بقلم - د. محمد السيد:
بالأمس انتهت الحملة الانتخابية الأكثر شراسة في التاريخ المعاصر لأمريكا، واليوم يذهب عشرات الملايين من الأمريكيين للإدلاء بأصواتهم لاختيار الرئيس رقم 45 للولايات الأمريكية المتحدة. وحتى هذه اللحظة فإن استطلاعات الرأي تشير إلى أن فرص الفوز مفتوحة على كل الاحتمالات، وأن أي من المرشحين هيلارى كلينتون أو دونالد ترامب يمكن أن يفوز في هذا السباق. وإن كانت فرص كلينتون بالفوز تعد أكبر من فرص ترامب، إلا أنه لايمكن الجزم بالنتيجة النهائية في هذا الوقت.
وعليه رأيت أن أكتب هذا المقال شارحاً فيه مآلات فوز أي منهما بالرئاسة الأمريكية وأثره على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. وسأفعل ذلك استناداً لموقفيهما المعلنيين طوال حملتيهما الانتخابيتين للفوز بالرئاسة.
ويرى بعض المحللين أنه من الخطأ الاعتماد على تصريحات المترشحين أثناء الحملة الانتخابية للتنبؤ بما سيكون عليه سلوكهم وهم على سدة الرئاسة. ويقولون إن الرؤساء يصطدمون بإكراهات الواقع مما يجعلهم يغيرون مواقفهم المعلنة سابقاً.
ولكن هذا الرأي تكذبه الدراسات التي تشير إلى أن عدداً من الرؤساء الأمريكيين المعاصرين قد حقق أكثر من 70 % من وعودهم الانتخابية حين أصبحوا رؤساء، ومن بينهم الرئيس الحالي باراك أوباما.
بحسب الكاتب ايفان اوسنس في مقاله في مجلة «نيويوركر» فإن مواقف ترامب في السياسة الخارجية ترتكز على 3 أسس: أن أمريكا تحاول - أكثر مما يجب - أن تحل مشكلات العالم، وأن الاتفاقيات التجارية التي عقدتها مع كثير من دول العالم تساهم في تدمير أمريكا، وأن المهاجرين إلى أمريكا يمثلون كارثة ويشكلون تهديداً كبيراً على المجتمع الأمريكي. والآن لنأتي لبعض مواقفه حول قضايا الشرق الأوسط. لخص جون هادوك نائب مدير مركز الإدارة العامة الناجعة التابعة لمعهد بروكنز مواقف دونالد ترامب في النص التالي: «تنظيم الدولة «داعش»، كان دونالد ترامب متردداً بشأن التدخل في الصراع في سوريا، بحجة أنه لم تكن لديه مشكلة في ترك روسيا تحارب تنظيم الدولة. وقال إنه لا حاجة إلى التدخل الأمريكي وإنّ الولايات المتحدة تستطيع ببساطة «الاهتمام بالبقايا» بعد أن تهزم روسيا التنظيم. ويؤيد ترامب قصف حقول النفط العراقية لقطع إيرادات التنظيم، ولكنه يريد أيضاً أن تزوّد العراق الولايات المتحدة بـ 1.5 تريليون دولار أمريكي من عائدات النفط لسداد تكاليف الحرب». ويدعم ترامب قتل أسر مقاتلي «داعش» في محاولة لوضع حدّ للتجنيد. ويقول إنّه ينبغي القضاء على التنظيم قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع الأسد». وعن سوريا واللاجئين، يقول ترامب إنه «سيمنع اللاجئين من دخول الولايات المتحدة وإنه سيمنع جميع المسلمين من الدخول إلى البلاد حتى يقوم نظام الهجرة بتحسين إجراءات الفرز». ومؤخراً استبدل ترامب الموقف العام بالقول إنه «سيمنع الهجرة من جميع البلدان التى يأتي منها خطر الإرهاب». وحول ايران والاتفاق النووي، «يعارض ترامب الاتفاق النووي مع إيران ويقول إنه قادر على التفاوض على صفقة أفضل، كما ويؤيد زيادة العقوبات الاقتصادية لأكثر مما كانت عليه قبل الاتفاق على ما يفترض». وبشأن اسرائيل، أعرب ترامب عن «دعمه الكبير لإسرائيل كشريك عسكري واقتصادي، ويؤيد التحالف الوثيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو».
اما بشأن دول الخليج، فيطالب ترامب بأن تتحمل دول الخليج كلفة إقامة مناطق آمنة في سوريا، مضيفاً أنّ الولايات المتحدة يمكن أن تساهم ببعض المساعدة في هذا الإطار. وفي قضايا أخرى، يقول ترامب إنه سيعيد التفاوض في كل الاتفاقات التجارية الأمريكية التي تضرّ بمصالح الولايات المتحدة، بحجة أنه قادر على التفاوض على صفقات أفضل.
ويضيف جون هادوك أن اعادة التفاوض في هذه الاتفاقات قد يؤدى إلى التاثير على الاتفاقات التجارية القائمة مع بعض دول الخليج. اما فيما يتعلق بمواقف هيلارى كلينتون، فيظن الكثيرون انها ستكون امتدادا لسياسة اوباما الخارجية، ولكن هذا قد لا يكون صحيحا بحسب المقربين من مواقع القرار والخبراء. وذلك أن كلينتون اتخذت مواقف أكثر تشدداً من مواقف اوباما تجاه روسيا وسوريا وإيران. وأنقل هنا تصريحاً مهماً للمستشار الأول لكلينتون في مجال السياسة الخارجية جيك سوليفا، حيث قال «إننا نحتاج إلى استراتيجية أمريكية أكثر فعالية في الشرق الأوسط». وأضاف «أننا يجب أن نرفع التكلفة على إيران جراء أفعالها المهددة للاستقرار في المنطقة، وأننا يجب أن نرفع ثقة شركائنا من السنة بأن الولايات المتحدة ستكون معهم هناك ساعة الحاجة». ونرجع مرة أخرى إلى جون هادوك من معهد بروكنز في رصده لمواقف هيلاري كلينتون من قضايا الشرق الأوسط، حيث قال عن موقف كلينتون من «داعش»: «تقدّم كلينتون استراتيجية من ثلاثة أجزاء للتعامل مع التنظيم. يتضمن الجزء الأول هزيمة التنظيم في العراق وسوريا من خلال زيادة العمليات الاستخباراتية، وزيادة ضربات قوات التحالف الجوية، وشن حملة برية تدعمها قوات أمريكية خاصة يقودها العراقيون السنة والأكراد وتضمّ شركاء أوروبيين ودولاً عربية مجاورة. ويركّز الجزء الثاني على قطع تمويل التنظيم وشبكاته (...) وإشراك المجموعات المحلية والمجتمعات المسلمة في جميع أنحاء العالم للمساعدة في مكافحة التطرف، بالإضافة إلى مكافحة التجنيد عبر الإنترنت بشكل نشط. أما الجزء الثالث، فيركّز على الأنظمة الدفاعية في الولايات المتحدة، مما يحدّ من قدرة الدولة الإسلامية على اختراق الحدود الأمريكية أو التجنيد من داخلها». ويصف هادوك موقف كلينتون من سوريا وقضية اللاجئين، بالقول: «بالتزامن مع الجهود لمكافحة التنظيم، تدعم كلينتون فكرة العمل مع مجموعات محلية لإزالة الأسد من الحكم والتخطيط للانتقال إلى حكومة معتدلة (...)، تؤيد كلينتون فرض منطقة حظر جوي فوق شمال سوريا قرب الحدود التركية، وإنشاء مناطق آمنة للاجئين تمكّنهم من البقاء في سوريا، في مأمن من التنظيم ونظام الأسد. وستقوم كلينتون بإشراك العالم العربي للمساعدة في دعم المناطق الآمنة. بالإضافة إلى ذلك، تدعم كلينتون استقبال الولايات المتحدة لعشرات الآلاف من اللاجئين ودفعها للحلفاء الأوروبيين والعرب لاستقبال المزيد من اللاجئين».
ووصف جون هادوك موقف كلينتون من إيران والاتفاق النووى، قائلاً «تقدّم كلينتون استراتيجية خماسية للتعامل مع إيران وهي: أولاً، تعميق التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل. وثانياً، التأكيد على أنّ منطقة الخليج تشكّل مصلحة أمريكية حيوية من خلال وجود عسكري قوي والحفاظ على مضيق هرمز مفتوحاً وزيادة التعاون الأمني مع دول مجلس التعاون الخليجي. وثالثاً، مكافحة وكلاء إيران في الدول الأخرى. ورابعاً، التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان في إيران، وخامساً، العمل مع دول عربية لوضع استراتيجية إقليمية شاملة. وتؤيد كلينتون الاتفاق النووي مع إيران وتصفه بمقاربة «غير موثوق بها، ولكن تحققت». وقالت إنها سوف تلجأ إلى عقوبات إضافية أو إلى القوة العسكرية إذا لزم الأمر لفرض الاتفاق.
ويضيف هادوك: «تدعم كلينتون التحالف القوي والمتين مع إسرائيل، فضلاً عن حلّ الدولتين. وقالت إنها ستدعو رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى البيت الأبيض في خلال الشهر الأول من رئاستها لتعيد الالتزام بالتحالف بين البلدين ولإظهار تضامنها مع إيران. كما قالت إنها ستلتزم بأمن إسرائيل». ويشرح جون هادوك موقف هيلاري كلينتون تجاه دول الخليج: «تريد كلينتون أن تعيد التأكيد على أنّ منطقة الخليج شريك مهم من الناحية الأمنية والتجارية والدفاعية. وقالت إنّ السعودية أساسية من أجل التغلب على «داعش» وتحييد إيران وتحقيق الاستقرار في المنطقة. كما أن كلينتون ملتزمة بحماية دول مجلس التعاون الخليجي من التوغل الإيراني».
* الأستاذ المساعد بقسم الإعلام بجامعة البحرين