تابعتُ الخطاب الأخير للرئيس السوري بشار الأسد وتساءلت مرة أخرى: لماذا لا يستفيد الإنسان من خبراته عبر آلاف السنين؟ لماذا يصرّ على ارتكاب الأخطاء نفسها والحماقات نفسها، فالتاريخ يروي لنا قصص قادة وزعماء انتهت بهم تصرفاتهم إلى الهلاك ومقتل ملايين من البشر.. من الإمبراطور الروماني نيرون وجنكيز خان إلى هتلر وموسوليني وصدام حسين والقذافي.
إن “الطبيب الفيلسوف” بشار الأسد رغم صغر سنّه وقصر عمره في الحكم فإن خطاباته تعكس اضطراباً نفسياً عميقاً..
كلمات كثيرة عجيبة قالها في خطابه الأخير لكن استوقفتني هذه الكلمات: “الثمن الذي سندفعه بعد الخروج من الأزمة ليس أمنياً لكن أخلاقياً...”، ما يعني دخول مفاهيم العنف والإرهاب والسرقة وغيرها إلى سوريا البلد المقاوم القوي الذي لا ينحني إلخ إلخ إلخ.. “الطبيب الفيلسوف” يحب دائماً أن يشرح أفكاره كما لو أنه يتحدث إلى “أطفال مدارس”، فيتوقف مثلاً شارحاً الفرق بين “الرمادية السياسية” و«الرمادية الوطنية”، كما كان يفعل في مؤتمرات القمم العربية شارحاً للملوك والرؤساء في سن آبائه وأجداده معنى “المقاومة” و”إرهاب الدولة”.. الفارق الوحيد هو أنه في سوريا كان المستمعون يجدون فرصة للتصفيق كي يكسروا حاجز الملل، لكن في القمم العربية كان يجد البعض في خطابه فرصة للنوم!
كلمة بشار تعني أنه متأكد من خروجه من الأزمة، لكن قلقه ينصبّ فقط على “أخلاق” السوريين التي قد تتغير بعد تلك الأزمة! أليس هذا مؤشراً على مدى اضطرابه الخطير.
وبعيداً عما تسجله كاميرات الهواتف المحمولة على الإنترنت من قتل وتنكيل بالسوريين وشبيحة جربتهم مصر وتونس واليمن، فإن بشار بالتأكيد يعرف أن تاريخ سوريا منذ أن تولت أسرته الحكم تاريخ قمعي دموي، والكل يعرف عن مذبحة حماة في 1982 ومقتل آلاف السوريين بالطائرات السورية.. الطائرات نفسها لم تقتل هذا العدد من “العدو الإسرائيلي” ولا تجرؤ على مجرد التفكير في قتل واحد إلا عن طريق “وسيط”! كل الناس بمن فيهم السوريون يعرفون عن قمع الأجهزة الأمنية للمعارضين والاعتقالات والتعذيب الذي يتعرضون له. إن سوريا في عهد “الأسدين الكبير والصغير” سجن كبير لأصحاب الرأي والفكر! هل لا يعرف “المثقف الفيلسوف” هذه الحقائق؟
نريد أن نذكّره بأن قطعة من أرضه لاتزال يحتلها هذا العدو! فلماذا لا يرسل دباباته وطائراته وشبيحته اليها بدلاً من توجيهها الى صدور وأعناق السوريين؟
يتحدث الرئيس السوري كما لو أنه ممثل للفكر الواعي والمثقف الراقي وقدوة السوريين بتاريخهم وحضارتهم وأخلاقهم كما لو أنه ليس في سوريا من مفكّر غيره!
لكن بعيداً عن المجازر والقتل والعنف الذي يرتكبه الشبيحة وقوات النظام والتي وثقتها الأقمار الاصطناعية “للدول الإمبرالية” وكاميرات الهواتف المحمولة لـ”الغلابة” من السوريين، لا يدري سيادة الرئيس أن في سوريا الأسد لا يستطيع أحد مجرد الحديث عن السياسة في الشارع وفي البيت، وأن الأخ قد يبلغ عن شقيقه والأب عن ابنه لأجهزة القمع الأمنية لمجرد أن تحدث هذا أو ذاك مع أجنبي أو ناقش موضوعاً سياسياً أو أمنياً! أهذه هي الأخلاق يا سيد بشار التي تريد أن تحافظ عليها؟! كيف تشعر والمواطن السوري كان يسير في وطنه خائفاً ذليلاً منكسر الرأس قبل الثورة؟
الغريب أن السيناريو نفسه شاهدناه من قبل في تونس ومصر وليبيا واليمن، فلماذا العناد؟ الشعوب تريد أن تعيش بكرامة وحرية، وليس بالخبز والاستقرار فقط تحيا الشعوب “المحترمة”. لا أحد ينكر أن الغرب يهتم بمصالحه فقط وسيحسم الوضع عندما تحين أفضل فرصة له، فلماذا لا تهتم بمصالح سوريا وتفعل ما يحفظها من الفتنة والحرب الأهلية والدمار وهو أن تترك الحكم طواعية؟ لماذا تهدر دماء وأموال وطن بكامله وأنت أعلم بالنهاية؟
إن المنتفعين من نظامك والخائفين سيظهرون دعمهم لك، لكن الجميع سيتخلى عنك بعدما يدقّ الثوار على بابك! عفواً يدكّ الثوار بابك!
بصراحة نحن في العالم العربي نقلل من شأن “المرض النفسي” لدرجة أننا أحياناً لا نعترف به!
^ عن «العربية نت»