حتى لو حاولنا التنصل من الواقع والابتعاد عن ما يعكر صفو العيش في أيامنا وليالينا عبر تجنبنا الحديث عن السياسة؛ إلا أنها السياسة تفرض نفسها علينا كواقع صارخ لا يمكننا الفرار منه، ولأن السياسة المعنية في حديثنا هذا تخص وطني، فلابد أن نتحدث عنه لا عن غيره من الأوطان. بعد عام ونيف من الاحتراب كان لابد للبحرينيين من الوقوف على مكامن الخلل السياسي والمجتمعي، وكان لزاماً على البحرينيين، لا على غيرهم، أن يعالجوا ملفهم السياسي بأنفسهم بكل اقتدار وجديِّة، لأنهم استطاعوا قبل هذه الأزمة وعبر أزمات مروا بها أن يمارسوا دورهم المسؤول بكل شجاعة وحكمة، ولا ينقص أهل هذا الوطن ممارسة فن الممكن عبر استحضار الدروس والعبر. يجب علينا أن نكون من الشعوب التي تُرَاكِمُ خبراتها وتجاربها للاستفادة منها وقت الشدائد، لا أن نبدأ من جديد مع كل أزمة تعترض واقعنا السياسي والاجتماعي، فنحن شعب مارس الحياة السياسية منذ ثلاثينيات القرن المنصرم، ومرّ بالعديد من المحن والمنعطفات السياسية الخطيرة، وهذا بمفرده يكفي أن نكون من الشعوب المتقدمة على الصعيد السياسي فكراً وعملاً. إن عِبر التاريخ وقضايا السياسة وتجاربنا المريرة، لا يمكن أن تكونوا ديكوراً في متاحفنا وبطون كتبنا، كما لا يجوز أن تُروى هذه الدروس كحكاية للأطفال فقط، بل نحن صنعناها من جيل النفط إلى جيل الإنترنت من أجل أن نناضل باستمرار في سبيل الاستقرار وتحقيق الأمن والمزيد من الرفاهية، هذه هي الحكاية، حكاية التاريخ ودروسه. إن الشعب الذي خاض غمار السياسة لأكثر من 90 عاماً لا يمكن ولا يُقْبَل منه أن يتلكأ اليوم في حل قضاياه، فالتجارب كلها كفيلة بأن يظل الشعب البحريني واقفاً متماسكاً كالبنيان المرصوص في سبيل استحضار تجاربه كلها، ومن ثم البحث مع معطيات العصر عن أفضل الأساليب وأنجعها للحل، لا أن يقف في منتصف الطريق حائراً، هكذا عودنا شعبنا العظيم. إن تسارع الزمن والأيام دون أن نجد حلاً لأزمة البحرين من شأن ذلك أن يربك واقعنا، وربما يدخل الوطن في حسابات معقدة للغاية، خصوصاً حين يرتبط مصيرنا بمصير المنطقة والإقليم، بينما باستطاعتنا أن نجد الحل منفرداً وبعيداً عن واقع دول أخرى. ما أحببت أنْ أُوصلهُ للقارئ الكريم أننا كبحرينيين باستطاعتنا أن نعالج قضايانا السياسية بمفردنا، بعيداً عن الصراعات الإقليمية والدولية، وبعيداً عن اللجوء لأية جهات أجنبية، لأن الجهات الخارجية مهما حاولت رسم خارطة طريق للبحرين فإنها سوف تقوم برسمها وفق مصالحها، مما يعني أننا سوف ندخل للحل عبر بوابة المراهنات السياسية والمساومات الاقتصادية، وهذا ما لا يمكن أن يقبل به أي بحريني غيور يخاف على تاريخ الوطن ومستقبله. من باب أهل مكة أدرى بشعابها؛ فنحن في المنامة أقدر على التفاهم فيما بيننا دون الاستعانة بالخارج. إن المسألة تحتاج لمزيد من التروي وزيادة جرعات العقل فقط، أما بقية التفاصيل فيجب أن ندعها لأنها من عمل الشيطان، فنحن لسنا فقط نملك الحل بل نحن الحل كل الحل. ^ نجاة المضحكي منح بابكو.. قوة الدفاع أولى بها شركة نفط البحرين بابكو مملوكة بالكامل لحكومة البحرين، هذا هو الظاهر، أما الحقيقة فلا يعلم ما فيها ومن فيها إلا ما يقرأ من عناوين تذكر في الصحف المحلية، وبعدها لا يعلم ما يجري وما جرى، ونتحدث اليوم عن باب المنح والبعثات الدراسية، حيث تقول بابكو: “نواصل في بابكو تبني خطط طموحة لمواكبة متطلبات المستقبل بما يدعم الأجيال البحرينية الشابة الواعدة، وذلك من خلال المنح الدراسية للخريجين من مدارس الثانوية”، كما تفيد أيضاً أن لدى بابكو في الوقت الحاضر عدداً جيداً من الخريجين المتميزين الذين يدرسون في مملكة البحرين والولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة، وهؤلاء مشمولون بمنحة مالية شاملة خلال فترة الدراسة، وعلاوة على منحهم فرصة الالتحاق بالعمل في الشركة بعد إكمالهم فترة الدراسة بنجاح، كما تقول بابكو إنها تقوم بجذب النخبة من خريجي المدارس، وإنها تبحث دائماً عن المتميزين، وإنه يتم الإعلان عن مواعيد تقديم الطلبات خلال الصحف المحلية، وكما تعلمون من هي النخبة ومن هم المتميزون بالنسبة لبابكو!! السؤال هنا؛ منذ أن تأسست بابكو كم ابتعثت من الدارسين؟ ومن هؤلاء الخريجون. حيث لم نسمع أحداً في منطقتنا أو أحداً نعرفه من مناطقنا ابتعثته بابكو للدراسة في الخارج، ولا نعرف أيضاً أحداً يعمل في بابكو، فبابكو بالنسبة لنا مجرد اسم نقرؤه على شاحنات النفط ومحطات البترول، هذا كل ما يعرفه أهالي مناطقنا عن بابكو. على سبيل المثال قامت بابكو عام 2010 بابتعاث، حسب المعلومات العامة الواردة في المواقع، بعض الخريجين لدراسة الهندسة المدنية والكيميائية والمحاسبة، أي أن الخريجين سيحظون بدراسة مجانية ووظيفة مضمونة، في الوقت الذي يوجد فيه خريجون من جامعة البحرين ويحملون نفس الاختصاص قد تقدموا ونعرفهم بالاسم لبابكو ولم يتم النظر حتى في طلبهم، كما إن هناك من العاطلين عن العمل من يحملون نفس التخصص، فكيف تكون هناك إذاً حاجة إلى تدريس خريجين في الوقت الذي يتقدم خريجون جاهزون للعمل مباشرة، وكيف تكون بطالة في ظل وجود وظائف مضمونة لخريجين لم يبدأوا حتى دراستهم الجامعية بعد. السؤال الآخر؛ من يتفحص طلبات المتقدمين ومن يختبرهم؟ هل هناك لجنة حكومية، طالما هذه الشركة مملوكة للدولة، وإذا كانت الشركة حكومية فلماذا لا يتم تحويل البعثات إلى وزارة التربية وهي الجهة الأصلح في التقييم؟ إذ إن الأشخاص الذين سبق وأن ذكرنا أسماءهم في مقالات سابقة ليسوا على قدر من الكفاءة العلمية ولا الوطنية، إذ إن الابتعاث والمنح يجب أن يقوم عليها أشخاص تربويون ووفق معايير موحدة تضمن تكافؤ الفرص والعدالة. كما إن المنح والبعثات لا يمكن أن تقدم لأبناء موظفي الشركة، إذ إن هذه الشركة ليست مؤسسة عائلية يتوارثها الأبناء، وليس للموظف أحقية أو أفضلية على المواطن كون هذه الشركة حكومية، كما إن هناك مواطنين خدموا بكل تفان وإخلاص وطنهم ويستحق أن يحصل أبناؤهم على فرصة للدراسة والعمل في بابكو، وقد يكون هذا المواطن أولى من الموظف الذي ترك مصانع الشركة وذهب إلى الدوار وشارك في عصيان مدني لمدة أسبوعين أو أكثر، والجميع يعلم ماذا حدث في شركة بابكو خلال فترة المؤامرة الانقلابية، والتي تعطلت فيه المصانع ووصلت الطاقة التكريرية إلى صفر، وأن 5 وحدات لإنتاج النفط الخام أغلقت لمدة 6 أيام بسبب العصيان، ما يعني أن الوضع الأمني للشركة في خطر، ولا نحتاج إلى أن تمر البحرين بتجربة أخرى كي نستوعب أهمية الأمن القومي والذي يعتبر القطاع النفطي أهم ركائزه. إن المنح والبعثات يجب أن تكون ضمن الاستراتيجية المستقبلية للدولة ككل، وليس لشركة بابكو التفرد في وضع هذه الاستراتيجية، والتي يمكن أن تشرف عليها جهة مثل وزارة التربية، لكن الأولى أن تكون قوة دفاع البحرين كونها المؤسسة العسكرية التي تقع عليها مسؤولياتها حماية المنشآت الحيوية في السلم والحرب، وعلى الدولة أن تراجع وضع الشركة الحالي وتراجع مخارجه وثغوره، إذ إن الوضع لم يختلف بعد مؤامرة الانقلاب بل تراجع إلى الأسوأ، مما يجب تدارك الوضع قبل إرسال مبتعثين لا يختلفون عن أولئك الذين تركوا المكائن والمحركات تدور لوحدها، ولولا فضل الله ثم فضل الفئة المهضوم حقها في الشركة لحدثت كارثة وقد تتوقف بسببها الحياة في البحرين، فهذه الشركة المصدر الرئيس للطاقة، فلا طائرات تطير ولا سيارات تسير ولا مستشفيات ولا اتصالات، ونذكركم إن نسيتم -وبالتأكيد قد نسيتم- عندما انقطعت الكهرباء عام 2004، والتي أرجع سببها إلى شحنة كهربائية زائدة من بابكو ما أدى لانقطاع الكهرباء والأقاويل التي ترددت عنها، فلا مجال اليوم للمجاملة أو الحديث بدبلوماسية، فالوضع لا يحتمل وجهين، فالقضية قضية أمن قومي وعلينا أن ننظر بمنظار يرى الأشياء على حقيقته، وأن نحل المشكلة من الجذر لا من الرأس، والجذر هو الموظف الذي يدير الماكينة، لا الذي يجلس على كرسي مرتفع ومن حوله يقدمون له الولاء والكلام المعسول، وقد عرف موظفو هذه الشركة بهذه الصفة الطيبة فتحولت من شركة مملوكة للحكومة إلى شركة يتوارثها الأبناء والأنساب.