كنا نتمنى وجود دراسة من علماء النفس تتابع الحالات التي تم القبض عليها مؤخراً بسبب الأحداث التي تمر بها البحرين قبل إيداعها السجون، حتماً ستخرج هذه الدراسة بنتائج كارثية تصور كم عائلة تضررت بسبب تصرفات أبنائها الطائشة وغير المدروسة، والتي تعمدت قيادات المعارضة الزج بهم في صراع دموي مع السلطة دون طائل، حيث تم التغرير بهم بعد عمليات غسيل المخ التي كانوا يخضعون لها في معسكراتهم الخارجية وتدريبهم على العنف الممنهج وعمليات حرق الإطارات وتفجير السلندرات وصناعة زجاجات المولوتوف وسد الشوارع والطرقات وحرق المدارس وصروح التعليم، وغيرها من الأفعال المشينة والتي لا تنم عن مجتمع مسلم مدني يبحث عن الديمقراطية التي كان يناضل من أجلها وعندما حصل عليها تحول إلى تدميرها والانتقام لكل ما هو ديمقراطي، حيث لم تكن تلك الاحتجاجات سلمية تطالب بمطالب معيشية حقوقية بل تطالب بأكثر من ذلك، ولم تكن تلك الاحتجاجات تخضع لما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (19) منه؛ بل أخذ أصحاب المطالب الديمقراطية بضرب الحائط لكل ما هو ديمقراطي وسعوا لتدمير كل تقارب توافقي بالحوار والتفاوض والإساءة إلى مبدأ حرية الرأي والتعبير.

لقد تعمدت المعارضة الاستنجاد والاستقواء بالأجانب لتمرير أجندة باتت مكشوفة للجميع، ولم يعد هناك ما يخفى، حتى من تم الاستنجاد بهم عرفوا اللعبة وأصبحوا يتداركون موقفهم الذي كانوا عليه قبل عام، ولم تعد السياسة الأمريكية كما كانت عليه في 14 فبراير، كذلك السياسة البريطانية لم تعد كما كانت عليه في 21 فبراير 2011، إنما من ظل ينابح ويطبل ويزمر هو النظام الإيراني وسياسته المتخبطة في أوحال انتهاك حقوق الإنسان وميليشياته وقنواته الفضائية التي تمارس شتى أنواع الكذب والافتراء على الشعب البحريني، حتى مصر الثورة عادت إلى رشدها بعد كشف المؤامرة الدنيئة على البحرين وبدأت تسير بخطي ثابتة لتصحيح ما بدر منها تجاه البحرين معتذرة تارة ومتأسفة تارة أخرى.

يأبى جفناي أن يغمضا؛ فأي نوم يمكن أن يأتي وأنا أرى المتفائلين بالحوار مع مجموعة ترفض أدبيات الحوار وثقافته، وترفض كل ما هو لصالح المواطن، بل وتطالب بأشياء تُعد من الثوابت المشروعة للنظام، والتي من الصعوبة بمكان تغييرها، إذ المساس بها خط أحمر؛ ليس للنظام فحسب، بل لغالبية الشعب البحريني ذي الحس الوطني، وأخشى أن يطال لساني بعض المتفائلين بالحوار فأبدو فظاً بينهم مما تجوس به أفعالي أو لساني، ولهذا فليخسأ المتفائلون بالحوار العقيم ذي المطالب التعسفية.

هناك سياسيون وصحافيون مغمورون صامتون، لا يعرفهم إلا القليل من المقربين منهم ولهم ملاحظات جوهرية من الممكن الاستماع لها وإدخالها في الحوار والتفاوض مع منظري الفوضى والتدمير، وما الفوضى إلا آفة تأكل الأخضر واليابس، فما بالنا إذا تحولت هذه الآفة إلى فتوى (اسحقوهم)، والتي كادت أن تعصف بالبحرين لولا ستر الله، لقد خرجوا في ليل طويل يبحثون عن كل منتسب للشرطة أو الأمن العام ليسحقوه.

لا أدري لماذا تراودني فكرة المؤامرة وفكرة بيع البحرين وبيع عروبتها، إذ إن الفكرة في الأساس لم تكن وليدة الصدفة، حيث لا يحدث شيء بالصدفة، لا يحدث شيء وفق الانتقال من فراغ إلى فراغ، كل حدث يقع تقف خلفه جهة محلية أو خارجية، فما يحدث في البحرين تدبره أيادٍ طهرانية أو لندنية أو مجموعة مجرمين كعصابة “البلشتي سارق سمك فشتي”، تعمل بالأجر مع جهات إقليمية، وما يحدث لنا تدبره قوى الرجعية والتخلف السياسي والتي غالباً ما تنشط ذهنية المعارضين السياسيين في إلباس إحدى دول مجلس التعاون الخليجي رداء كل ما يلحق بالبحرين من ترديات سياسية أو اقتصادية، هؤلاء المحرضون يسيرون بالبحرين بخطوات متشابهة لما جرى للعراقيين، يعدون مؤيديهم بالمن والسلوى ويوكلونهم بالقتل بالنيابة عنهم، في منابرهم يتغامزون بلغة المجرمين الكبار، يحرضونهم لأنهم يعتقدون أنهم معصومون من العقاب ولا يطالهم القانون، بينما أولئك الصغار المغرر بهم تطالهم يد القانون وتوصد عليهم السجون بالنيابة عنهم، فذلك الدخان المتصاعد من الإطارات المحترقة تصيب الجميع، ليس لها صديق تبتعد عنه، إنهم يتلذذون في منابرهم بالأدخنة وبمسيلات الدموع ولا ينامون إلا على الدماء المسكوبة وصوت الكلبشات والهراوات وطرق الأبواب.

يظن هؤلاء أنهم سيتسيدون ويحكمون الوطن بأجندتهم الراديكالية، إنهم فقط يتوعدون ويهددون دون طائل، وجوههم خابية غير مكترثة بالغد، لم يدركوا ما جرى في العراق وما يجري في سوريا ولبنان ويريدون تطبيق نسختها الكربونية علينا، لذلك لا يجب أن يعطوا بأكثر من حجمهم الصغير الذي خلق لنا هذا النفور والتفرقة، فالبحرينيون بطبيعتهم لا يميلون للفوضى والتخريب والاعتداء، فلديهم خصال حميدة في التسامح الديني وقبول الآخر مهما كان دينه أو مذهبه أو لونه أو جنسه أو جنسيته.

السؤال الذي يطرح نفسه؛ ماذا حصل لنا كمجتمع مسلم مدني آمن؟ من الذي زرع فينا كل هذا الحقد والبغض وكراهية الآخر؟! هل مازلنا نعلق مشاكلنا على شماعة الاستعمار؟ هل أصبحنا في خصومة دائمة أزلية؟

هؤلاء إلى الآن لم يقدموا أي مشروع سياسي وطني، لأنهم يحملون أحكاماً مسبقة لكل شيء بنظرة المتشائم من الحلول الوطنية، ولهذا فليخسأ المتفائلون وأنا منهم، وحفظ الله البحرين شعباً وقيادةً.