السفير الشيخ حمود بن عبدالله آل خليفة*
بمشيئة الله تعالى، تستضيف مملكة البحرين اجتماع المجلس الأعلى لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، الذي يعقد في هذا الشهر ( ديسمبر 2016 ) بدعوة كريمة من سيدي صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين لإخوانه أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون، حفظهم الله، ليحلّوا ضيوفاً كراماً على أشقائهم في مملكة البحرين التي تكنّ لهم ولدولهم كل المودة والاحترام والتقدير .
إن انعقاد « القمة الخليجية « العتيدة في مثل هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها دولنا والدول العربية الشقيقة والمنطقة والعالم، ليؤشر على حرص قادة دول المجلس على النهوض بمسؤولياتهم وتلبية مصالح شعوبهم وتعزيز كيانهم السياسي وتوثيق علاقات دولهم وشعوبهم وحماية أمن منطقتهم واستقرارها، وذلك كله يصب في مصلحة الأمتين العربية والإسلامية ومصالح شعوب العالم كله، فالتحديات كبيرة وخطرة لكن العزم والإرادة والتصميم على مواجهتها وتذليلها بمشيئة الله أكبر وأكثر فعالية وتأثيراً.
ولأن السياسة تركيز على المصالح دون التفريط بالمثل السامية وبالقيم العليا والأهداف النبيلة، ولأنّها الانطلاق من الواقع دون الاستسلام له، بل دفع له والعمل على تغييره وتطويره لمصلحة الإنسان، فإن القمة الخليجية السابعة والثلاثين تأتي في هذه المرحلة التي لا نختلف على توصيف صعوبتها وخطورتها حيث تشتعل الكثير من الحرائق من حولنا، وحيث المؤامرات والمخططات الإرهابية الخطيرة التي تستهدفنا وجوداً وهويةً، وكياناً، وتطلعاتٍ، ومُقدّراتٍ وإمكانيات.
ومن هنا تكتسب هذه القمة الخليجية أهميتها تأكيداً على الرغبة والإرادة الصادقة لقادة دولنا حفظهم الله، في تجاوز الواقع وتفعيل تعاونهم، والعمل على ترسيخ الإنجازات التي حققها مجلس التعاون منذ إنشائه عام 1981م وحتى الآن، بفضل الله تعالى، ثم حكمة قادتنا وسلامة رؤيتهم وسداد آرائهم وصدق عزيمتهم.
ولقد نجح المجلس في تأكيد الهوية الخليجية وحماية أمن المنطقة واستقرارها، والدفع بعجلة التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها وإبراز الشخصية الخليجية العربية الفاعلة والمؤثرة.
وهاهم أصحاب الجلالة والسمو قادة دولنا، في الطليعة دائماً، حفاظاً على المكتسبات العظيمة التي تحققت لشعوب دولنا، مجتمعة، وكلاً على انفراد، خلال ما يقرب من نصف قرن من مسيرة العمل والعطاء والبناء لخير الشعوب ومستقبل الأجيال القادمة.
ويتطلع المواطن الخليجي العربي في هذه الظروف الاستثنائية، إلى مزيد من الخطوات التي تعزز التعاون بين دولنا وشعوبنا باتجاه « الاتحاد الخليجي « طال الزمن أم قصر.
وإذا كان مجلس التعاون الخليجي قد شكل على مدى خمسة وثلاثين عاماً من إنشائه، منظمة سياسية إقليمية فاعلة ومؤثرة اقليمياً وعربياً ودولياً، وتجربة ناجحة بامتياز، تنظر إليها دول أخرى كنموذج يُحتذى ويُقتدى به، فإن تطلعات شعوبنا تبقى أبعد مما حققناه، وصولاً إلى « المواطنة الخليجية « المنشودة والمبتغاة كهدف أسمى وأعلى، نسأل الله أن يتحقق وفي الفرصة الأقرب.
ولا يتسع المجال هنا إلى التفصيل في ما حققناه من أهداف المجلس التي نص عليها النظام الأساسي، والمتمثلة في التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع المجالات وصولاً إلى وحدتها عن طريق تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية والتجارية والتعليمية والثقافية والصحية وقطاع الإعلام والاتصالات والجمارك والمواصلات والمياه والزراعة والسياحة وغيرها.
إن مسؤوليات المجلس الأعلى لمجلس التعاون وهو على مستوى قادة الدول الأعضاء تتمثل في تحقيق هذه الأهداف وخاصة ما يتصل بالسياسة العليا للمجلس والخطوط الأساسية والاستراتيجيات التي يتبعها وينتهجها لخدمة المواطن الخليجي وتحقيق المصالح العليا للشعوب الخليجية التي هي في الحقيقة شعب واحد متعاون مترابط متكافل، إيماناً بمقولة « خليجنا واحد، وشعبنا واحد «، التي تمثل تطلّعات القيادات والشعوب مجتمعة.
لاشك أن المسيرة الطويلة لمجلس التعاون قد أنجزت الكثير، ولكن يبقى أمامها الكثير من الأهداف الاستراتيجية والتكتيكية التي نصبو جميعاً إلى تحقيقها، وهي ذات أبعاد قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، والمسيرة لا تتوقف ولن نتوقف بإذن الله دون تحقيقها.
وإذا كانت مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، فإن الخطوات التي قطعتها مسيرة المجلس الممتدة وهي بالآلاف، سوف تعطي ثمرتها عبر مختلف مراحل هذه المؤسسة الجامعة بمشيئة الله وتوفيقه.
إن ما حققه المجلس على الصعيد السياسي والاقتصادي وفي الميادين العسكرية والأمنية وفي المجالات الاجتماعية يعكس مدى الجدية والكفاءة والقدرة التي يمتلكها بفضل التوجيهات الحكيمة لقادة دولنا، حفظهم الله، وبفضل الرغبة الصادقة والنوايا الطيبة للجميع قيادات وحكومات وشعوباً.
وها نحن جميعاً ننهض بمسؤولياتنا الجسيمة في حماية أمن دولنا واستقرارها والحفاظ على مكتسبات التنمية فيها، وصولاً إلى الأهداف الكبرى التي لن نحيد عنها، وهاهم قادتنا الكرام يلتقون اليوم في رحاب سيدي صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين ليؤكدوا تمسكهم بوحدتهم وتعاونهم وتضامنهم في السراء والضراء، وليواصلوا مسيرتهم الظافرة يداً بيد، وكتفاً إلى كتف، بصبر وأناة وتصميم على النجاح والعطاء ويفتحون أبواب الأمل والمستقبل على أقصاها للأجيال القادمة.
نصر الله قياداتنا الحكيمة المخلصة وحقق آمالنا وتطلعاتنا وأهدافنا النبيلة.
سفير مملكة البحرين لدى المملكة العربية السعودية*