خلصت ندوة «الصحافة الورقية.. الواقع والتحديات» بالجامعة الأهلية إلى ضرورة انتهاج الدول العربية والصحف المطبوعة لمجموعة من الخطوات العاجلة للمحافظة على استمرار الصحافة الورقية وفاعليتها، وللحفاظ على المكتسبات التي حققتها هذه الصحافة طوال العقود الماضية، فيما دعا علماء وأساتذة وخبراء في مجال الصحافة والإعلام مشاركون في الندوة، التي قدمها حمزة عليان سكرتير تحرير صحيفة القبس الكويتية ومدير مركز المعلومات والدراسات بالصحيفة أمس، المسؤولين في السلطات التشريعية والتنفيذية في الوطن العربي إلى سن تشريعات للصحافة تواكب المستجدات المعاصرة والمنافسة الشرسة الإعلام الجديد، بما يوفر للصحف الورقية الحرية المسؤولة والبيئة المناسبة للإبداع والمنافسة.
كما دعوا الصحف المطبوعة إلى ابتكار وسائل التفاعلية مع الجمهور بما يشعرهم أن الصحافة المطبوعة تعبر فعلاً عن قضاياهم وتبرز صوتهم وتعطيه قيمة في المجتمع، من خلال إعطائهم مساحة من التأثير على سياسات الصحيفة واهتمامتها واتجاهاتها.
من جانبها، أشادت عميدة كلية الآداب والعلوم والتربية البروفيسورة همت السقا بالكاتب الصحفي حمزة عليان بالإضافة الكبيرة التي حققتها إصداراته ومنشوراته التأريخية والإعلامية للمكتبة العربية، منوهة بما يمتلكه من خبرة واسعة في مجالات الصحافة والإعلام والعلاقات العامة. وبدأ الكاتب حمزة عليان الندوة بتشخيص الظاهرة، موضحاً بأن الصحافة المطبوعة عبارة عن مشروعات تجارية تدخل فيها الصناعة والتسويق كعنصرين أساسيين ومهمين أي أن هناك تكلفة مالية تترتب على هذا المنتج ويتطلب أن يتم تسويقه بفاعلية حتى لا يقع تحت بند الخسائر ويؤدي بها إلى الإغلاق.
ولفت إلى أن قسماً كبيراً من أهل الصحافة المكتوبة هجروها قبل أن يهجرها الآخرون، وأن دراسة للجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات في الكويت انتهت للقول إن 2% من الكويتيين يستخدمون الإعلام الجديد للحصول على المعلومة مقابل 92% يبحثون عن الخبر من خلالها.
وضرب مثلا بالمملكة العربية السعودية موضحاً بأن 16 مليون مستخدم شهرياً لبرنامج اليوتيوب، و13 مليون مستخدم شهرياً لبرنامج الفيسبوك، و11 مليون مستخدم شهرياً لتويتر.
ونوه إلى أن الصحافة الورقية فشلت في امتحان الرئاسة الأمريكية فقد كانت هي والنخبة التي تمثلها في واد، ومواقع التواصل الاجتماعي في واد آخر، وفشلت في نقل نبض الشارع بالفاعلية اللازمة، فيما كانت صفحة ترامب عبر « الفيسبوك» تضم حوالي 12 مليون متابع، ضمن استراتيجية اكتساحه لمواقع التواصل الإجتماعي والتي بدورها انتصرت له.
وأضاف أنه لم يعد يجادل أحد بوجود الإعلام الجديد أو الرقمي، إنما السؤال عن قوة هذا الإعلام ومدى قدرته على أن يكون بديلاً بالمعنى المباشر للكلمة، أي ليحل محل الإعلام المطبوع.
وقال إن الإعلام الجديد يضم إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي، الصحافة الإلكترونية، على أن المنافسة موجودة أيضاً بين وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة الإلكترونية من جهة أخرى، فواقع الأمر أن سرعة وسائل التواصل الاجتماعي، وميزة التفاعلية لديها جعلت الصحافة الإلكترونية هي الأخرى في حالة استنفار وتجديد للمحتوى الذي تعرضه على الجمهور، وهذا الإعلام الجديد صار يستحوذ على نسبة تصل إلى الثلث من الإعلان والجمهور الذي يزداد يوماً بعد يوم. وأكد أن المعادلة الجديدة تراجع الإعلان وبشكل واضح في الصحف المطبوعة وتصاعده لدى غريمه الجديد، مما يفرض على الصحف المطبوعة أن الفضاء الإلكتروني والمفتوح أضحى شريكاً في العمل الإعلامي، لا يمكن تجاهله أو تجاوزه، بل الحاجة ملحة إلى التعاون معه والاستفادة منه وإن كان له جمهور وسياسة تحريرية مختلفة عن الصحافة التقليدية.
ولفت إلى إن معظم الصحف العربية لم تستطع أن تخلق نموذجاً تحريرياً كاملاً لصحيفة إلكترونية مختلفة تماماً عن الصحيفة الورقية بل هناك عمليات تجميل وإضافات للطبعة الورقية التي تنقل بصيغة PDF أو بنقلها بصيغة الـ «WORD»، منوهاً إلى أن هذا «النموذج الهجين» والمختلط لم يحسن الفصل ولا تسويق نفسه بالاستحواذ على الحصة المناسبة من الإعلانات، وبات أسير «المشهدين» الورقي والإلكتروني، وإن كانت هناك محاولات لا بأس بها وتستحق التقدير من بعض الصحف الخليجية والعربية بخلق صحيفتين إلكترونية وورقية يسيران بخطين متوازيين لكنهما يختلفان بالأدوات والجمهور وبالمحتوى الذي يقدمانه.
وأشاد رئيس قسم الإعلام والعلاقات العامة الدكتور زهير ضيف بالرؤية التي قدمها حمزة عليان، من وحي تجربته التي تمتد إلى 5 عقود لدى صاحبة الجلالة، مؤكداً على أن الصحافة المطبوعة اليوم تواجه تحدياً كبيراً في ظل التطور التكنولوجي الهائل، مما يتطلب منها الارتقاء بالمحتوى الذي تقدمه للجمهور.
أما أستاذ الصحافة والإعلام الدكتور حسام إلهامي، فتطرق لمجموعة من الحلول التحريرية التي من شأنها أن تساعد الصحف المطبوعة على حجز جمهورها الخاص، وخصوصاً من فئة النخبة، التي تبحث عن ما هو أبعد من الخبر، فاقترح زيادة التقارير التحليلية وتوظيف قالب الرواية بدلاً من الالتزام بقالب الهرم المقلوب ورتابته، والتوسع في الصحافة الاستقصائية، وأنسنة الكتاب من خلال تناول الصحافة للحياة اليومية للناس البسطاء والمغمورين، واستعراض مختلف التجارب الإنسانية، مع إضفاء الطابع الدرامي على المواد الصحفية قدر الإمكان، والتحول إلى أسلوب السارد الأحادي في الموضوعات الملائمة، والتحول من أولوية إعداد المهنيين إلى إعداد المبدعين في مجال الكتابة، وأخيراً التفكير في خيارات توزيع الصحف المطبوعة بالمجان، والاكتفاء بالاعتماد على الإعلانات.