مثلما يحدث بين أي شخصين يتخاصمان ثم يجدان من يسعى ليصلح بينهما فيضع كل واحد منهما شروطاً رغم أن كل واحد منهما يريد تجاوز المشكل والانتقال إلى مرحلة جديدة، مثل هذا السيناريو نفسه هو الذي يحدث الآن بين مختلف الأطراف ذات العلاقة بالمشكلة البحرينية باستثناء أولئك الذين في “راسهم سو” ممن يرفضون الحوار بمختلف درجاته وينادون بإسقاط النظام رغم علمهم، وربما قناعته بأن مثل هذه الأمنية لا يمكن أن تتحقق، وأنهم إنما يأخذون البلد إلى المجهول. فالأطراف المعنية المتمثلة في الجمعيات السياسية المرخصة على اختلاف مشاربها والحكومة يريدون التصالح ويتمنون الحوار بل يسعون إليه ولكنهم -لزوم المصالحة- يريد كل منهم حفظ ماء وجهه بوضع الشروط التي تجعله يشعر أنه ليس هو من بادر بمد اليد والمصافحة رغم توفر الأساس الإسلامي الجميل الذي يحث على البدء بالسلام (فيعرض هذا ويعرض هذا.. وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).
إنني على قناعة ويقين أن الحكومة تريد الحوار لتصل إلى المصالحة وتتفرغ لمواصلة مشوار بناء الدولة، وبأن الجمعيات السياسية (المعارضة) بمختلف انتماءاتها ومستوى فاعليتها في الحراك السياسي تريد الحوار أيضاً لتصل إلى المصالحة التي ستتيح لها المشاركة في عملية البناء. لكن طرفاً واحداً فقط هو الذي لا يريد الحوار ولا يريد المصالحة والسلام ولا يريد إلا ترجمة ما في رأسه من سوء على أرض البحرين، سواء بسبب تفكيره البعيد عن الواقع وقراءته غير الموفقة للساحة ومعطياتها، أو بسبب أنه متورط في وقوعه في أحضان جهات معينة تمكنت من تلويث عقله وتحاول توظيفه لإضعاف بلده وتهيئته ليكون لقمة سائغة.
هذا الطرف الذي “يلعلع” أفراده في الخارج عبر مختلف وسائل الإعلام وعبر قدرته على تضخيم الأمور والمبالغة فيها هو الوحيد الذي لا يريد الحوار، ويسعى بكل ما يستطيع لتخريب الطريق إليه؛ بل إنه على استعداد لمواجهة “المعارضة الناعمة” نفسها إن استدعى الأمر واعتبارها ضمن “الخونة”، وهو الوحيد الذي ينادي بإسقاط النظام (دون أن يعني هذا أن آخرين في الداخل لا يتعاطفون معه وينادون بما ينادي به سراً.. وإن كانوا قلة).
الطريق إلى الحوار يبدأ في نظري من الاتفاق على عدة أمور؛ أولها توحيد الموقف من ذاك الطرف الرافض للحوار والذي يرى الخير في تسليم البلاد لمن لا يرحمها ولا يرحم العباد ممن يريدون بالبحرين سوءاً، فيتم إعلان موقف واحد منه يبدأ بإدانته وينتهي بتهميشه وإن لم ينفع فبمحاربته، ثم يتم الاتفاق على وقف الكلام البذيء الذي صار الجميع لا يتردد في توجيهه إلى الآخرين فيلتزم كل طرف بمخاطبة الأطراف الأخرى ذات العلاقة بما يعبر عن أخلاق أهل البحرين وعن البيئة التي تربينا فيها جميعاً، يلي ذلك الانتقال إلى التهدئة بوقف مختلف التحركات الميدانية التي ليس منها إلا أذية خلق الله وتعطيل حياتهم وذلك لإتاحة الفرصة لـ«السياسيين” ليديروا العملية برمتها ويتيحوا للعقل فرصة العمل.
أبداً ليس صعباً الوصول إلى تسوية مناسبة ترضي كافة الأطراف وتحفظ ماء وجه كل منها، ورغم كل شيء فإنه لايزال مبكراً القول إن الباب قد أوصد أمام مثل هذه التسوية التي يمكن أن تعطي بها البحرين مثالاً عن إمكانية التصالح وعودة الجميع إلى البناء رغم كل الشروخ التي أحدثتها تلك الأحداث التي يتفق العالم كله على أن البحرين لا تستحقها ولا تليق بها.
في اعتقادي أن في البحرين رجالاً يمتلكون القدرة والخبرة والإرادة وصدق النية للخروج بالبلاد من هذا المأزق إلى حيث المستقبل الذي يكون فيه لكل بحريني مكاناً تحت شمسه.
{{ article.visit_count }}