الدم بالدم ولا تنازل عن الأرض حتى وإن سال الدم، ذلك هو الشعار الذي دأب عليه العرب منذ الأزل.
منذ يومين وأنا أتصفح مواقع التسوق الإلكترونية رأيت في أحد هذه المواقع عملات وأختاماً وطوابع بحرينية تعد من التراث البحريني القديم، أمعنت النظر في تلك الأشياء المعروضة للبيع ولم أصدق بداية، فوجئت بوجود عملات منذ آلاف السنين يعرضها أصحابها للبيع في تلك المواقع الإلكترونية وبسعر محدد لا يتزايد.
دهشت وتساءلت: هل وصل بنا الحال إلى هذا الوضع الذي يرثى له؟! هل نقوم ببيع تراثنا وهويتنا الأصلية على هذه المواقع وبهذا الرخص؟!
إنني أشفق على وطنيتنا وأتعجب مما يحدث، فالتنازل يبدأ درجة بدرجة .. نبدأها ببيع عملاتنا وآثارنا القديمة حتى نصل إلى بيع أراضينا والتخلي عنها جشعاً في المال.
في منطقة الواحات البحرية في صحراء مصر الغربية , عام 2000 فوجىء سكان الواحات بخبر رائع وغريب بنفس الوقت .. اكتشاف أثر جيولوجي، « هيكل ديناصور» وبعد فترة وجيزة فوجئوا مرة أخرى بخبر ولكنه كان مفجعاً، فقد تم تهريب الهيكل خارج مصر !! وبمعرفة مسؤولين كبار في الدولة، فكثيرة من تلك الأمور كانت تحدث وليس في مصر فقط، بل في اليمن والعراق والأردن والكويت وسوريا ولبنان.
آثار تلك البلاد وتاريخها تتم سرقتها ليحرم منها أصحابها، ومن ثم تعرض في المتاحف العالمية بعيداً عن مواطنها، والمفارقة المرة تكمن في ما إذا أردت أنت صاحب الأثر أن تشاهده، فعليك أن تدفع الكثير من المال لتحظى برؤيته!!
إن تاريخ بلادنا وآثارها في أيدي «باعة التاريخ الجائلين» يطوفون بدول العالم ببضاعتهم المسروقة يصيحون « تاريخ للبيع»، وعندما أنت صاحب التاريخ تقوم ببيع آثار بلدك وحضارته في تلك المواقع التسوقية حتى ولو كانت تعد بالنسبة لك بالشيء البسيط، فأنت تعطي الضوء الأخضر لسفاحي الآثار بتعديهم على بلدك وسرقة تاريخها وحضارتها من بين يديك.
إن هذا لا ينفي جزءاً كبيراً من المسؤولية التي تقع على عاتق الدولة في توجيه وتوعية المواطن وتوفير مزادات وطنية لهم تكفل انتفاع الدولة بآثارها وتحمي مواطنيها من اللجوء إلى جهات خارجية لبيع تلك الآثار.
احتفظ بكل صغيرة وكبيرة تخص بلدك بين مقلتيك، ولا تحاول جعلها سلعة تباع، واعرضها في متاحف بلدك واجعل بلدك جنة يأتي إليها كل الناس من حول العالم فقط ليتمتعوا برؤية مجد بلدك ولا تجعله ملكاً لهم.
تسنيم عزت غلاب