ربما يأتي وقت تسارع فيه الأنظمة والحكومات إلى تخصيص حقائب وزارية تتعلق بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي، وتقوم بإدارة الحوار عبر شبكة الإنترنت مع المواطنين ومع الجمهور الخارجي للتسويق للدولة ومواقفها ورؤيتها من القضايا المعاصرة، وتقوم بخلق وبناء الصور الذهنية الإيجابية وتوضيح ما يلتبس من سوء فهم إزاء بعض القضايا، وذلك بعد ثبوت دور تلك المواقع بشكل كبير في تشكيل الوعي وصلاحيتها كوسيط يحمل العديد من الحملات الإعلامية التي يتم التحشيد لها، وتحقق نتائج سريعة في أوقات قصيرة. في الواقع فإن الدول الغربية التي ليس لديها وزارات إعلام لديها هذه الكيانات التي تتواصل بها مع الشباب والمدونين ونشطاء الإنترنت، سواء كان هذا الكيان قسماً أو إدارة تابعة لوزارة الخارجية أو أي وزارة أخرى، إدراكاً منها أن الوجود في هذه التجمعات الافتراضية كثيفة العدد يحق لها الكثير من الغايات، بل ويوفر عليها الكثير من الجهد والوقت والمال الذي يمكن إنفاقه في تجمعات ومؤتمرات ومآدب عشاء تحقق نفس الغرض. أذكر أن الإدارة الأمريكية ومن خلال قسم خاص في وزارة الخارجية الأمريكية والسفارات التابعة لها كانوا يتحاورون مع المدونين من الشباب العربي الساخط على السياسات الأمريكية تجاه العالمين العربي والإسلامي، خصوصاً بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان، من خلال حملات منظمة تستهدف تحسين الصورة الذهنية المتردية للولايات المتحدة من جراء تلك الأحداث، فكانوا يتحاورون مع شبابنا في الوقت الذي تترك أنظمتنا العربية شبابها دون حوار. إن الأنظمة الحاكمة لم يعد بوسعها الآن أن تسيطر على فضاءاتها الإعلامية كما كان الحال في السابق مهما اتخذت من تدابير، مما قد يشكل خطراً على الأفكار أو القيم السائدة، وليس لها أن تراقب كل ما يصل إلى مواطنيها، فقط أمامها أن تحصن المجتمع من الأخطار التي يمكن أن تفد إليه عبر الحوار والإقناع بالحجة والبرهان والحقائق والمعلومات السليمة في إطار عملية تشكيل وعي مجتمعي. إن الدعوات للحوار ليست بالضرورة أن تكون تحت مظلة رسمية، وليس بالضرورة أن يسبقها حشد إعلامي وسياسي، فالحوار بين المجتمع بكل مكوناته نظاماً وشعبا ليس له وقت محدد ثم ينتهي، إنها حالة ديناميكية ومتواصلة تتطلبها طبيعة الحياة الإنسانية، وليس ضروريا أن يكون بوجود الأشخاص المتراصين حول الموائد المستديرة، فالحوار حالة يمكن أن تكون عبر مواقع التواصل الاجتماعي الذي يمثل وسيطا جيدا وبيئة خصبة لتداول الأفكار والنقاش البناء الذي يمكن أن يتم بشكل مدروس وممنهج، ويحدد له فئات مستهدفة بعد تقسيمها، ومن ثم تحديد أسلوب الخطاب المناسب لكل فئة وشريحة من هذه الشرائح. بطبيعة الحال باعتباري أكاديمياً ينتسب إلى مجال الإعلام فأنا منحاز للحريات الإعلامية، وأن تبقى المؤسسات الإعلامية على اختلاف أنواعها بعيدة عن رقابة الأنظمة الحاكمة، بل أتفق مع رؤية أن يظل الإعلام بلا وزارة رسمية، لكنني أقترح على الأنظمة في بلادنا أن توجه جهودها المخططة والمدروسة إلى حيث يقضي الشباب وكل فئات المجتمع أوقاتاً كثيرة، بدلاً من هذه الجهود العشوائية التي نراها في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يفيد بعضها وقد يضر البعض الآخر ضرراً عاماً يتناول المجتمع؛ قيمه، وثقافته، وتقاليده.