ويقصدون بها الحدث الذي يحسم الانتخابات لصالح أحد المرشحين. الآن المراقبون يتحدثون عن بث شريط ترامب اللاأخلاقي باعتبار انه قد يكون مفاجأة أكتوبر لهذه الدورة الانتخابية. بالإضافة لذلك، توالى نشر كمية كبيرة من التصريحات الفاضحة لترامب، من مقابلات عديدة تمت بينه وبين الإذاعي الفاضح هاورد ستيرن - وذلك في برنامجه الذي يستمع إليه الملايين في أمريكا.
وتصريحات ترامب هذه المرة لا تقل سوءاً عما نشر قبلها. الله أعلم بمآلات الأمور، ولكن ترامب يخسر كثيراً هذه الأيام.
** ثلاثة أسابيع قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية
الثلاثاء - الأربعاء 18/19 أكتوبر
ساعات قبل المناظرة الأخيرة: في التاسعة مساء الأربعاء بتوقيت الساحل الشرقي لأمريكا، الرابعة فجر الخميس بتوقيت مكة ستجرى المناظرة الثالثة والأخيرة، بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب. وتتناول وسائل الإعلام الأمريكية هذه الأيام، عدد من الموضوعات أهمها التنبؤات التي يطلقها ترامب، بأن نتائج الانتخابات سيجرى تزييفها والتلاعب بها. وحاول مايك بنس، المرشح لمنصب نائب الرئيس من قبل ترامب، أن يخفف من آثار هذه التنبؤات -التي تشكك في مصداقية النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة، بأجمعه- بقوله إن ترامب يقصد مجازاً أن التغطية الإعلامية المتحيزة ضده هي بمثابة التلاعب بنتائج الانتخابات. ولكن ترامب عاد بعد دقائق قليلة وقال صحيح إنه كان يقصد الإعلام مجازاً ولكنه أضاف أنه أيضاً يقصد أن نتائج الانتخابات سيتلاعب بها حقيقة في صناديق الاقتراع. من ناحية أخرى. مازال ترامب يعاني من تداعيات شريط الفيديو الذي يسمع فيه تلفظه بحديث خادش للحياء، يصف فيه سلوكه الفاحش تجاه النساء، والاعتداء الجنسي عليهن -من غير خوف من أي ملاحقة قضائية- ذلك أن نجوميته -بزعمه- تجعله فوق المساءلة. أما هيلاري كلينتون فقد انقطعت في بيتها عن الظهور العام -كما فعلت في المرتين السابقتين- استعداداً للمناظرة الأخيرة. ومازالت تسريبات ويكيليكس المحرجة -لرسائل الإيميل من حملتها الانتخابية- تتواصل بوتيرة مطردة، ولكن من غير أن يكون لها ضرر واضح على فرصها في الفوز.
ويرجع المراقبون ذلك لثلاثة أمور:
أولاً: رسائل الإيميل المسربة صادرة من أعضاء في حملة كلينتون وليس من كلينتون نفسها. وذلك في مقارنة مع تسريبات ترامب التي وردت بصوته هو وصورته.
ثانياً: هذه التسريبات المتعلقة بكلينتون لا تحمل معلومات يمكن أن يبنى عليها اتهامات مباشرة ضد كلينتون وإلصاق المسؤولية بها؛ أو ما يعرف في الإنجليزية بـthere's no smoking gun.
ثالثاً: الاتهامات من قبل الحكومة الأمريكية بأن هذه التسريبات تقف وراءها جهات أجنبية تحاول أن تؤثر على الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح ترامب، مما جعل الكثيرين يتشككون في مصداقيتها.
أين يقف السباق الآن؟
تتراوح فرص نجاح هيلاري كلينتون بالرئاسة ما بين تقديرات إحصاء تجمع برنستون PEC والذي أعطى كلينتون نسبة 97% للفوز بالرئاسة ومجموعة 538 التي أعطتها نسبة 88%.
وقد نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» جدولاً يبين، نسب النجاح المرصودة لكلينتون- من قبل 6 مؤسسات إعلامية وإحصائية، وذلك بناء على متوسط نتائج جميع الاستبيانات التي أجريت. والاختلافات المحدودة التي تظهر بين هذه المؤسسات ترجع إلى طرقها الخاصة في معالجة هذه الاستبيانات من حيث إعطائها معادلات مختلفة تقييم أوزانها حسب نماذج إحصائية خاصة بكل مؤسسة Statistical Models. وأوضحت الاستبيانات الوطنية -التي تهتم برصد نسب مجموع الأصوات التي من المتوقع أن يحرزها كل مرشح في جميع ولايات أمريكا ما يعرف بالـPopular Vote- أن الفرق هو 6 أو 7 نقاط لصالح كلينتون هذا يمثل أكثر التقديرات تحفظاً. إذ إن هناك إحصاءات تعطى كلينتون 12 نقطة فوق ترامب، مثل الاستبيان الذي أعلنته اليوم جامعة مانموث.
لماذا تقدمت كلينتون؟
كان ترامب قد اكتسب زخماً كبيراً في منتصف سبتمبر الماضي بسبب تردى الحالة الصحية لهيلاري كلينتون. وقد اقترب جداً منها في استبيانات الرأي العام والتي أظهرت حينها فرقاً لا يكاد يذكر بنسبة 1% التي تقع داخل هامش الخطأ، ولكن المناظرة الأولى في 26 سبتمبر قلبت الموازين. كان أداء كلينتون رئاسياً أي أنها أثبتت اتزاناً في الشخصية وعقلانية في التعامل مع الأحداث وقدرة على شغل منصب الرئاسة بكفاءة وذلك بعكس ترامب الذي ظهر انفعالياً تسهل إثارته. وقد وجدت كلينتون الفرصة في إنزال الضربة القاضية به knock out حين اتهم قدرتها الجسدية على تحمل أعباء المنصب her stamina وقد كانت مستعدة لهذا السؤال مما مكنها من تحويل مسار المناقشة وتسليط الضوء بقوة وفضح نظرة ترامب الدونية للنساء وسجله المزري في معاملتهن. تعاطفت النساء، خاصة ذوات التعليم الجامعي، مع موقف كلينتون، وابتعدن عن ترامب وما يمثله من شوفينيتة ذكورية. ثم جاءت مفاجأة أكتوبر القاصمة The October Surprise. الشريط الفاضح لترامب الذي ذكرناه مسبقاً. وقد أجمعت قطاعات كبيرة من النساء أنه لا يمثل فقط تجاوزات لفظية تحقر النساء جنسياً، بل إنه يصف اعتداءات جنسية يجرمها القانون ويرفضها العرف. وجاءت المناظرة الثانية وفيها قال ترامب إنه يعتذر عما بدر منه، وإن ما قاله في شريط الفيديو هو مجرد كلام يدور بين رجال في خلوتهم بعيداً عن الآخرين locker room banter. وهنا سأله مذيع CNN أندرسون كوبر مرتين ذات السؤال: هل نفهم من كلامك يا مستر ترامب أنك لم تقم فعلاً بمثل هذه الأشياء التي وصفتها في حديثك المسجل على شريط الفيديو؟ أجاب ترامب: قطعاً، إننى لم أقم بفعل أى شيء من هذه الأشياء. ولم تمر أيام حتى ظهرت أعداد من النساء في وسائل الإعلام يؤكدن مرورهن بمواقف مع ترامب قام فيها بأفعال تطابق تماماً ما كان وصفه في حديثه المسجل. وبلغ عددهن 9 نساء حتى الآن. وانعكس ذلك على مسارات الرأي العام وسط النساء. وأبان أحد الاستطلاعات، أن نسبة النساء اللاتي قلن إنهن سيصوتن لكلينتون، تزيد بفارق 31 نقطة على من قلن إنهن سيصوتن لترامب. هذه نسبة غير مسبوقة. ولذلك ظهر عنوان- لموقع مهم في تغطية الانتخابات الرئاسية الأمريكية- يقول: النساء يهزمن ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
حروب ترامب الثلاث: يقول المراقبون إن ترامب، بدلاً عن أن يركز حملته حصرياً ضد كلينتون، قد أصبح منشغلاً ليل نهار بحروب جانبية أخرى. لقد أصبح ترامب يخوض الحرب، في ذات الوقت، على جبهات ثلاث. حرب ضد كلينتون. وحرب ضد مؤسسة الحزب الجمهوري - ممثلة في رئيس الأغلبية الجمهورية بول رابان، وكثيرون من أمثاله من الجمهوريين الذين بدؤوا بالابتعاد عنه علناً. وحرب ضد وسائل الإعلام. وشتت هذه الحروب جهد حملته، وجعلته كدون كيشوت الذي قضى أيامه الأخيرة، يصارع طواحين الهواء.
ملاحظات قصيرة حول المناظرة الثالثة والأخيرة: أهم النقاط في المناظرة: رفض ترامب التصريح بوضوح بأنه سيقبل نتائج الانتخابات. وفي تقديري أن هذا الرفض والذي يشكك في جوهر النظام الديمقراطي من أصله سيكون كارثة على ترامب وسيضعف من فرصه للفوز بالرئاسة لدرجة كبيرة. لأن ذلك يعد خروجاً بائناً على جميع التقاليد السياسية التي تشكل أساس الدولة الأمريكية لقرابة القرنين ونصف.
* بالرغم من أن ترامب سجل نقاط قوية في هذا النقاش ضد كلينتون لكنه لم يستطع أن يخاطب ويقنع النساء اللاتي تحولن عنه بعد سلسلة الأحاديث الفاضحة والسلوك الشوفيني ضد مجموعة من النساء.
كرر ترامب خطأه بتوجيه خطابه لمؤيديه حصرياً ولم يستطع أن يتوجه للفئات الديمغرافية التي يحتاجها للفوز. أعني المتعلمين من النساء والرجال البيض الذين يسكنون في المدن إضافة للأمريكيين السود واللاتينيين والآسيويين والمسلمين وذوي الإعاقة وكثير من المجموعات الأخرى. كل ما كانت تحتاجه هيلاري كلينتون هو أن تحافظ على تقدمها الواضح في استطلاعات الرأي العام وألا ترتكب خطأ كبيراً في هذه المناظرة. ونجحت في تحقيق ذلك بدون أدنى شك. بل إن المراقبين شهدوا لها بأنها لم ترتكب أي خطأ في أي من المناظرات الثلاث. وأجمعوا بأن ذلك يرجع لتحضيرها الممتاز وجلدها واجتهادها مما جعلها في كامل الاستعداد وانضباطها وعدم استجابتها للاستفزاز والمقاطع المتصلة من ترامب.
* من ناحية أخرى -ونسبة للتراجع الواضح الذي يحيط بفرصه في الفوز- كان مطلوباً من ترامب أن يحقق انتصاراً مدوياً في هذه المناظرة حتى يكون له أدنى فرصة للفوز بالرئاسة. ببساطة، ترامب لم ينجح في تحقيق ذلك.
من كسب المناظرة الأخيرة: استبيان للرأي نظمته «سي إن إن» مباشرة بعد المناظرة الثالثة حول من فاز في المناظرة، أعطى نسبة 52 % لكلينتون مقابل 39 % لترامب.
وآخر استبيانات الرأي الذي قامت به محطة التلفزة الأمريكية ABC أظهر تفوقاً لكلينتون على ترامب بـ12 نقطة وأكثر مراكز قياس الرأي محافظة تعطى تفوقاً لكلينتون يصل إلى 6 نقاط.
* تسجيل يومي يتابع تطورات حملة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية يتناول فيه د.محمد السيد الأستاذ المساعد بقسم الإعلام بجامعة البحرين التطورات اليومية المتعلقة بالسباق الانتخابي