تحاول الروابي الجميلة المعشبة التي تجلل ذرواتها أشجار خضراء زرعت على مسافات متساوية ممارسة استراتيجية الإلهاء؛ وتحويل انتباهنا عن كمية الدماء التي قرّرت النّخب الحاكمة في دمشق سفكها ذلك النهار، وكالنقطة المفاجئة في منتصف سطر لم ينه ما يريد، يقفز علينا من ذلك المنظر الملازم الملتحي عبدالله الحسن من مرتب الفرقة الرابعة الكتيبة 84 مشاة، مستهلاً قراءة حقيقة المشهد بالآية الكريمة “إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” وليذكرنا بالمجازر التي ترتكب بحق الأطفال والمتظاهرين العزل. فتحت عنوان “تشكيل كتيبة الخليج العربي التابعة للواء شهداء ريف حماة” يظهر مقطع مصور قبل شهرين على يوتيوب صفين من الرجال، في الأول 20 رجلاً، وفي الثاني سبعة رجال. حيث يرتدون خليطاً من ملابس عسكرية ومدنية، بسطار عسكري، حذاء رياضي، قمصان عادية. ملثم بعضهم بشماغ وآخرون حاسرو الرؤوس، وجميعهم مسلحون بمضاد للدروع ورشاشات كلاشنكوف مركب على بعضها قاذف قنابل.
على موقع اليوتيوب هناك ما يزيد على 250 مقطعاً مختلفاً عن كتائب الجيش السوري الحر، كما يقول داعمو الثورة السورية على موقعهم في “الفيس بوك”، حيث نشروا صفحة من برنامج الجداول أكسل وعليها اسم كل كتيبة واللواء التابعة لها، ومدينتها، وقائد الكتيبة، وبيانها الذي أعلنته على اليوتيوب. ومنها “كتيبة درع الشام والخليج” في إدلب، و«كتيبة أبو حمزة الكويتي” في دير الزور، و«كتيبة القسام” و«القدس”. ففي إدلب 67 كتيبة، ودير الزور 36، وحمص 38 ودرعا 30 كتيبة، وحماة 29 كتيبة، وحلب 16 كتيبة، وريف دمشق 12 كتيبة، أما دمشق نفسها ففيها 3 كتائب للجيش السوري الحر ومثلها اللاذقية، وكتيبتان في الرقة، وكتيبة واحدة في كل من طرطوس والسويداء والقنيطرة. ليصبح المجموع النهائي 250 كتيبة ضمن 17 لواء تابعة للجيش الحر الذي أعلن تأسيسه ضباط مُنشقون عن الجيش النظامي في 29 يوليو 2011.
إن ظهور 27 رجلاً بهذا الشكل المكشوف بطولة تصبح جميع البطولات في حضورها بمنزلة الإشاعة، إذا أخذنا بعين الاعتبار مدى ما تكنه حكومة دمشق للخليج وأهله كمحرض على الثورة، كما إن انشقاقهم في 23 مارس 2012 حاملين اسم الخليج العربي رسالة لنا في الخليج بالدرجة الأولى، ولعل أهم دوافع مساعدة هؤلاء الفتية الذين يحملون اسمنا هم ورفاقهم في بقية الجيش الحر، إخلاصهم رغم صغر سنهم لدرجة غياب الحد الأدنى من تعليمات الأمن العسكري لدى هؤلاء الفتية في وجه آلة استخبارية ضخمة وقبيحة الصيت والمنظر، ففي تحد سافر أعلنوا للعدو والعالم انشقاقهم عن جيش الأسد قاتل الأطفال، ونشروا أسماء كتائبهم وألويتهم ومواقعها، بل وأسماء قادتها، ولعل في ذلك جانب إيجابي لتشجيع بقية فتية الشام للانضمام لهم. ثم تلاشت الكتيبة، ولعل ذلك إجراء أمني حصيف من القائمين عليها ولو متأخراً. لكنها عادت حين قرأنا خبراً عن مشاركتها في صنع وإدارة سيارة مفخخة يتم التحكم بها عن بعد وتفجيرها بـ«بتكنولوجيا خليجية” كما يروج نظام دمشق. فلعل الكتيبة أرادت الانفصال عن المحدود والانتساب إلى المطلق ليكون جهدها ضمن التعبئة العامة للجيش السوري الحر وباسمه.
كتيبة الخليج العربي هي كتيبة سورية حملتا اسمنا دون طلب منا أو موافقة، وفاءً للجهد الخليجي في سوريا. ولها أمل، هي وبقية الجيش الحر، ألا نتخلى عنهم، وألا نكون أقل عطاء بما هو مطلوب منا. فما أكثر ما دعمت دول عدة كتائب ثائرة ثم تخلت عنها في لحظة زمنية بالغة الانعطافة. فحين أصبح خنق الثورة الكوبيّة هدف لواشنطن، دربت “السي آي إيه” اللاجئين الكوبيين وجهزتهم لحرب كاسترو. وبدأ رجال الكتيبة المكونة من 1511 مقاتلاً والمسماة “الكتيبة Brigada Asalto 2506” بالإنزال في خليج الخنازير 16 أبريل 1961م. وفي ثلاثة أيام سلّمت الكتيبة وقتل 114 رجلاً، بينما أسر كاسترو 1197 مقاتلاً. واعترف كينيدي بكامل المسؤوليّة عن العملية الفاشلة. ثم استعاد الأسرى حرّيتهم بعد عام نظير 53 مليون دولار من الأغذية والأدوية الأمريكية. حيث سلموا باحتفال أقيم في ميامي راية الكتيبة للرئيس كينيدي فقال لهم: “أؤكّد لكم إنّ هذا العلم سيردّ لكم في هافانا حرّة”.
وطالت الأيام وتم اغتيال كينيدي وشوكة هافانا في خاصرته، وغرق جونسون ثم نيكسون في مستنقع فيتنام، يحكون خاصرتهم كلما تذكروا أن كوبا مازالت هناك. وفي عام 1977م طلب قدامى المحاربين من الكتيبة الكوبية المنكوبة -وهم كهول- من متحف كينيدي أن تردّ لهم الراية “لأن الوعد لم يتحقّق” فأرسل لهم الراية موظف بسيط بواسطة البريد.
نحيي الكتيبة السورية التي تحمل اسمنا وفاء وأملاً، لكن اللواء الخليجي الذي نعول عليه بعد الله، لمساعدة سوريا الحرة مكون من ثلاث كتائب للدعم السياسي والإعلامي والمالي.
وهي كتائب وزراء خارجية دول مجلس التعاون، الذين طالبوا أثناء اجتماع المجلس الوزاري للجامعة العربية في الدوحة 2 يونيو 2012م بحذف قنوات التضليل السورية من القمرين عرب سات ونايل سات، فاتحون المجال لكتيبة الإعلام، ممثلة بالقنوات الخليجية التي شكلت كثيراً من أقنية ري الربيع العربي.
ثم كتيبة المساعدات الرسمية والتبرعات الشعبية التي ستمول عمليات كتيبة الخليج العربي وبقية عمليات الجيش السوري الحر، لترتفع راية الاستقلال السورية ذات اللونين الأخضر والأسود بنجومها الحمراء الثلاث كما صنعها رجال الاستقلال.
المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج