أكد نواب وشوريون وأخصائيون قانونيون ونفسيون أهمية الجهود التي بذلها المجلس الأعلى للمرأة طيلة السنوات السابقة في سبيل إنشاء محاكم للأسرة ضمن مبنى مستقل تكفل خصوصية الأزواج المتقاضين وتبعد أطفالهم عن ردهات المحاكم الأخرى وبما يكفل تعزيز استقرار الأسرة والمجتمع، وبما يواكب توجيهات جلالة الملك المفدى، ويساير روح ميثاق العمل الوطني ومواد الدستور.
وقالوا إن دعوة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك المفدى رئيسة المجلس الأعلى للمرأة خلال المؤتمر الوطني الثالث للمرأة البحرينية مؤخراً إلى إنشاء محاكم مستقلة للأسرة أسهمت في تتويج جهود المجلس في هذا الإطار، وأسفرت عن حراك على جميع المستويات من أجل تحقيق هذا المطلب، وأعربوا عن تقديرهم لكل الجهود التي تبذل في هذا الإطار.
وأشاروا إلى أهمية رفد هذه المحاكم بكوادر متخصصة من قضاة وأخصائيين نفسيين واجتماعيين، ضمن منظومة إجراءات تقاضي تتيح للزوجين المتخاصمين والأطفال أقصى ما يمكن من أجواء الخصوصية والطمأنينة والراحة النفسية، وتحد من أية حالة عنف ربما تنجم عن الطلاق وما يترتب عليه من قضايا نفقة وحضانة وغيرها.
من جانبه، أكد الدكتور عيسى تركي عضو مجلس النواب أن إنشاء محاكم الأسرة وتخصيص مبنى مستقل لها إنما يواكب ما نص عليه ميثاق العمل الوطني، والدستور.
وقال كذلك حظيت الأسرة باهتمام كبير من جلالة الملك المفدى، ورأينا ذلك جلياً في خطاب جلالته في افتتاح الدور التشريعي الحالي عندما أكد جلالته على دور ومساهمة المرأة البحرينية في جميع الميادين لتكافؤ حضورها، وإشادة جلالته بدور المجلس الأعلى للمرأة طوال مسيرته التي امتدت الأكثر من 15 سنة.
وأضاف لذا بات من الضروري لاستكمال هذه الرؤية والمسار الحقوقي إنشاء محاكم الأسرة كبيئة قانونية تتعامل بشكل رئيس مع المسائل ذات العلاقة الأسرية والمنزلية بهدف خلق محاكم مهنية متخصصة بالمسائل الأسرية لضمان جودة وسرعة تسوية المنازعات الأسرية في إطار من الخصوصية وفي ظروف تضمن عدم المساس بمؤسسة الأسرة وتوفير تدابير تزيد من تماسك الأسرة وتحفظها من الانهيار وإيجاد فضاء واسع للإصلاح الأسري. وتابع أن كيان الأسرة له خصوصية وأسرار وسمو ويجب مراعاتها وحفظها وصونها ليس فقط من خلال التشريعات وإنما أيضاً من خلال توفير بيئة تضمن وتعزز هذه الخصوصية والسرية بإنشاء محاكم الأسرة التي تأتي امتداداً للمحاكم الشرعية، وتعتبر تطويراً في أنظمة القضاء.
وكشف أنه تقدم بأكثر من مقترح بقانون ومقترح برغبة لمساعدة الأسرة للقيام بواجبها الاجتماعي والوطني، وكان آخرها مقترح برغبة لإنشاء مراكز الدعم الأسري من اهدفها إيجاد بيئة آمنة وراقية لتنفيذ الأحكام الشرعية والمحافظة على الاستقرار النفسي لأفراد الأسرة.
وأشار إلى أن إنشاء محاكم الأسرة يعزز من منظومة التشريعات والقوانين والإجراءات المعنية باستقرار الأسرة البحرينية.
وقال جاء إصدار قانون أحكام الأسرة القسم الأول في عام 2009 كخطوة نوعية متميزة وإضافة قيمة للمنظومة التشريعية الوطنية البحرينية، كما كان لصدور قانون الطفل في عام 2012، بجانب «قانون الحماية من العنف الأسري» في عام 2015، وصدور مرسوم بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات أمام المحاكم الشرعية في عام 2015، في وجوب عرض الدعوى على مكتب التوفيق الأسري قبل إحالتها ونظرها أمام المحكمة صدى حقوقي وقانوني إيجابي كبير، وبالتالي شكلت هذه المنظومة القانونية إطاراً واضحاً لبيان الحقوق والالتزامات الأسرية وفق الشريعة ومبادئ العدالة والإنصاف ونطاق حمايتها ووقايتها من التعدي والانتهاك.
من جانبه، أكد عضو مجلس الشورى بسام البنمحمد أن موضوع محاكم الأسرة يعتبر من المواضيع المهمة جداً بالنسبة للمجتمع البحريني لما فيه من خصوصية، مشيدا بالتوجهات الدافعة لإنشاء هذا النوع من المحاكم.
وقال كما تعودنا دائماً من صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك ورئيسة المجلس الأعلى للمرأة ومن المجلس الأعلى للمرأة بأن يبادر في طرح الحلول لكل ما يمس الأسرة البحرينية ويعلي من شأنها.
وأضاف نحن في مجلس الشورى ننطلق من ثوابتنا المشتركة وأسس الدستور البحريني ولذلك نعمل دائماً على دعم وتعزيز كل ما من شأنه ان يحفظ استقرار الأسرة البحرينية وحمايتها.
وأكد أنه بوجود مبنى مستقل لمحاكم الأسرة ستخطو البحرين خطوات متقدمة في القضاء، وتعزز من مكانتها الدولية واعتراف المجتمع الدولي بتطور القضاء البحرين وتميزه مثلما أثبت ذلك تقدم القضاء البحريني واستقلاله في التقرير الأخير لمؤشر دافوس.
وأشار إلى أن الدستور البحريني أعطى مكانة خاصة للأسرة البحرينية واعتنى بحفظ كرامتها وصون حقوقها، حيث جاء في المادة الخامسة منه أن «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها الشرعي، ويقوي أواصرها وقيمها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة، ويرعى النشء، ويحميه من الاستغلال، ويقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي.
من جانبها، أكدت المحامية ابتسام الصباغ أهمية أن تتصدر توصية إنشاء محاكم أسرة ضمن مبنى مستقل توصيات المؤتمر الوطني الثالث للمرأة البحرينية الذي أقامه المجلس الأعلى للمرأة الأسبوع الفائت.
وقالت إن تخصيص مبنى لمحكمة الأسرة يمنح خصوصية لهذا النوع من القضايا، خاصةً أن مبنى المحكمة الحالي تختلط فيه قاعات المحاكم حيث نجد قاعة لمحكمة الإجراءات الشرعية مثلاً مع قاعات لمحاكم مدنية، ومدخل المحكمة مشترك لعموم المراجعين والمتقاضين.
وأضافت لقد وفقت وزارة العدل والشؤون الإسلامية على تخصيص مبنى للتسجيل العقاري، ونحن كمحامين ومتابعين نرى أنه من الأولى تخصيص مبنى لمحاكم الأسرة، خصوصا أنه يتم إحضار الأطفال للمحكمة لتخيرهم في كثير من الأحيان، ومدخل المحكمة فيه رهبة للأطفال وقد يسبب لهم حرج وألم نفسي يؤثر في تنشئتهم تنشئة طبيعية، حيث إنهم لا ذنب لهم في الخلافات بين والديهم.
واقترحت أن يتم تخصيص غرف تخيير الأطفال تختلف عن قاعات المحاكم وأشبه بقاعات محاكم الأحداث في الدول الغربية حيث نرى رجال الشرطة والشرطة النسائية التي تصطحب الحدث يلبسون الملابس المدنية، في حين لو تم مقارنة ذلك بتخيير الأطفال في المحاكم الشرعية نجد أن القاضي على منصة وشرطي بالزي الرسمي يقف عند الباب مما يسبب رهبة وخوف وبكاء للأطفال في كثير من الأحيان، لذا نأمل أن يكون مبنى محاكم الأسرة يراعى فيه هذه الخصوصيات وكذلك توفير قاعات انتظار خاصة ومجهزة بكتيبات إرشادية للمتقاضين.
إلى ذلك، أشار رئيس مجموعة «حقوقيون مستقلون» سلمان ناصر إلى نجاح المجلس الأعلى للمرأة في إدماج احتياجات الأسرة ببرامج التنمية بما يضمن استدامة استقرار الأسرة، بما في ذلك العمل على استكمال التشريعات اللازمة للمرأة، انطلاقاً من أهدافه السامية التي تؤكد على الأسرة هي البنية الأساسية للمجتمع، وبصلاحها تقوي أواصره وتعلو قيم الدين والأخلاق، وحماية كيان الأسرة الشرعي والحفاظ على الأمومة والطفولة حتى في ظل التقاضي الأسري وحماية النشء من الاستغلال.
وأكد أن كل ذلك لن يتحقق إلا بوضع التشريعات الحامية لهذه الأهداف السامية التي أخذ المجلس الأعلى للمرأة على عاتقة تحقيقها بأشراف ومتابعة من لدن صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، قرينة عاهل البلاد المفدى رئيسة المجلس الأعلى للمرأة.
وقال لقد جاء تأكيد صاحبة السمو الملكي على ضرورة تخصيص مبنى مستقل لمحاكم الأسرة يراعي خصوصية القضايا الشرعية الأسرية ويسرع في إجراءاتها انطلاقاً من الحرص الدائم لاستكمال مسيرة البحرين المباركة وترجمة للأهداف السامية التي أكد عليها ميثاق العمل الوطني ودستور البحرين على أن الأسرة أساس المجتمع.
وأضاف أننا نتطلع كمراقبين وحقوقيين إلى ترجمة هذا التأكيد بأسرع وقت ممكن للحاجة الماسة التي تتطلبها القضايا الأسرية، خاصة في ظل التساؤلات المتكررة بتأخر النظر في القضايا الأسرية هذا بجانب عدم مراعاة خصوصية القضايا الأسرية لأسباب قرب المحاكم من بعضها بعض وما يعود ذلك من ضرر يؤثر سلباً على الأسرة والطفل.
ودعا إلى مواكبة مجتمعية لجهود صاحبة السمو الملكي رئيسة المجلس الأعلى للمرأة في هذا الإطار، وذلك عبر مساهمة المجتمع المدني بإنشاء بيوت خبرة تسهم في الإصلاح الأسري بدل الاكتفاء برصد وتوثيق الحالات، وأن يتم العمل على استكمال قانون أحكام الأسرة بإصدار الشق الجعفري، الذي لم يرَ النور حتى الآن رغم كفاءته ومشروعيته القانونية، خاصة في ظل تراكم عدد القضايا بالمحاكم الشرعية الجعفرية الذي وصل لأعداد لا تستقيم مع ما حققه المجلس الأعلى للمرأة والبحرين للمرأة والأسرة البحرينية على المستوى المحلي والعالمي.
وأكد أن ما تحظى به اليوم الأسرة من تعاون من المؤسسات القانونية والعدلية المتمثلة في المجلس الأعلى للقضاء، والمحكمة الدستورية، ووزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، والنيابة العامة، وهيئة التشريع والإفتاء القانوني، ومختلف منتسبي السلك القانوني والعدلي، ومؤسسات المجتمع المدني والجهود الوطنية المخلصة للمجلس الأعلى للمرأة محل فخر واعتزاز من المواطن والمجتمع البحريني.
من جانبها، أكدت الخبيرة النفسية والتربوية الدكتورة بنة بوزبون أهمية إنشاء مبنى مستقل لمحاكم الأسرة، بما يضمن عقد جلسات محاكم الأسرة بعيداً عن أماكن انعقاد جلسات المحاكم الأخرى، وفي أجواء تغلب عليها سمات الراحة والهدوء وتكون لائقة وملائمة لطبيعة ما يعرض عليها من منازعات ومن يتردد عليها وبخاصة الصغار في مسائل الحضانة والرؤية وما إليها، وتزويد تلك المحاكم بما يلزم من الوسائل التي تتناسب مع طبيعة المنازعات وأطرافها وما قد تقتضيه من حضور الصغار تلك الجلسات للاستماع إلى أقوالهم.
وأشارت إلى أهمية أن يجري تزود هذه المحكمة بعدد من الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين والقانونيين والشرعيين المتدربين على يد أساتذة علم النفس والخدمة الاجتماعية والقانون والشريعة، لكي يتولوا هذه المهام التي تتطلب مهارات خاصة، كما أنه من الأفضل أن تتألف الهيئة القضائية في محكمة الأسرة من ثلاثة قضاة بينهم امرأة، وخبيران أحدهما أخصائي نفسي والآخر أخصائي اجتماعي، وقالت في هذ الصدد: «من خلال عملنا في هذا المجال وجدنا أن نسبة عالية من القضايا كان يمكن حلها وديا قبل وصولها لساحة القضاء.
وأوضحت أن من الأهداف الرئيسة لمحكمة الأسرة إنشاء مراكز للرؤية والتي تحل العديد من المشاكل في نطاق تنفيذ أحكام الرؤية وتبعد الأبناء عن دخول مراكز الشرطة، إلى جانب ذلك تضمن القانون إنشاء مراكز لاستقبال شكاوى العنف الأسري، وقالت «هذه المحاكم ستعالج قضايا القاصرات اللاتي يعانون من مشاكل العنف المختلفة، إلى جانب أنه سيحمي المرأة المعنفة والطفل والرجل كذلك من اللجوء للمحاكم العادية، وتتضمن هذه المحاكم قسماً خاصاً للاستشارات الأسرية مختصاً بحل النزاعات والخلافات الأسرية».
وأكدت أن تجربة محاكم الأسرة في الدول العربية والإسلامية قد أثبتت أهميتها من خلال تعاطيها مع القضايا المعروضة أمامها، فقد نجحت مكاتب التسوية بمحاكم الأسرة في إعادة الوئام والإصلاح بين الأزواج حفاظاً على الترابط الأسري والاجتماعي، وذلك عن طريق الخبراء النفسيين والقانونيين والاجتماعيين والشرعيين بمكاتب التسوية، الذين يمتلكون خبرة واسعة في التدخل لحل المشاكل التي تحتاج لمساعٍ حميدة بين الطرفين ودون الحاجة لإنهاء الحياة الزوجية.