عواصم - (وكالات): أحرز جيش الرئيس بشار الأسد والمجموعات الموالية له أمس تقدماً جديداً في مدينة حلب حيث دخلت المعركة «مرحلتها الأخيرة»، وباتت سيطرة الفصائل المعارضة تقتصر على حيين رئيسيين بعد ساعات من انسحاب مقاتليها من عدة أحياء أخرى، في حين قتل 53 مدنياً بينهم 16 طفلاً جراء غارات قالت مصادر معارضة إنها تنوعت بين سورية وروسية استهدفت بلدات عدة تحت سيطرة المتطرفين في محافظة حماة السورية.
وتحدث مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن عن «انهيار كامل» في صفوف المقاتلين مع وصول «معركة حلب الى نهايتها» معتبراً أن سيطرة قوات النظام على أحياء المعارضة باتت «مسألة وقت وليس أكثر». وقال مصدر عسكري سوري في حلب إن «العملية العسكرية للجيش على الأحياء الشرقية أصبحت في خواتيمها».
وانسحب مقاتلو المعارضة السورية من 6 أحياء أخرى كانت لاتزال تحت سيطرتهم، بعد ساعات من استعادة قوات النظام لحي الشيخ سعيد الاستراتيجي جنوب شرق حلب، وحي الصالحين المجاور.
وبحسب عبدالرحمن، فإن «المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة حالياً باتت تقتصر على جزء صغير، ومن الممكن أن تسقط في أي لحظة». وبعد انسحاب مقاتليها «بشكل كامل من أحياء بستان القصر والكلاسة وكرم الدعدع والفردوس والجلوم وجسر الحج»، لم تعد الفصائل تسيطر عملياً سوى على حيين رئيسيين هما السكري والمشهد، عدا عن أحياء أخرى صغيرة، بحسب المرصد. ومن شأن خسارة حلب أن تشكل نكسة كبيرة للفصائل المقاتلة. ووصف بسام مصطفى، عضو المكتب السياسي في حركة نور الدين الزنكي، أبرز الفصائل المقاتلة في حلب، لصحافيين عبر الإنترنت ما يحدث في شرق المدينة بـ»الانهيار المريع»، موضحاً أن «المقاتلين يتراجعون تحت الضغط، والأمور سيئة جداً».
ويرى كبير الباحثين في مركز «كارنيغي» للشرق الأوسط يزيد الصايغ أن سيطرة النظام على مدينة حلب «ستكسر ظهر المعارضة المسلحة (...) ويصبح من الممكن أخيراً تجاوز التفكير بإمكانية الإطاحة بالنظام عسكرياً».
وقالت وزارة الدفاع الروسية إنه منذ بدء معركة حلب استسلم أكثر من 2200 من مقاتلي المعارضة وغادر 100 ألف مدني شرق حلب التي كانت من قبل واقعة تحت سيطرة مقاتلي المعارضة. وتلقت الفصائل المسلحة في حلب اقتراحاً أمريكياً روسياً يشمل خروج المقاتلين والمدنيين الراغبين من مناطق المعارضة لكن موسكو قالت إنه لم يتم التوصل بعد في المحادثات في جنيف إلى أي اتفاق لحل الأزمة سلمياً.
وألقى مسؤول المعارضة اللوم على روسيا في عدم تحقيق تقدم في المحادثات قائلاً إنه ليس لديها دافع للتنازل في الوقت الذي يحقق فيه حليفها الأسد مكاسب. وقال مجلس الأمن القومي الأمريكي في رسالة أرسلت إلى السفارة الأمريكية في جنيف إن موسكو رفضت وقف إطلاق النار. وأعلن ممثل المعارضة السورية رياض حجاب أن «قوات النظام تهجر وترتكب المجازر بحق سكان حلب وتهرب من «داعش» في تدمر» وذلك خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. وأضاف حجاب منسق الهيئة العليا للمفاوضات «لن نتخلى عن ثوابت الثورة ولا يحق لنا المساومة على متطلبات الشعب السوري. إيران والنظام يسعيان لتأجيج الطائفية في المنطقة».
من جهته أعرب هولاند عن «غضبه للأحداث المأسوية» في سوريا ودعا إلى فتح ممرات إنسانية في حلب. ومع التصعيد العسكري تستمر حركة النزوح إلى مناطق سيطرة النظام وداخل أحياء سيطرة الفصائل.
وقال شهود عيان في حي المشهد تحت سيطرة الفصائل إن الحي يشهد اكتظاظاً كبيراً بعد نزوح مدنيين من أحياء أخرى إليه مع تقدم الجيش، من دون أن يتمكنوا من إحضار أي شيء معهم من منازلهم.
وبين المدنيين الذين لا يعرفون إلى أين سيذهبون، عدد كبير من النساء والأطفال الخائفين الذين يبحثون عما يسد رمقهم. وقد افترش بعضهم الأرض فيما ينام آخرون وبينهم نساء على الحقائب أو يدخلون إلى المحال التجارية للاحتماء والنوم داخلها. وأشار عبد الرحمن إلى أن «بعض الأحياء تحت سيطرة الفصائل باتت خالية تماما من السكان، فيما تضم أحياء أخرى عشرات الآلاف من المدنيين الذين يعانون من أوضاع إنسانية مأساوية».
وأحصى المرصد نزوح أكثر من 10 آلاف مدني خلال الساعات الـ24 الأخيرة من أحياء سيطرة الفصائل إلى القسم الغربي أو الأحياء التي استعادها الجيش مؤخراً.
وبات عدد المدنيين الذين فروا منذ منتصف الشهر الماضي نحو 130 ألفاً، وفق عبدالرحمن. وتحدث المرصد عن «مخاوف حقيقية على من تبقى من المدنيين في احياء المعارضة»، معتبراً أن «كل قذيفة تسقط تهدد بارتكاب مجزرة في ظل الاكتظاظ السكاني الكبير».
ومنذ بدء هجوم قوات النظام، قتل 415 مدنياً بينهم 47 طفلاً في شرق حلب، فيما قتل 130 مدنيا بينهم 40 طفلاً جراء قذائف اطلقها مقاتلو المعارضة على غرب المدينة، بحسب حصيلة للمرصد.
ويتزامن تقدم قوات النظام شرق حلب مع تراجعها وسط البلاد حيث تمكن تنظيم الدولة «داعش» من السيطرة على مدينة تدمر الأثرية في محافظة حمص بعد 8 أشهر على طرده منها بغطاء جوي روسي.
وأفاد المرصد بتقدم المتشددين وحصارهم لمطار التيفور العسكري في ريف حمص الشرقي بعد تقدمهم في ريف حمص الشرقي، حيث يخوضون معارك في محيط مدينة القريتين.
وذكر المرصد أن التنظيم «أعدم 8 مسلحين موالين للنظام في تدمر، فيما قتل 4 مدنيين بينهم طفلان بطلقات نارية خلال تمشيط التنظيم للمدينة». وأعرب الكرملين عن أسفه لغياب التعاون من قبل الولايات المتحدة في التصدي للمتشددين في تدمر. وانتقد وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت «شكلاً من أشكال الكذب الدائم» من جانب روسيا في النزاع السوري، متهما موسكو بأنها «تدعي» مكافحة الإرهاب وتتيح لتنظيم الدولة استعادة تدمر.