لا يمكن الحديث عن إدارة فعالة للمشاريع دون الحديث عن وضوح الاستراتيجية والأهداف؛ فالاستراتيجية هي خريطة الطريق التي ستنتقل بك من موقعك الحالي «أ» إلى موقعك الذي ترنو إليه «ب». أما المشروع فهو القارب الذي عليك أن تجدف فيه بكل ما أوتيت من قوة لتنفيذ الاستراتيجية، ويتبقى العامل الأخير والأهم؛ وهو النهر الذي سوف تجدف فيه الذي يظهر على شكل الثقافة المؤسسية، فإما أن تكون هذه الثقافة ضحلة بحيث يرتطم قاربك بأي نتوء على سطح الأرض، أو أن تكون عميقة وتصب في نجاح المشروع وليس نقيضه!تكمن أهمية مكتب إدارة المشاريع في قدرته على ربط المشاريع بالاستراتيجية وعزل أي مشروع لا يخدمها، بالإضافة إلى وضع الأولويات ودراسة مخاطر المؤسسة بشقيها: المخاطر الإيجابية «Opportunities» والمخاطر السلبية «Threats».ويأتي ذلك حسب تعريف الدليل الإرشادي لإدارة المشاريع الصادر عن معهد إدارة المشاريع PMI: «مكتب إدارة المشروعات» «PMO» وهو عبارة عن هيكل إداري يوحّد عمليات الحوكمة ذات الصلة بالمشروع، ويسهل تقاسم الموارد والمنهجيات والأدوات والأساليب.كما إن هناك ثلاثة أنواع من هياكل مكاتب PMO تختلف في درجة التحكم والتأثير الذي تتمتع به على المشاريع داخل المؤسسة: النوع الأول: أن تكون «داعمة» تلعب دوراً استشارياً من خلال توفير النماذج، وأفضل الممارسات، والتدريب على أهم المفاهيم والمبادئ في إدارة المشاريع.النوع الثاني: أن تكون «متحكمة» ولديها القدرة على التعديل والتحوير في المنهجيات المستخدمة وكذلك النماذج والطلبات، ويفرض مستوى متوسطًا من التحكم والسيطرة على المشاريع وأنشطتها. النوع الثالث: هي «الموجهة» التي لديها مستوى تحكم كبير بالمشاريع؛ فتتم إدارة المشروع من بدايته إلى نهايته من خلال هذا المكتب حيث لديه جميع الصلاحيات التي تساعده في اتخاذ أي قرار من شانه أن يصب في نجاح المشروع.كما علينا هنا أن نشير إلى دور المؤسسة الجوهري في اختيار أو تفصيل الثوب المناسب لها حسب تفاصيل كيانها والموارد المتوافرة لديها، حيث يلجأ البعض إلى «دكاكين خياطة» غربية ظنًا منها أن ما نجح هناك سينجح هنا!البعض يظن أن إدارة المشاريع عبارة عن كم هائل من الملفات والتقارير التي يتم تنسيقها وضبطها حسب حاجة أصحاب القرار؛ ومتى ما دق الجرس من «فوق» ولا يعرف أن البحرين في ظل التراجع الراهن في مستويات الإيرادات النفطية في أمس الحاجة لترشيد الإنفاق الحكومي من خلال «ضبط المشاريع» ولا يمكن هذا إلا من خلال مكتب مختص لديه القدرة على ضبط عملية اختيار المشاريع الفعالة التي بدورها تساعد على تحقيق أهداف المؤسسة ما يعكس رؤية البحرين 2030.عملية الاختيار ليست بالأمر السهل التي يتوقعها البعض؛ فكم من مشروع قد ذهب أدراج الرياح، وتوقف أو تعطل بسبب عدم وجود دراسة جدوى محكمة وواقعية، أو تم اختياره بناءً على الأهواء والأنغام التي تغنى من هنا وهناك. والبعض يظن طالما أن هناك ميزانية مرصودة للمشروع فمن الواجب عليه أن يمشي على المثل القائل «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب» والمقولة السائدة «جيب الحكومة» فهو بذلك لا يشاهد الصورة الكبيرة على أنها ليست جيب الحكومة فقط بل أنها جيب كل مواطن عاش على تراب هذا الوطن.المشكلة الرئيسة في الوطن العربي تكمن في تهميش مرحلة التخطيط وإعطائها نسبة 10% من حياة المشروع، وتعظيم مرحلة التنفيذ وإعطائها نسبة 90%؛ بينما نجد النقيض في الدول المتقدمة حيث يركزون جلّ اهتمامهم في مرحلة التخطيط، والتأكد من كل التفاصيل حتى يثمر هذا المشروع أو ذاك بالنتائج المرجوة منه.تحضرني هنا مقولة لأحد أساتذتي في لعبة الشطرنج حينما قال لي: «في الشطرنج؛ أن تكون لديك خطة وإن لم تكن جيدة، خير لك من ألا تكون لديك أي خطة بتاتاً فتصبح جزءاً من خطة غيرك» هذا هو حال مؤسساتنا ذوات الخطط الاستراتيجية المبهرجة التي ليست من التنفيذ في شيء؛ ولكنها حبيسة الأدراج والرفوف.م. إبراهيم علي آل بورشيدمحترف إدارة المشاريع PMP
970x90
970x90