احتفالات تتلو الاحتفالات، ومهرجانات تقام الواحدة تلو الأخرى، سهرات غنائية، أمسيات شعرية، إعلانات تملئ الشوارع، أعلام البحرين تنتشر في كل المناطق، ألعاب نارية تحلق في سماء البحرين، كلها أفعال وتعبيرات تبين للعالم أجمع كيف يحب البحرينيون مملكتهم، وكيف يبدعون عاماً بعد عام بالتعبير عن هذا الحب لاسيما خلال شهر ديسمبر الذي نسميه نحن هنا «شهر البحرين».
خلال هذا الشهر يتزاحم الجميع للبروز في الواجهة، وبالأخص نواب الشعب الكرام، فنرى وجوههم المبتسمة وصورهم من جديد في مختلف شوارع المملكة عبر البوسترات الكبيرة مهنئين للقيادة الرشيدة بهذه المناسبة، كما يقيم بعضهم مهرجاناً وطنياً ليلم حوله قلوب الأطفال والكبار في هذا الحي أو ذاك.
كما لا يخفى عليكم أيضاً كيف تتنافس مجالسنا البحرينية المختلفة والتجار وبعض العوائل في التعبير عن حبهم وتهنئتهم للقيادة، بل حتى وزارات وهيئات الحكومة والجامعات ومعظم الشركات الخاصة تخصص يوماً للاحتفال باليوم الوطني وتتفنن بتزيين المكاتب والقاعات والممرات بالأعلام وصور لجلالة الملك ورئيس الوزراء وولي العهد حفظهم الله تعالى.
سؤال يتبادر إلى ذهني وإلى ذهن البعض ممن يقرأ كلامي الآن وهو هل هذا هو الاحتفال الحقيقي بالبحرين؟ أم أن البحرين تستحق أكثر وأكثر من ذلك بكثير؟
كم ستدوم الأعلام والصور، وإلى متى ستبقى زينة الشوارع والمكاتب، إلى متى ستبقى الألعاب النارية والمهرجانات فكلها مهما طالت واستمرت شهر أو شهرين ستزول وتنتهي!! فهل ينتهي بانتهائها حب البحرين والاحتفال بها؟ بالطبع لا.
إذا نستنبط من هذا أن الاحتفال الحقيقي والحب الحقيقي للبحرين أكبر وأعظم من هذه الشكليات والمظاهر، كما إنه أكبر وأعظم من أن يختصر في يوم أو يومين أو شهر أو شهرين، يجب أن نعلم كيف نتفنن ونبدع في حب البحرين طوال العام وطوال الوقت، ولا يكون ذلك إلا باستشعار نعمة الوطن أولاً، فعند استيقاظك صباحاً تستشعر بأنك ذاهب إلى عملك من أجل وطنك، وتستشعر أنك بهذا العمل تمثل لبنة من لبنات تطور ونماء الوطن، فتذهب للعمل بابتسامة وحافز وحب، فتعمل وتجتهد وتنجز من أجل وطنك، ليس من أجل مديرك أو ترقيتك أو راتبك فحسب !! فهذا التفكير السطحي المركز يجب أن يتحول إلى تفكير أعمق وأشمل كي تستشعر حب الوطن طوال فترة عملك وتحتفل بالبحرين بعد كل إنجاز تحققه. فإنجاز معاملة معينة للمواطنين وإسداء الخدمات لهم وتسهيل الإجراءات كلها إنجازات، تطوير الأداء، ابتكار أنظمة عمل حديثة، والسعي نحو التميز والإتقان في العمل كلها أيضاً إنجازات تنعكس بدورها على الوطن فيتحقق الاحتفال المقصود.
لا يقتصر حب الوطن أثناء العمل فقط، فبناء الأسر الصالحة، وتربية الأبناء الصالحين، وغرس حب الوطن في نفوسهم، وتنمية مفهوم الوطنية والغيرة على الوطن والذود عنه بالغالي والنفيس إنما هي أعمال تبرهن على حب الوطن لاشك في ذلك، وذلك ما نراه في جيلنا الحالي من الشباب والشابات الذين يدافعون عن البحرين وعن أي إساءة تصدر من أي شخص كان، ولا ننسى كيف لشباب وشابات البحرين دور كبير في تمثيل البحرين خير تمثيل في مختلف المحافل الخارجية ليكونوا بذلك قد احتفلوا بالبحرين على طريقتهم الخاصة وعبروا عن حبهم اللامحدود للبحرين موطن الآباء والأجداد غير مقتصرين على تزيين السيارات بالأعلام وإقامة المسيرات في الشوارع وكفى!
هذا هو الاحتفال الحقيقي بالبحرين وهذا هو الحب الحقيقي الذي يكنه البحرينيون في قلوبهم لمملكتهم الحبيبة، وما أجمل من ذلك المواطن الذي خصص ولو دقيقة من وقته قبل نومه بالدعاء للبحرين بأن يديم عليها نعمة الأمن والأمان والسلم والسلام، وأن يديم عليها العزة ويبعد عنها الذل، وأن يحفظها ويحفظ قادتها وشعبها من كيد الكائدين المتربصين، ذلك هو الحب والحب بإخلاص فتعلموا !!
خالد محمد يتيم