لكل باب في هذا الكون مفتاح خاص يفتح به، ولا يمكن لك أن تستخدم نفس هذا المفتاح في فتح جميع الأبواب، فالجنة التي وعد الله بها المؤمنين من بني آدم لها مفاتيح وأبواب، بيوتنا لها مفاتيح وأبواب، شخوصنا لها مفاتيح وأبواب تختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة والثقافات.
القيادة تولد بالفطرة، لا يستطيع إنسان أن يصبح قائداً بين ليلة وضحاها. بالأحرى ليس هناك مصعد كهربائي لتصعد به إلى القمة؛ بل عليك أن تصعد السلم عتبة فعتبة؛ قد تخطئ اليوم لكن تتعلم غداً.
سئل أحد المديرين التنفيذيين في إحدى شركات الاتصالات الغربية: «لماذا لا تقوم بفصل مدير الشبكات نظير الخطأ الجسيم الذي قام به»؟ رد عليهم: «كيف لي أن أقوم بفصله وأنا الذي صرفت عليه مليون دولار فقط ليتعلم من هذا الخطأ». الحياة تجارب ولكل تجربة درس مستفاد وعبر، ومن لا يخوض البحر بأهواله، يبقى جاثمًا على «السيف».
إذن فالقيادة الفعالة هي أن تنقل فريقك -بحارتك وعزوتك- من بحر الأزمات والأمواج التي تلطم بكم شرقاً وغرباً إلى بر الأمان. لنتخيل في بادئ الأمر هذا البانوش بدون «نوخذة» لديه قوى العزم والربط والحل؛ فنتساءل سريعاً: «كيف لنا أن نصل بر الأمان في ظل بحارة مختلفة الاهتمامات والأهداف»؟ طبعاً سيظل هذا البانوش يدور حول نفسه ما لم يعد إلى مرساه يجر معه أذيال الخيبة دون صيد ولآلئ. لنتساءل مرة أخرى: «كيف لنا أن نصل إلى وجهتنا ما لم يكن لدينا بوصلة «رؤية» يتجه مؤشرها دائماً وأبداً إلى الشمال وحده! النوخذة هنا ليس هو الذي يقوم بالتجديف وليس هو «النهام» الذي يغني للبحارة للتنفيس عنهم؛ بل هو قائد الأوركسترا «المايسترو» الذي يضبط الإيقاع واللحن ليتماشى مع الأغنية. هل قام المايسترو بالعزف بالكمان بيده شخصياً؟ الجواب: كلا المايسترو هو من يحقق الأهداف والأماني من خلال أيدي فريقه!
لذا تتجلى أهمية القوى الناعمة في كيفية صياغة جميع اهتمامات فريقك وصهرها في بوتقة لا تخدم اهتمامات فريق العمل وحده؛ وإنما تخدم رؤية المؤسسة ككل. وهذا يتطلب قوة جاذبية شخصية وحنكة في التصرف. وقد عرف البروفيسور جوزيف ناي من جامعة هارفارد «القوى الناعمة» بالقدرة في التأثير على سلوك الآخرين؛ وضبط اهتماماتهم بما يخدم اهتمامات المؤسسة دون الحاجة إلى استخدام القوى الصلبة أو القسرية.
تعرف القوى الصلبة هنا على أنها قوى تشبه الزنبرك، كلما زدت في ضغطك عليه كلما واجهت صعوبة أكبر في السيطرة عليه، حتى يرتد عليك فجأة بفعل قوة الضغط..
ينحاز كثير من القادة إلى مبدأ «الجزرة والعصا» -أكافئك إن تميزت، وأعاقبك إن أخطأت – في التأثير على الآخرين، ليس هنالك عيب في هذا المبدأ إلا أنه باختصار يقتل الإبداع! نعم إنها تقتل الإبداع حيث إن عجلة التميز لن تتحرك إلا بمؤثر خارجي -الثواب والعقاب- على نقيض هذا نجد أن الإبداع يأتي من خلال قوى العزم والإصرار الموجودة في دوافع «دينامو» الإنسان وحده لا غير!
م. إبراهيم علي آل بورشيد