زهراء حبيب
بعد أكثر من 30 عاماً بين الموت والحياة بلا أوراق ثبوتية، أنهت المحكمة الشرعية أمس معاناة شابة بحرينية وشقيقها من ذوي الاحتياجات الخاصة وانتشلتهم من حياة اللاوجود كونهما مجهولي الأب، حيث أصدرت حكماً في قضية تعد الأولى من نوعها بثبات نسب الشابة وشقيقها لأم وهو ما أكده تحليل البصمة الوراثية، واستناداً لقانون أحكام الأسرة بشقه السني.
وقررت المحكمة تسجيل الشابة وشقيقها في سجلات الأحياء وإعطائهما أسماء رباعية حالهما كحال مجهولي الأب، ليتسنى لهما الحصول على الجنسية البحرينية من والدتهما. وطرقت الفتاة البحرينية أبواب القضاء بعد أكثر من 30 عاماً من الضياع مع شقيقها من ذوي الاحتياجات الخاصة في عالم الأموات واللاوجود، فالأوراق والمستندات ثبوتية ولا أسماء مسجلة رسمياً لهما في السجلات الرسمية، فهما جسدان يطآن أرض الأحياء لكنهما في الأوراق لا وجود لهما بين عالم الأحياء، حيث لا تعليم ولا رعاية صحية كونهما مجهولي الأب واكتشفا وجود أمهما لاحقاً. ويقول محامي الشابة البحرينية هيثم بوغمار، في تعقيبه على الحكم الصادر، أن يعيش المرء بلا هوية أو أوراق ثبوتية أكثر من 30 عاماً ليس بالأمر البسيط، ويحرم من الدخول للمدرسة وتلقي العلاج.
وأضاف أنه أمر مرير أن يحرم الشخص طوال هذه الفترة من أن يملك اسماً يثبت من هو على أي ورقة أو قصاصة.. المأساة التي عاشتها صاحبة القصة مع أخيها المعاق ليست كغيرها من دعوى إثبات النسب التي قد يكون الأب مجهولاً ولكن صاحبة القصة وأخيها قسا عليهما الزمن ولم يستطيعا الانتساب حتى لأمهما وبذلك حرما العيش كغيرهما من المواطنين، بل حتى غير المواطنين فإن قسوة الزمن الذي دفع فيه صاحبة القصة وأخيها خطأ لا ذنب لهما فيه.
وأردف بوغمار «أوراق القضية اختلطت بين القانون والحقوق الإنسانية، وما يميزها عن غيرها من الدعاوى ليس لذلك فحسب بل لصعوبة الحلول القانونية التي يتعين أن تسلك مع عدم وجود أوراق تثبت ولادتهما أصلاً في أي مستشفى في البحرين لأن الأم كانت تضعهما في البيت حسب ما قررت في محضر الدعوى بعد استجوابها من عدالة المحكمة الشرعية الكبرى».
وكانت القضية مبناها العدم لخلوها من أي أوراق تثبت أن صاحبة القصة وأخيها ولدا فعلاً فهنا أصبحت صعوبة إثبات ما بعده. وسبق للشابة أن قامت بمحاولات عديدة باءت بالفشل لسنوات مع من ساعدها من المحامين، وبعد أن طرقت بابه أعد دراسة متأنية وتفصيلية لتحاشي أخطاء من سبقه حتى تكشفت خيوط أمل يعقد عليها وقد تكون قوية يبنى عليها.
ورفع دعوى أمام المحكمة الكبرى الشرعية والدخول في مداولات كثيرة ومرافعات شفوية عديدة وكانت المحكمة متيقظة ولديها من الاحترافية مما تملك من أدوات وصلاحيات أن تحيل الفتاة والمعاق والأم لمختبر الأدلة الجنائية وتأمر بإدخال الجهات المختصه وإن تطلب فحص بصمة الوراثية DNA من جميع أطراف الدعوى التي أوقع تقرير المختبر المفاجأة السارة وهي أن البصمة الوراثية للأم تثبت أن الفتاة والمعاق هما ابناها.
وكان مبنى التقرير الركيزة الأساسية التي جعلت المحكمة أكثر اطمئناناً لكي تنهي معاناة 30 عاماً بدون ورقة تحمل عليها اسم أيّ منهما بل ليس لهما وجود بين الأحياء.
ويشير بوغمار «كانت المحاكمة أفضل والقواعد التي بني عليها أقوى بوجود قانون أحكام الأسرة الذي أطر للقواعد الشرعية بما ورد فيه من الفقه الإسلامي الراسخ بما فيها موضوع الدعوى الماثلة، وملكت المحكمة الأدوات القانونية والشرعية الإجرائية وليس العكس، فالقاضي يملك القانون وهو من يطوعه لإحقاق الحق وخاصة الحق أن تكون إنساناً لك كيان ومعترف بك، فأتاح القانون للقاضي مصادر عديدة ليحكم بها وهو من يقف عند استنتاجاتها وهو ما ميز المحكمة التي أصدرت حكم إنهاء معاناة 30 عاماً لهذه الفتاة وأخيها المعاق، وأمرت بتسجيل اسميهما في السجلات الرسميه ليصبحا واقعاً إنسانياً وكأنما ولدا من جديد.