الدائرة الخامسة بالمحرق، هي من أكثر المناطق التي لم يطلها التطوير والاهتمام الرسمي، رغم التوجيهات العليا التي تؤكد على أهمية هذه الدائرة، فالخامسة أنجبت الكثير من الكتَّاب والمثقفين والشعراء والرياضيين والمبدعين، وها هي اليوم تلقى جزاء سنمَّار. تفتقر الخامسة إلى مواقف للسيارات، وإلى مشاريع حضرية وتنموية، وتفتقر إلى مشاريع إسكانية تخص أهل المنطقة، كما تحتاج إلى العديد من الخدمات، وإلى الكثير من الحدائق والمنتزهات العامة والمشاريع الاستثمارية والسياسية، أما مشكلتها الكبرى كما نراها نحن، فهي الإنقلاب الحاصل على هويتها العربية. وأنت تتجول في خامسة المحرق، بالكاد تجد مواطنا بحرينيا يسير في طرقاتها، فكل شيء فيها يبعث على الإغتراب، وكل ما يبتاعه الأجانب من أدوات وحاجات في تلك المنطقة تخصهم فقط. ما يحدث في المحرق جريمة ضد العروبة وضد الوطن، إذ ثبت أن هنالك أكثر من 8 آلاف عامل آسيوي، مقابل 40 عائلة بحرينية في مجمع 211 وحده، فكيف لو أضفنا إلى هذا الرقم المخيف، نسمات بقية المجمعات الأربعة الأخرى؟. ليس هنالك من مبرر لأهالي خامسة المحرق للخروج من دائرتهم، وتشكيل هجرات جماعية إلى مناطق أخرى، فهم بذلك يكرسون ويؤكدون على عدم أهمية عروبة دائرتهم، حين يتخلَّون عنها، تاركين بيوتهم للأجانب والعمالة الأجنبية. لكن في ذات الوقت(والعذر لهم) ليس هنالك ما يغريهم أبداً للبقاء في مناطقهم، فكل ما فيها من خدمات تحتية وفوقية، يعود زمنها إلى اكتشاف النفط في البحرين. أهالي الخامسة يشعرون بأنهم ظُلِمُوا وهُمِّشوا من قبل المؤسسات الرسمية في الدولة، والدليل هو في الإهمال المركَّب الذي يعانون منه. في المحرق ليس هنالك نقص في الخدمات، بل هناك عدم وجود أي خدمات، ومن هنا ليس من المستغرب أن يُضحي المحرقي بمسقط رأسه ومركز ذكراته وطفولته، بحثاً عن مكان آمن، يحتوي على كافة وسائل العيش الكريم. كما إن المواطن المحرقي، يريد أن يتساوى في العيش مع بقية البحرينيين، خارج نطاق المحرق طبعاً، أما المحرق فلها الله. يؤكد العضو البلدي غازي المرباطي ومعه كل أهالي الخامسة أن هنالك توجيهات خاصة من سمو رئيس الوزراء بتطوير الدائرة، وذلك في كل زيارة يقوم بها سموه للمحرق، لكن حين تصل تلك التوجيهات للمسؤولين في الدولة يقومون بالتغاضي عنها، أو إنهم يزورون المنطقة لذر الرماد في العيون، وبعد الزيارة، لا خبر جاء ولا وحي نزل. يكفي أن في خامسة المحرق ثلاثة مجمعات سكنية مكتضة بالسكان، لكن لا يوجد شارع صريح يفصل بينها، وبهذا أصبحت الدائرة الخامسة مستوطنة جامدة، أو كانتونات يقطنها الأجانب. نلوم أهل المحرق بترك منازلهم والرحيل لجهة العشب والماء، لكن لا نلومهم على البقاء في منطقة ليست كبقية المناطق الأخرى. أمَّا من أصر من رجالات المحرق وعوائلها على البقاء فيها، فمن المؤكد أنهم يشعرون بالغربة، لكن ما قد يسليهم عن كل ذلك، هو أنهم يمتزجون في لحظة ضعفهم مع أجمل ذكرياتهم التي اختطفتها يد الإهمال، فلله دركم، يا من صمدتم في بيوتكم المهلهلة، في سبيل أمل يطل من هنا، أو اهتمام يجيء من هناك... وعاشت المحرق بلد الآباء والأجداد والأصالة.