العلم حاجة ملحة ومصلحة مهمة للمجتمعات والأفراد، فما تراجعت الأمم ولا استولى عليها أعداؤها وتحكم في مصيرها مناوئها، وما انتشرت فيها المذاهب الهدّامة، وعمت البطالة وقل الإنتاج إلا بعد إهمال العلم والحفاوة بأهلة. لذلك كان للعلم مكانة خاصة في ديننا، فقد تواترت النصوص التي تحثّ على طلب العلم وتبين عظيم أجره، فأولى ما يشتغل به العبد لتحصيل رضا الرب، وهو علامة من علامات خيريته والصلاح فيه التفقه، وأعلى درجات التفقه التفقه في الديّن كما قال خير المرسلين: “من يرد الله به خيراً يفقه في الدين”. قال تعالى: “قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون” وهذا سؤال حذفت إجابته، لأنها مقررة معلومة فهم لا يستوون، فلا يستوي ذلك الذي يعبد الله على نور وهداية وبصيرة والمتخبط في ظلمات الجهل والهوى والبدع والخرافات، لا يستوي أهل المعرفة بمعاني كلام الله وسنة رسول الله، والجاهل بهما. بل أن الله يرفع أهل العلم: “يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات”، وجعلهم شهداء لأعظم قضية وهي وحدانيته، “شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وألوا العلم قائماً بالقسط”، والعلم هو الدافع للعمل، والسبيل العاصم بإذن الله من الوقوع في الزلل، “إنما يخشى الله من عباده العلماء”. وقد قال عليه الصلاة والسلام: “ من سلك طريقا يلتمس به علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة”. وقد أدرك سلف هذه الأمة مكانة العلم فحرصوا عليه أشد الحرص، وجدوا واجتهدوا وصبروا وصابروا، وحلوا وارتحلوا، واستثمروا الأوقات وأمضوا السنوات، وإلا أنه في زماننا هذا حيث الوسائل ميسرة، والمدارس منتشرة، ووسائل الاتصالات ممكنة، بات الإقبال على العلم لا سيما علوم الشريعة التي يحتاج إليها الإنسان لإصلاح آخرته ضعيفاً. ومن هنا كان لا بد أن ندرك بأن العلوم تنقسم من حيث الوجوب إلى علوم واجبة على كل مسلم لا يسعه جهلها، وهي تعلم ما يقيم به المسلم دينه كالعقيدة الصافية من مصادرها الأصلية، والعبادة كي تؤدى على طريقتها المشروعة، وما يتعلق بإصلاح القلب من سلامة النية وحسن القصد، لذا كان على كل أحد أن يقتطع شيء من أوقاته لتعلم دينه ويجعل هذا من أولوياته. ثم إلى علوم تجب لكنها ليست على الجميع، إذا قام في المجتمع من يسد الواجب ويقوم باللازم منه كفى البقية، وهذه العلوم قد تكون شرعية يختص بها أهل الدراية في تفاصيل دقيقة في التفسير والحديث وعلوم مساعدة، وقد تكون دنيوية كالطب والهندسة، والميكانيكا وغير ذلك، ومن الخطأ توجيه الأبناء إلى شغل مجالات محددة وترك سائر التخصصات لمن لا يوثق في أمانته.