عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (خُذ الحكمة، و لا يضرك من أي وعاء خرجت)، على هذه المبادئ يجب أن نبرمج حياتنا العملية، وعلى هذه الأسس يجب أنْ تسير منهجيتنا في التعامل مع الآخر. إن سماع الآراء هو نافذة فكرية تطلّ على التنوع المؤَّطر الذي يضيف إلى خبراتنا خبرات الآخرين الجديدة، التي تجعلنا نعيش معهم بشكل اجتماعي غني العلاقة و قوي الصلة.
في زمن الثقافة الكونية..لا ينكر أحد أنَّ الاطلاع على ثقافات الشعوب هو أفكارهم ومناهجهم هو سبيل لإخصاب عقولنا، وطريق لنضج أفهامنا في دروب الائتلاف، بل هو محك التجديد لإثبات الذات في الرهان الأصعب بين الأمم.
(إنَّ الاختلاف بوجهات النظر - بدل أنْ يكون ظاهرة صحية تُغني العقل المسلم بخصوبة في الرأي والاطلاع على عدد من وجهات النظر، ورؤية الأمور من أبعادها وزواياها كلها، وإضافة عقول إلى عقل -انقلب عند مسلم عصر التخلف إلى وسيلة للتآكل الداخلي، والإنهاك، وفرصة للاقتتال، حتى كاد الأمر يصل ببعض المتخلفين إلى حد التصفية الجسدية وإلى الاستنصار والتقوي بأعداء الدين على صاحب الرأي المخالف، ولهذا في التاريخ القريب والبعيد شواهد. فكثيراً ما يعجز الإنسان عن النظرة الكلية السويَّة للأمور، والرؤية الشاملة للأبعاد المتعددة، فيقبع وراء جزئية يضخمها، ويكررها حتى تستغرقه إلى درجة لا يمكن معها أنْ يرى شيئاً آخر، أو إنساناً يرى رأياً آخر، و قد تصل به إلى أن يرى -بمقاسات محزنة- أعداء الدين أقرب إليه من المخالفين له بالرأي من المسلمين، الذين يلتقون معه على أصول العقيدة نفسها)، من تقديم عمر عبيد حسنة لكتاب أدب الاختلاف في الإسلام.
أقول: من الأمور المهمة أنْ لا نفترض الكمال في البشر، فنبل المقاصد لا يسوِّغ شن حملة ظالمة على الآخرين، بل إنَّ من النصح الواجب للمسلمين أنْ يتعرفوا على غيرهم من الأمم كيف صاغوا برامج حياتهم بعناية والالتزام بقيمهم وسط الزخم الثقافي ليخاطبوا أمم الأرض. الأمر باختصار أننا نفتقر كثيراً إلى دراسة تاريخ الأمم دراسة علمية بنظرة مطلية بالحداثة والتجديد.
ختاماً روى الحاكم في المستدرك أنَّ معاذ رضي الله عنه قال: (خذ الحق أنَّى جاءك فإنَّ على الحق نوراً)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السُنَّة:(لا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني - فضلاً عن الرافضي - قولاً فيه حق أنْ نتركه أو نرده كله، بل لا نرد إلا ما كان فيه من الباطل دون ما فيه من الحق).