يلتقي وزراء مالية دول مجموعة السبع المكونة من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا واليابان والولايات المتحدة وكندا في اجتماع طارئ من أجل التباحث “حول أزمة الديون في دول منطقة اليورو، وسط قلق متزايد على اقتصاد تلك الدول”، وخشيتها من أن يؤدي “فشل أوروبا في التعامل مع أزمة الديون إلى التأثير على فرص التعافي في العالم”. يبدو ذلك الخوف واضحاً أيضاً في تصريحات وزير المالية الألماني وولفجانج شوبل في مقابلة مع صحيفة “هندلسبلات”، قبيل ذلك اللقاء، حيث قال “أكدت حكومتنا أن هناك ضرورة لانشاء اتحاد مالي قبل البدء بالحديث حول تعامل مشترك مع أزمة الديون”، وعزز من تلك المخاوف تصريحات وزير مالية كندا قبل ذلك اللقاء حين قال إن “أوروبا هي مصدر القلق الآن”، في إشارة منه لاحتمال انتشار الأزمة لتضرب اقتصادات أخرى.
سبق ذلك، وفي السياق ذاته، وتحديداً في 23 مايو 2012، تحذير البنك الدولي من “أن ازمة الديون السيادية في منطقة اليورو يمكن أن تضر بالنمو الاقتصادي في دول شرق اسيا، وأن اضطراباً كبيراً في منطقة اليورو يمكن أن يؤثر سلباً على النمو والطلب على صادرات شرق آسيا”.
تزامن ذلك مع نشر نتائج دراسة مسحية أجرتها مؤسسة “ماركت” لأبحاث السوق تحدثت عن انخفاض “نشاط الأعمال في أوروبا لأقل معدلاته منذ ثلاثة أعوام في مايو 2012”.
في الوقت ذاته، جاءت نتائج المؤشرات الرئيسة في البورصات الأوروبية والأمريكية مخيبة للآمال بعد أن سجلت “تراجعات ملحوظة متأثرة بالأرقام السلبية لأوضاع العمالة في الولايات المتحدة”، وليس هناك ما يبشر باستعادتها لعافيتها رغم دعوات الرئيس الأمريكي باراك أوباما المتكررة إلى الكونغرس من أجل “التحرك والتصديق على مشاريع قوانين لتنشيط الاقتصاد”.
ولا تختلف صورة حالة العمالة الأوروبية عن نظيرتها الأمريكية، فهي الأخرى لا تبشر بالخير، فقد أظهرت أرقام الاتحاد الأوروبي “أن نسبة البطالة في منطقة اليورو بلغت في أبريل نحو 11%، وهي نفس نسبة مارس، لكنها تظل اعلى نسبة بطالة مسجلة منذ بدء السجلات في عام 1995”.
وفي بريطانيا حذر اتحاد غرف التجارة البريطانية -الذي يمثل أكثر من مئة ألف مؤسسة تجارية- من احتمالات “انخفاض معدلات النمو توقعاته لنمو الاقتصاد هذا العام من 0.6% إلى 0.1% فقط”. الأسوأ من ذلك هو خشية الاتحاد من ارتفاع “عدد العاطلين عن العمل في بريطانيا من مليونين و625 ألف عاطل (8.2% من القوة العاملة الإجمالية) إلى مليونين و900 ألف عاطل (9%) في الربع الثالث من العام المقبل نتيجة الخفض المستمر في الانفاق على القطاع العام”.
ويبدو أن بريطانيا تخشى من تطور أوضاعها الذاتية إلى ما هو أسوأ من ذلك فقد وضعت وزارة الداخلية البريطانية “خطة طوارئ للتعامل مع احتمال زيادة عدد المهاجرين الأوربيين، خصوصاً من اليونان، في حال انهيار اليورو”. وأكدت وزيرة الداخلية تريزا ماي، من أجل تطمين العاملين في السوق البريطانية، لصحيفة ديلي تليغراف إن “العمل مستمر للحد من عدد المهاجرين الأوروبيين حال حدوث انهيار مالي”.
وليست هناك من حاجة للخوض في تفاصيل الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها اليونان، تكفي الإشارة إلى حث مديرة صندوق النقد الدولي كرستين لاغارد اليونانيين، في مقابلة أجرتها معها صحيفة الغارديان اللندنية “على دفع الضرائب المستحقة عليهم لأن وقت الحساب قد حان بالنسبة لليونان”، على حد قولها.
الأمر لا يختلف عند الوصول إلى الاقتصادات العربية الرئيسة، والتي تعكس تراجعات أسواق المال العربية تداولاتها، بعضاً من جوانب الأزمة المتوقعة لها، إن لم تكن قد دخلتها، فقد أغلقت السوق السعودية مؤخراً “بانخفاض المؤشر السعودي الذي خسر أكثر من 33 نقطة”، تلاه المؤشر المصري “الذي لا زال مستمراً في تكبد الخسائر منذ بداية شهر يونيو الجاري”. يأتي ذلك في وقت حذرت فيه وكالة الطاقة الدولية من “إن سعر النفط قرب 100 دولار ما زال خطراً على الاقتصاد العالمي الذي يتباطأ ومن المرجح أن يستهلك كميات أقل من الوقود عن توقعات الوكالة”. هذا من شأنه أن يشكل تهديداً لمشروعات النمو التي وضعتها في موازناتها السنوية، معظم الدول العربية النفطية محتسبة الـ 100 دولار كسعر متوقع للنفط خلال هذا العام.
كان ذلك على مستوى التكتلات الإقليمية والبلدان، لكن الأمر لا يختلف عنه عندما ننزل إلى مستوى الشركات، فقد توقعت شركة ناجحة بكل المقاييس، مثل الشركة المصنعة للهواتف الذكية من طراز بلاكبيري “أن تمنى بخسائر كبيرة في الربع الأخير من العام 2012 ما سيدفعها إلى اتخاذ إجراءات تقشف من بينها خفض عدد العاملين لديها”. الأمر الذي سيزيد من معدلات البطالة في الولايات المتحدة، وسينعكس سلباً، كما ذكرنا على منطقة اليورو. وأكدت الشركة “ريسيرش إن موشن”، أنها في خطوة استباقية تحصينية قد توصلت إلى اتفاق مع بنكي “جي بي مورغان” الأمريكي و« آر بي سي كابيتال ماركيتس” الأسترالي من أجل مساعدتها على مراجعة استراتيجيتها الاقتصادية، واتخاذ التدابير الوقائية التي يمكن أن تقلص من احتمالات المستقبل الأسود الذي يتربص بها.
والأمر لم يكن مختلفاً بالنسبة لشركة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، التي كان الجميع يترقب طرح أسهمها للاكتتاب العام، فقد “أنهى سهم شركة فيسبوك أول جلسة لتداوله بلا تغيير يذكر عن سعر الاكتتاب في الطرح العام الأولي، في بداية متعثرة على غير المتوقع خيبت الآمال المعقودة عليه”.
هذه الصورة القاتمة القائمة والمتوقعة، تشير إلى مجموعة من الحقائق، وتدعو إلى مجموعة من الإجراءات التي تتمحور حوق نقطة مركزية واحدة، تنطلق من الاقتصاد الأمريكي، وتتمحور حوله، إذ تؤكد ظواهر الأزمات فشل كل الحلول الترقيعية التي لجأت إليها واشنطن في إصلاح اقتصادها المتعثر بنيويا، منذ أن ضربتها أزمة العقارات في مطلع هذا القرن، التي انتشرت كي تشمل الأسواق العالمية الكبرى، والسبب الرئيس الذي يقف وراء ذلك الاتساع الجغرافي المترافق مع تنامي الأزمة، يكمن في إصرار واشنطن على التحكم في مشاريع وآليات الإصلاح وتسخيرها، بشكل أناني مقصود، لما يخدم الاقتصاد الأمريكي، الذي لم يعد قادراً، كما كان في أعقاب الحرب الكونية الثانية، على الاستمرار في ممارسة دور الريادة. هذا يجعل الحل يحمل في أحشائه درجة عالية من التناقض بين النرجسية الذاتية الأمريكية، والمتطلبات الموضوعية النابعة من احتياجات الاقتصادات الأخرى. ومحصلة ذلك تعثر الحلول، واستمرار الأزمة التي تتمظهر في أشكال مختلفة تتناسب وطبيعة الاقتصاد الذي تتفشى فيه. ومن هنا فما لم تتخلى واشنطن عن أنانيتها، أو تقدم الاقتصادات الناشئة في دول “بريكس” على خطوة جريئة تعيد بناء المعادلات الاقتصادية القائمة، بحيث تعطي كل اقتصاد الثقل الذي يستحقه، فليس هناك ما يحول دون تفاقم الأزمة، وليست اليونان اليوم، سوى النموذج الأمثل للتعبير عنها، وهذا من شأنه وضع الاقتصاد العالمي أمام أزمة جديدة تتربص به.